الشاب كلمة تطلق بشكل عام على من تراوح عمره بين العشرينات والثلاثينات هذه الفترة التي يتمنى الصغير ان يصل اليها مبكراً ويتمنى الكبير ان يرجع لها فهي القاعدة التي يبني عليها الانسان حياته ويكون نجاحه في هذه الفترة نجاحاً لكل حياته وفشله خسارة للعمر المتبقي ، ولما كان ظرف العراق الصعب معروفاً للجميع فلنا ان نتخيل حال الشاب العراقي ذلك الحائر النظرة الاشيب الشعر رغم صغر سنه المنكسر بفعل قهر الظروف وان حددنا المثقف منهم نجد ان همومه اكبر ومخاوفه اعمق حيث أنّ اتساع افقه يجره الى التكهن بمصيره ومستقبله الذي تسلبه الظروف مهمة تخطيطه ورسمه فيزداد هماً وخوفاً.
وكيف لنا ان لا نخاف ونحن من عاصرنا حكم التكريتي المقبور منذ نعومة اظافرنا وعرفنا اننا نعيش في غابة المطلوب منا فيها الهدوء التام وتقبل الظلم وكانه نصيب وحق ولطالما تصّبرنا بطلب العلم ليكون مشعلاً ان قررنا الهروب من تلك الغابة والسير في طريق مظلم لنبلغ بقعة نور في مكان ما ولربما خلال هذا المسير تنقشع غيمة البعث وهذا كان المستحيل بنظرنا الا ان المستحيل تحقق ووجدنا انفسنا امام مستقبل بدا زاهراً أول الامر .
حصل الشاب العراقي المثقف على وظائف جيدة وبدء بالتفكير في تنظيم مستقبله وحياته الا ان موجة التكفير والارهاب والقتل والتفخيخ والفساد الاداري سحبته عن طريق مستقبله الى طريق اخر هو طريق المواجهة والتهيء والاستعداد ولربما هو توفيق كبير بان يـُوضع الانسان في فترة شبابه بهكذا امتحانات صعبة ليشتد بها عوده غير ان امد الصعوبات قد طال بذلك الشاب وهنا تبدء المشكلة ، مشكلة الشاب العراقي المثقف تحديدا ً وهذا التحديد ليس المقصود فيه تهميش الاخرين وانما لان ارضية الهموم كبيرة ويجب تفصيلها الى اجزاء خاصة بفئات ثم ربطها مع بعضها حتى تكتمل الصورة ، فهذا الشاب المثقف تجده الان في ارض الواقع على صور مختلفة ناخذ منها على سبيل المثال لا الحصر صورتين :
الاولى ان يكون هذا المثقف قد استسلم للظروف القاهرة فهو صامت لا يتكلم ولاينتقد ويعمل وهو يردد ( شنسوي ها هية ) وبمرور الايام تجده يفقد الثقافة التي اكتسبها فهو يهمل أي صقل لاي معلومة وتزداد سلبيته يوم فاخر بصمته وقبول الخطأ عن طيب خاطر وبالتالي يكون انسانا ً متقوقع غير مضر الا انه غير نافع بالمعنى التي يتطلبه المجتمع فعالمه مقتصر على اسرته واحتياجتهم ويتعامل مع صعاب الحياة على انها طبيعية جدا فهو متأقلم مع ازمة الكهرباء والماء ويجد الحلول المتواضعة ليدفع حياته دفعاً وهو راضي تماماً .
حقيقة رغم اني لا أأومن بهكذا شباب لا ينصر مبدئاً ولو بكلمة حق فقط أو بصرخة احتجاج منطقية باسلوب حضاري يعكس ثقافته ويثأر لانسانيته المسحوقة تحت اقدام الظروف غير اني في نفس الوقت وصلت الى جادة حسد هكذا شباب فلقد قرروا ان يطلقوا مركب حياتهم في بحر بدون ان يحصلوا على خريطة وربما أو ان كثير منهم قد وفقوا بقدرة قادر على ان تسير سفنهم بأمان لحد هذه اللحظة .
ولكن ماذا عن النوع الثاني عن الشاب الثوري بطبيعته المنتقد الاذع والمدافع المستميت عن مبادئه الباحث دائماً عن الحقيقة المتراجع عن افكار خاطئة ربما امن بها ذات يوم ، العامل بجد ونشاط تجاه تيارات الفساد الاداري المتابع دائماً لما هو جديد ذلك المؤمن بان اسرته جزء من مجتمع لابد من اصلاحه والا فان مشروع تكوين اسرة صغيرة سيهدمه مجتمع متعب .
هكذا شاب وفي هذا الزمن مؤمن بدينه وعمله وطموحه لكن لو وقف لحظة هذا الشاب ليرقب حياته سيجد ان مواجهة الفساد الاداري والاستماتة في حفظ المبادىء قد اخذت من وقته الكثير وربما وفي برهة من الزمن يجد نفسه على اعتاب الثلاثينات وهو وحيد غير قادر على تكوين أسرة فمخاوفه تحول دون ذلك فهو غير قادر على تقديم تنازلات شديدة وغير قادر على النجاح بالتغيير السريع للمجتمع .
فبالله عليكم كيف يمكن ان تـُقنع انساناً مثقفاً ببناء أسرة على خط نار لا يستقر كيف تـُقنعه بما لا يقنع به الطير الذي لا يبني عشاً الا في الاماكن المستقرة وكيف يـُقنع انسانة مثقفة ان تشاركه حياته وتستعد ان تكون ارملة في أي لحظة ما دام زوجها بهكذا مواصفات رائعة وان اقتنعا انهما سيمران على خط الظروف الصعبة بالتعاون فهل يضمنان اقتناع اولادهما بالمستقبل !! فديننا ان اوجب علينا الصبر والتحمل ونحن نرضخ ايماننا لهذا الامر غير ان ما يحصل اضافة لكونه فوق نطاق التحمل لان الضغوط من كل جانب فان فترة المعاناة ذاتها طويلة وكافية لهدم حياة شاب .
كل هذه التساؤلات ربما يهرب منها الشاب المثقف بان يكرس وقته لعمله وان يزداد ثقافا وعلماً وان يكون خط الطموح لديه في مجال العمل فقط أو ان يهرب بعيدا ليبني حياته لعله ينال الاستقرار وبعدها ليحسب عمره فانا كان مازال شابا فهو محظوظ ، غير ان السؤال الذي يطرح نفسه هل من الحق لشباب بهكذا مواصفات ان تمر عليهم السنين بافكار لا تترجم بسبب الواقع ليتهمه المجتمع بعدها بالفشل فهل من الانصاف ان يتهم هكذا انسان بالفشل ، وهل من العدل ان تدفعه كرامته بأن يرضى بما لا يتنقع به فقط ليكون كباقي البشر !!.
عتبي على العراق كبير كيف لك ايها الوطن ان تراهم هكذا ولا تحرك ساكناً هؤلاء الشباب والشابات ابناءك تراهم منشغلين فقط بالاخبار والانفجارات والفساد الاداري والركض وراء لقمة العيش والالام وجمع الماء وتشغيل المولد واعالة المحتاج من ذويهم والاحتجاج هنا وهناك في الواقع وفي المواقع بتدوين التعليقات وكتابات المشاكل والهموم بينما يعيش ابناء الدول الاخرى ممن هم باعمار شبابنا حالة استقرار وتفكير بالمستقبل الزاهر الا تقتلك نظرة الحسرة المرسومة على وجوه ابناءك رغم انهم لم يقصروا في نيل المعرفة وفي عملهم الا تتالم لالمهم الا تنتفض يوماً؟؟!!.
تحية لكل شاب عراقي مثقف طموح من النوعين الاول والثاني فالاول استسهل الصعب وسار بحفظ الله في سفينته المتواضعة والثاني يهيء لها ويدرس ويضع الخطط قبل الابحار واسال الله ان لا يضيع وقته في هذا وان تنجح مساعيه فالله لا يضيع اجر عامل وهذا ما يريح القلوب المتعبة .
ونتمنى ان يستقر وطننا أو ان نقتص منه جانب لنستقر فيه ان بات استقراره باجمعه مستحيلا ويا حكومتنا اتمنى لك ان توفقي لكل خير وان تحسمي امرك وان تقطفي ثمرة الفيدرالية التي وعدتنا بها علها تكون البلسم الشافي وان كان نيلها البداية وليست النهاية لكن بداية نتمنى ان تكون موفقة فالشاب العراقي يشيخ ياحكومتني والايام تمضي به واخشى عليك ان لا تجديه ذات يوم فان صبر فأن للصبر حدود ان طالت الايام وان هرب فانه لن يرجع ان طالت فترة غيابه فاستدركِ الامر قبل فوات الاوان ونسال الله التوفيق للجميع واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير البشر محمد واله الغر الميامين
اختكم المهندسة بغداد
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)