المقالات

قبلنة الدولة..ودولنة القبيلة..!


 

   لم يقصد أبن خلدون عندما تحدث عن العصبية القبلية، ودورها في بناء الدولة والمُلك، بأنها أساس ذلك البناء؛ بل  أن مقصدهمن هذا التناول كان واضحا، بأن القبيلة في هذا النوع من البناء، أداة لحماية السلطان وترصين المُلك، كقوة؛ سيما وأن شكلا منظما مثلما هو في عهدنا للجيوش لم يكن موجودا، بل كانت الجيوش بالحقيقة جيوش قبائل، يستخدمها السلطان في الهيمنة والسيطرة والتوسع والإمساك بمناطق النفوذ..

   الدولة الحديثة عنصر بنائها ليس الكيانات الاجتماعية المصغرة، بل أن مثل هذه الكيانات عوامل إعاقة، لبناء دولة منسجمة مع روح العصر؛ وتتحول الكيانات الاجتماعية الى مصدر لمشكلات معقدة، يصعب مقاربتها لعدم إنسجام مفاهيمها، مع مفاهيم بناء دولة قوية.

   وليس المقصود بالكيانات الاجتماعية المعيقة لبناء دولة قوية، هي فقط تلك الكيانات المبنية على أساس قبلي، فمثل إعاقاتها تنتج أيضا، عن العصبيات المنطلقة من أساس مناطقي، أو إقطاعيات مادية، أو جماعات تمتلك وسائل القوة المسلحة لدوافع عصابية أو طائفية؛ فهذه الأشكال من العصبيات، تشكل موانع حقيقية وخطرة لبناء الدولة القائمة على سيادة القانون، وفي حالات كثيرة تستخدم هذه التجمعات، سيما القبلية منها، الدولة كأداة لتقوية نفوذها؛ وتتحول الدولة حينذاك الى تابع للقبيلة؛ والتاريخ القريب جدا هنا في العراق، قدم لنا نموذجا لسيطرة قبيلة واحدة، هي قبيلة رئيس الدولة صدام حسين على مقاليد الأمور، ثم ما لبثت هذه القبيلة أن إحتاجت الى توسيع نفوذها، فأستخدمت النفوذ المناطقي، الذي بات حاضنا للنفوذ الطائفي بالنتيجة النهائية..

   ولا وجه للمقارنة بين الكيانات الاجتماعية التي ذكرناها، وبين التجمعات السياسية والتنظيمات المهنية، فهي تنظيمات نوعية لا تربطها عصبية، وهي وسيلة فعالة لبناء الدولة، وإثراء وجودها وتقعيد قواعده؛ ولم تكن مثل هذه التنظيمات يوما عامل كبح لبناء الدولة، وحتى في العصور القديمة، كان رؤساء المهن والأصناف وأصحاب الرأي والحكماء، هم أدوات بناء الدولة و المعينين لها دوما على أداء مهامها..

   إن الحقيقة التي يتعين أن يتم التعامل معها بهذه الواقعية، في صلة الدولة بالعشائر والقبائل، هي أنها كيانات محترمة التقاليد والأعراف، إذا لم تتعارض مع مفاهيم بناء الدولة الحديثة؛ وأن تأبى العشائر والقبائل أن تكون أداة بيد الساسة، أو هراوة بيد السلطة، بل كيانات عالية المقام، تحفظ قيم المجتمع وتهتم بالتكافل الإجتماعي، بلا نفوذ يربك القرار السياسي ويعصبه لصالح قبلنة الدولة أو دولنة القبيلة..

   كلام قبل السلام: وأقرأوا معي ما قاله أبن خلدون في مقدمته: (وهذا التغلب هو الملك، وهو أمر زائد على الرئاسة…فهو التغلب والحكم بالقهر، وصاحب العصبية إذا بلغ رتبة طلب ما فوقها)...!

 

سلام....

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
saad al-zaidy
2013-09-17
تشخيص أقل ما يقال بحقه دقيق جدا وهو اكثر من ذلك فهو واقعي قد اللجوء الى غيره يسبب مشكلة
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك