المقالات

الأكثرية المسحوقة والأقلية العميلة


( بقلم: حسن الهاشمي )

عادة ما نشهد في ظل النظام الديمقراطي قفزة نوعية في المجال العلمي والثقافي والاجتماعي والصناعي والتكنولوجي، حيث أن الأجواء مفتّحة، والإمكانات متاحة، والتسهيلات متوفرة للجميع، يتم تفتق وظهور الكفاءات العلمية والعقول المتفكرة الخلاقة على أرض الواقع، وتبوؤها مراكز حساسة في الدولة بدلا من الوساطات والمحسوبيات والانتماءات الحزبية الضيقة.

تنبثق عن الديمقراطية تشكيل الأحزاب والنقابات العمالية والتعاونيات ومؤسسات المجتمع المدني، التي تدافع عن القطاعات المختلفة للشعب، ويتم توزيع المال والإعلام والقدرة والإمكانات الخدمية الأخرى بينها، لئلاّ يجتمع المال والقوة بيد شخص واحد أو حزب واحد، الذي يؤول بطبيعة الحال إلى الاستبداد، وإلغاء الرأي الآخر.المناصب تتوزع على الجميع بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية والعرقية والقومية، لا أنها حكر على فئة حزبية معينة أو عائلة مالكة أو ثلة متملقة للزعيم الأوحد، وهذه الصفات نراها جلية واضحة في معظم الأنظمة المستبدة، وما يعقب ذلك من تخلف وجهل وتبعية واندثار، تلك الأنظمة التي تدفع إلى السلطة أفراد متملقين متزلفين تسيرهم الأهواء والمصالح، وتتجاذبهم رياح التملق والانحناء.

الديكتاتورية إذا ما عشعشت من شأنها أن تلغي العقول، وتحكم العقل الأوحد، ولا ضير أن يستشير الحاكم المستبد، ولكن استشارته تكون منصبة لدعم حكمه وسلطانه، وليس لصالح المجتمع وتطوره، وهذا ما يخلق وضعاً كارثياً لا يعرف مداه إلاّ الله سبحانه والراسخون في العلم، ولهذا جاء الرفض القاطع من قبل الشرع والعقل السليم- لكل أشكال الاستبداد مهما كانت مسوغاته ومهما كانت تبريراته ودوافعه.

حديثي وإن طال فإنه ليس منصبا عن الديمقراطية والإستبداد، وإنما ذكرت تلك المفارقة للإلماع بأن ما يجري على الساحة العراقية هو صراع على أشده بين أجندات متقاطعة فيما بينها، بعضها يسعى جاهدا لترسيخ مبدأ الديمقراطية ودولة المؤسسات التي تقوم على أساس العدل والإنصاف في توزيع القدرة والأدوار، وتقف على رأس هذه الشريحة حكومة الوحدة الوطنية التي شكلها الدكتور نوري المالكي، ويقف وراءها جيش من المتضررين والمسحوقين والسجناء السياسيين وعوائل الشهداء والمفقودين وهم يشكلون الغالبية العظمى من الشعب العراقي، وكلهم أمل أن يتخلصوا وإلى الأبد من الظلم والإجحاف الذي طالهم طيلة القرون الغابرة.والبعض الآخر دخل العملية السياسية بقضهم وقضيضهم لتقويض التجربة الديمقراطية التي تشهدها الساحة العراقية ولإول مرة في التاريخ، فإنهم قبل وبعد دخولهم العملية السياسية كانوا دائما ولازالوا يضعون العصي في عجلة التقدم الديمقراطي في العراق، ويقف على رأس هرم هذه الشلة المارقة ما يسمى بجبهة التوافق العراقية وجبهة الحوار الوطني ومن يقف وراءهم من أنظمة عربية ديكتاتورية، مطاليبها دائما وأبدا منصبة على إلغاء هيئة اجتثاث البعث وإطلاق المساجين الذين يقبعون في سجون الاحتلال وسجون الحكومة العراقية وإرجاع ضباط الجيش العراقي المنحل وكذلك ضباط الأمن والمخابرات الصدامي إلى مناصبهم، ومعارضتهم المستميتة في تطبيق النظام الفيدرالي في منطقتي الوسط والجنوب بدواعي أنها تقوم على أساس طائفي، بالرغم من المباركة التي أبدوها لإقامة إقليم كردستان الذي أقيم على أسس قومية؟!

وبقيت الحكومة العراقية المنتخبة تتجاذبها تلك الأجندة المتباينة والمتقاطعة في نفس الوقت، وساعدها الله كيف أنها تحاول التوازن بين مطالب الأكثرية المسحوقة والأقلية العميلة؟! وانعكس ذلك الواقع المضطرب الذي يتصارع في حلبته الضحية والجلاد على الامتيازات التي يحاول أن يحصل عليها كل طرف، ومن هذا المنطلق لا تزال مؤسسة الشهيد وكذلك مؤسسة السجين اللتان أسستا للقيام بمتطلبات الوفاء لهاتين الشريحتين اللتين لهما دور كبير في المكتسبات التي تحققت للشعب العراقي، ما تزال هاتان المؤسستان تتصارعان عليها الكتل السياسية، وضحية هذا التصارع عوائل هاتين الشريحتين المظلومتين، في الوقت الذي نرى بقايا الجلادين والعصابات البعثية تضغط وبشدة من أجل تحقيق المكاسب لهم ولعوائلهم وإرجاع مجدهم الغابر، وإذا بقي الحال كذلك فان هناك خسارة كبيرة لشرائح واسعة من المجتمع، ونتيجة ذلك ستخسر الدولة الكثير من الرصيد الجماهيري المتمثل بالملائين من الطبقات المسحوقة من الذين جاهدوا وتحملوا الكثير من الويلات والمصائب بسبب مقارعتهم للنظام البائد.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك