المقالات

بلادة الوعي


 

بلادة الوعي قد تجدها عند أشد الأصوات ضجيجاً وأكثرها صخباً، فالغراب كثير النعيق صاخب الحركة ولكنه كان ولا زال وسيبقى أسيراً لبلادته، فهو يخدع بمجرد ان تضع أمامه بريقاً ولمعاناً، فينهال عليه ليجد الصياد في انتظاره، كذلك هؤلاء الذين يخدعهم المخادعون والمضللون، حينما يضعون لهم صورة كبيرة براقة الألوان، فينشغل بها المغفلون أو من يعتبرون أنفسهم ممن يمتلك الوعي، فيبقى أسير الصورة ولكنه لا يلتفت إلى ما يختفي تحت الصورة ووراءها وجنبها وفوقها..

 وهنا تكمن قصة التضليل السياسي والفكري والثقافي والأخلاقي، فهؤلاء يتقبلون عملية التضليل ويحسبونها وعياً، رغم أنها هي السم الزعاف والقاتل الأثيم واللص الكبير...

 فكثير من كلمات الشفافية تخفي وراءها غموضاً وضباباً، والكثير من كلمات النزاهة تخفي وراءها لصوصية فريدة، والكثير من كلمات البناء تخفي وراءها خراباً مريعاً، والكثير من دموع العيون تذرف من عيون التماسيح، والكثير من الأناقة تخفي وراءها قبح أقدام الطاووس، والكثير من فراغ الكأس يشغلك عن النظر إلى ما في بقيته، وكي تتخلص من هذه البلادة لا تكن غراباً ينعق مع كل ناعق، بل خذ الفكرة إلى عقلك ولا تتوقف عند من يقولها، وزنها بموازين الحق عندئذ تستطيع أن تكون كما نصحك امير المؤمنين عليه السلام:" لا يعرف الحق بالرجال، وإنما يعرف الرجال بالحق".. فالرجال قد يختفون وراء كلمات منمقة وشعارات زائفة ومآرب خبيثة وأهداف شريرة ومصالح فاسدة، بالرغم من أنهم قد يتحلون بلسان طويل وبقدرة فذة على التباكي..

والرجل الواعي هو وحده الذي لا يخدعه شكل الرجل ولا كلامه في زمن السوء، حينما ينظر إلى حقيقة واقعه وما يعمل به، فزمن السوء تختفي فيه الحقائق ويختلط الحق بالباطل والحسن بالرديء والصدق بالكذب.

 ولا نجاة من هذا الخلط إلا باخذ الأمور بمقياس الإمام السجاد عليه السلام الذي كان يقول: "لا تغتروا بكثرة صلاة الرجل أو صيامه، فإنه إن تركهما استوحش، ولكن اختبروهم بصدق الحديث وأداء الأمانة، فقد يعتاد الرجل على الصلاة فلا يتركها".. ولقد روي عن أن اللعين يزيد بن معاوية كان يضرب ثنايا المولى أبي عبد الله بأبي وأمي وأذن المؤذن، فقام وصلى ثم عاد لمزاولة فجوره، ولكن صدق الحديث وحمل الأمانة وأداء مسؤوليتها هو وحده الذي يدلنا على حقيقة تلك الصلاة وذلك الصيام، فالكذب حبله قصير فقد يغرك إنسان ما بحديث كاذب، ولكن الوقائع ستكشف حقيقة كذبه شريطة أن تبقى تتذكر قوله الأول..

 أداء الأمانة حركة ظاهرة في الواقع الاجتماعي لا يخطؤها أهل النباهة، ولكن يبقى الغراب وحده هو من يسقط في فخ المغررين والمضللين لأنه يؤخذ باللمعان لا بجواهر الأشياء.

وما اكثر الأمثلة وأفدحها في واقعنا السياسي والديني والاجتماعي.

2/5/13802

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
ابو زهراء الأسدي
2013-08-02
السلام عليكم شيخنا الضحك على الذقون وتصنع ( التدين ) وحب إلقاء الاتهمات مع القليل من التصنع وتحريك اليد والحلف كذباً كأن يقول ( والله أقلب البرلمان قلب لو رحت ) وغيرها الكثير من المسطلحات التي يلقيها على من يعتبرونه قدوتهم في العراق والرجل الاوحد للامة العراقية يأخذونها بقدسية كبيرة ، المصيبة ليست في البلادة بل في طبيعة العراقيين والشعب العراقي ، شاهد تناقضاتهم الكثيرة تتعجب !! تراهم يلعنون وضع الكهرباء ومع هذا يعشقون المسؤل عنها !! وهكذا قس على باقي الوزارات والخدمات . كان الله في عونك وعوننا .
كريم البغدادي
2013-08-02
كثير مايمر المرء بالوهن والضعف قد ياتي بتراكم الجهل المطبق من مرحله اومرحلتين في عراقنا مررنا بهذه التجربتين تجربة الحزب الواحد الشمولي مما سبب بجعل الناس مخدرين مشلولي الاراده والتفكيرالى ان اصبح الخطأ صحيح والصحيح خطأ بدون من يميزوانتقلت تلك التجربه الى وقتنا الحاضر بتشضي الافكار وراء الوعودالكذابه وصاريكذب الكبير الامين ويصدق الصغيرالكذاب ومالمسناه في الانتخابات الاخيره يحصل الحراميه على الاصوات العاليه ممايدل على بلادة وعي الناخب.في تلك المرحله كان غرابا"واحداواليوم مجموعة غربان
كلمة
2013-08-02
سلام عليكم نعم كثير من الناس قد تأملوا صورة واستمروا سنين بوصفها ! والغريب انهم لا يكلفون نفسهم في تغيير الزاوية عسى ان يألفوا شيئا جديدا ً ربما يحثهم على رؤية صور اخرى , ويرجع السبب في بلادة الوعي كما تفضلتم 1- عدم الاخلاص لله فلو كل عمل صدر منا له لما توقفنا عن البحث عن الكمال. 2- الكبر فكثيرا ما يطرد الموهوم اي فكرة جديدة خشية التراجع والاعتذار لان عمله خالص للناس ونفسه دون الله عز وجل . 3- كثرة العقول البليدة فهم العدد الاكبر وبذلك يزدادون بلادة لان عدد الصقور امثالكم قليلون في سمائنا
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك