المقالات

البصرة ... ملكة الجمال والقدح الأخير


/ حافظ آل بشارة

اكتسبت مدينة البصرة أهمية خاصة في السباق الانتخابي الأخير لمجالس المحافظات ، وسبق للقوى السياسية المختلفة ان وضعتها في مقدمة حساباتها الاستراتيجية ، فهناك جهة دعت الى تأسيس اقليم البصرة الفدرالي ، فيما دعا المجلس الاعلى الى تشريعها عاصمة اقتصادية للعراق ، بينما بذل ائتلاف دولة القانون جهودا كبيرة لتعيين محافظ للبصرة منه ، وخلف الكواليس حاولت شركات عالمية وخليجية الحصول على امتيازات كبيرة لاعمار البصرة وتولي ادارتها الاقتصادية . ويأتي هذا الاهتمام من وعي جغرو سياسي اقتصادي للمدينة ومستقبلها ضمن محيطها العراقي والعربي . منذ خلافة الامام علي (ع) حاول طلحة والزبير احتلال البصرة واقتطاعها من الدولة الاسلامية للاستحواذ على مواردها ، بما يتمتعان به من وعي اقتصادي سياسي ، وتوالت الثورات والمعارك والاشتباكات على البصرة عبر العهد الاموي والعباسي وفي العصر الحديث وقع خبراء شركة الهند الشرقية في حبها منذ القرن السادس عشر واتخذوها منطلقا نحو الهند واواسط آسيا والعالم العربي ، وعندما جاء البريطانيون لاحتلال العراق بدأوا بها واسسوا اول قنصلية وحامية لهم هناك ، وكانت اولى آبار النفط قد تدفقت من هناك . تمتاز البصرة بكونها خزان نفط عملاق يختبئ على ساحل الخليج وفيها حقول مجنون والرميلة والقرنة ، ويمكن لنفط البصرة ان يقلب موازنات السوق العالمية ويغير حسابات النفوذ فيها ، وهي بستان نخيل كبير تجري من تحتها الانهار ، فهي مثلث نهري نادر مكون من دجلة والفرات وشط العرب ، وهي حاضنة لبيئة اهوار عريقة بمكوناتها النباتية والمائية والحيوانية ، من يتولى ادارة البصرة الآن فعليه التحلي بالوعي الاستراتيجي القديم والجديد ، حتى المرشحة لمسابقة ملكة جمال تخشى ان يدس لها السم قبل صعود المنصة بلحظات لتتقدم ملكة منافسة ، البصرة في الحسابات الاستراتيجية للالفية الثالثة ستكون ذات شأن عظيم ، فهي منافسة لمدينة دبي ولجميع الموانئ الخليجية الفاعلة ، وهي بوابة العراق البحرية وقادرة على استقبال التجارة البحرية لتنطلق منها الى انحاء العراق والشام وايران ودول آسيا ، وهي حاضنة النفط تنقيبا واستخراجا وتكريرا وتصديرا وارصفة وبتكاليف اقل ، وهي البيئة السياحية المثالية التي تنافس اي مدينة خليجية وامتيازها ان الموانئ الخليجية تعاني من وقوعها على حافة الصحراء بينما البصرة تحتضن السهل الرسوبي العراقي الشهير بخضرته وخصبه واعتداله ، فاذا تم اعمار البصرة بفنادقها الشاهقة وطرق مواصلاتها الحديثة وحدائقها وساحاتها وبحيراتها واهوارها وبساتين نخيلها واختلطت فيها عناصر البيئة البحرية والنهرية ، وفتحت فيها اسواق التجارة العالمية ومنطقتها الحرة المتعددة الجنسيات ، هذه المدينة الخطيرة ستسحب البساط من تحت ارجل الموانئ الخليجية وتصبح قبلة النفط والسياحة والاستثمار ، ولكن تطورا كهذا ماذا يعني من الناحية السياسية ؟ لا شك ان الاقتصاد والسياسة احدهما انعكاس للآخر ، المعروف ان الشاطئ الغربي للخليج هو اقليم كبير تشابكت فيه السياسة والاقتصاد والقواعد العسكرية ، وقد ادت اتجاهات الصراع القائم هناك الى بلورة واقع جديد غرب الخليج لديه حساسية طائفية شديدة وتهيمن عليه توجهات متشددة ، وبامكانه ان يخضع جميع تطورات المنطقة الى اعتبارات طائفية ، العواصم الخليجية والقوى الاجنبية التي تدعمها والتغلغل الاسرائيلي فيها يجعل ملف البصرة ذا وجه آخر ، فالبصرة مركز ثروة ونفوذ حضاري شيعي منافس ، وهي تشبه فدك بني هاشم التي كان الخصوم يخشون ان تكون مصدرا لتمويل المعارضة بوجه الدولة القرشية ، وهنا يعد الحصار العالمي على ايران نوعا من تركيع الخصم بالتجويع ، بينما الحكومة الشيعية المفترضة في العراق يجري تركيعها واضعافها بالارهاب وتهديدات التقسيم ، اما اذا استقر العراق فلن يسمح له ان يتحول الى عملاق اقتصادي في المنطقة ، فيكون قادرا على تصدير 10 ملايين برميل نفط يوميا ، ليستعيد مكانته في منظمة اوبك ، وتكون البصرة قادرة على اضعاف نفوذ دبي وبقية الموانئ الخليجية ، وفك الاختناق والحظر عن الموانئ الايرانية المجاورة ، في معادلة الصراع الطائفي يصبح متوقعا ان تطوير مدينة البصرة يثير حفيظة العواصم الخليجية ، لذا يجب استهداف المدينة بتضييق منفذها البحري كبداية وكلما تقدمت المدينة مستقبلا في تنميتها ستجد عقبة أخرى تواجهها ، لذا يصبح واجبا على من يتبنى ادارة البصرة مستقبلا ان يضع هذه الحسابات نصب عينيه ويبتعد عن البراءة في تفسير اي حادث يشكل تحديا للبصرة واهلها ، انها ملكة الجمال التي تتهيأ لصعود المنصة ، فلتكن حذرة من اي قدح عصير يقدم لها .

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك