المقالات

العراقيون.. واسقاط الصنم


( بقلم : علي حسين علي )

قبل العشرين من آذار، يوم بدأ الهجوم الجوي لقوات التحالف على قصور الطاغية صدام وثكناته العسكرية وقواعده الجوية ومقرات اجهزته القمعية والبعثية.. قبل ذلك اليوم كان صدام كان محتاطاً لحدث جلل يعتقده، وهو ان الشعب العراقي سينتفض عليه وسينتفض على نظامه، فأولوية صدام في كل حروبه وعدواناته هي الخوف من هذا الشعب قبل الخوف من اية قوة اجنبية مهما كبرت ومهما كانت قوتها.

يومذاك، أي العشرين من آذار، كان صدام قد استنفر كل قوته الرهيبة لمراقبة الشعب العراقي، ومحاصرته بالخوف والهلع، ولم يولي اهتماماً يذكر لحشود اكثر من نصف مليون جندي اجنبي على حدود العراق الغربية والجنوبية والشمالية ايضاً.

فصدام كان كل ما يخشاه ان تتجدد انتفاضة شعبانية اخرى، وكان يتصور انه سينجو كما نجا عام 1991 في حال استطاع منع العراقيين من اسقاطه والثورة عليه والاقتصاص منه. واذا كان صدام الطاغية لم يكن مكترثاً بالحشود الضخمة والاسلحة الرهيبة، فلانه اعتقد ان الامر لن يكون اسوأ مما كان عليه الحال عام 1991.. وحسب ان ما يخيفه هو الشعب العراقي فاذا استطاع ان يمنعه من الوصول اليه واسقاطه فانه يكون بذلك قد ضمن عشر سنوات اخرى او اكثر لحكمه ان يستمر في العراق.. هكذا فكر صدام، وعلى اساس هذا التفكير وضع اولوياته في حرب الخليج الثالثة.

بالمقابل، كانت القوى الدولية العظمى التي تحالفت لاسقاط حكم الطاغية، وبتأثير من بعض الحكام الاقليميين، كانت تستعجل المسير لاسقاط صدام خشية منها ان تتكرر انتفاضة العراقيين فيسقطه الشعب العراقي قبل ان تدوس نظامه دباباتها.

فالجانبان، الاجنبي والصدامي، يواجهان مشكلة واحدة، هي ان يسقط العراقيون حكم الطاغية بايديهم. واذا ما كان صدام يضمن سنين حكم جديدة في حال منع العراقيين بالقوة عن اسقاطه، واذا كانت القوى الكبرى المحتشدة على الحدود لها حساباتها واجندتها واستحقاق بعض الحكام الذين تنطلق القوات الامريكية من اراضيهم والطائرات من اجوائهم.. ولهذا، فالاتفاق في المصالح غير المتفق عليه بين الطرفين كان يحثهما على ان لا يتمكن الشعب العراقي من اسقاط اعتى نظام استبدادي عرفه تأريخ العالم الحديث.

والقوى الوطنية الاسلامية المعارضة، كان لها موقفاً متفرداً ولكنه لا يرضي أيَّاً من الطرفين لا صدام ولا قوات التحالف.. وهذا الموقف قد ابلغت به الدولة العظمى، وطلب منها ان تترك للعراقيين فرصة اسقاط نظامهم، وان تمنحهم هذه الفرصة التأريخية التي ظلوا ينتظرونها اكثر من ثلاثة عقود.. لكن الدولة الاعظم – كما قلنا- كانت تفكر بمصالحها او ربما بمصالح غيرها، ممن لهم عليها (حقوقاً)، ومن الذين يخشون نتائج سقوط صدام على يد ابناء الشعب، وخوفاً من هذه الامثولة التي يمكن ان تتكرر في اماكن اخرى قريبة او بعيدة.. وكلما حاولت القوى المعارضة العراقية الاصيلة والفاعلة ثني الامريكيين وحلفائهم عن مخططهم باسقاط صدام على ايديهم، كلما تمسك الآخرون بما لا يرغب به ابناء العراق الاحرار.

وكان شهيد المحراب اية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم (قدس) زعيم المعارضة العراقية يرى ان من حق العراقيين اسقاط النظام المستبد، وانه لشرف لهم ما بعده شرف ان يكونوا قد اقتلعوا الشجرة الخبيثة بأيديهم.. وكان (رضوان الله عليه) يستشرف المستقبل في حال تم اسقاط صدام بأيدي غير عراقية، فان القوة التي تسقطه تطلب الثمن، والثمن دائماً سيكون على حساب وحرية واستقلال العراق وشعبه.. وكان (رضوان الله عليه) يقدر بان نظام الطاغية لا يحتاج الى كل هذه الجيوش لاسقاطه لانه، - أي النظام- متهالك ومتشظي، فقد انهكه العراقيون وكشفوا كذب مزاعمه بالقوة ونخروا جسده العليل بعشرات بل مئات العمليات العسكرية التي خاضتها المقاومة الاسلامية الوطنية ضد جيش النظام ومؤسساته القمعية والتي اظهرت عجز النظام في مواجهتها.

كان النظام الصدامي منهاراً فعلاً قبل هروب (قادته) من ارض المعارك التي لم يسجل فيها اية مواجهة بين الجيش الصدامي والقوات الاجنبية، فالجيش العراقي قد عانى طوال اكثر من ثلاثين سنة من حروب صدام، وهو غير مستعد - كأفراد وليس قيادات – على مزيد من التضحيات من اجل ان يبقى صدام وعائلته حاكماً او حكاماً على العراق يذيقون شعبهم سوء العذاب. اضف الى ذلك كله فان قناعة قادة المعارضة العراقيين الاحرار كانت مبنية على فرضية دقيقة وقد ثبت صحتها، وهي ان الجيش العراقي لم يعد يملك القوة او القدرة او حتى الرغبة في الدخول في حرب مع اياً كان وحتى ان جنود وضباط وقادة هذا الجيش قد تواروا عن الانظار وتركوا معسكراتهم واسلحتهم ثم فروا لا يلوون على شيء.

وكان قادة المعارضة العراقية الاصلاء يعرفون حقيقة بان صدام شخص جبان، لم يعرف عنه الا المظاهر الكاذبة والادعاء البطولية الفارغة، وقد شخصوا امره بانه سيفر من المعركة ولن يمكث في بغداد ساعات خشية غضبة اهلها عليه وعلى نظامه. وهكذا سقط النظام وانهار جيشه وفرَّت قياداته.. وكانت حسرة ما تزال حتى اليوم في نفوس العراقيين وهي انهم الاحق باسقاط الصنم.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك