( بقلم : علي حسين علي )
منذ عام 1964 عام انعقاد اول قمة عربية في الاسكندرية بمصر وحتى يومنا هذا التأمت القمة العربية ثلاثاً وثلاثين مرة،من بينها تسعة عشر قمة دورية، أما الباقيات فهن قمم استثنائية أو طارئة.. وبين قمة الرياض الاخيرة في السعودية، والقمة الاولى في الاسكندرية بمصر،مرّ من السنين ثلاث واربعون عجافاً لم يتقدم خلالها العرب خطوة واحد الى الامام،وكذلك لم تحل مشكلة فلسطين التي ظلت محور القمم الدورية والطارئة.
في مؤتمر قمة الرياض الاخير،وعلى جدول اعماله كانت مشكلة فلسطين التي اختصرت بـ(المبادرة العربية السلمية) وهي المبادرة التي طرحها ولي العهد السعودي آنذاك في قمة بيروت عام 2002 والتي تتضمن جملة من الافكار لحل المشكلة الفلسطينية، والتي انقسم عليها العالم العربي بين مؤيد ورافض وكذلك قابلها الفلسطينيون باعتبارها من قبل بعضها بانها (ان لم تنفع فلن تضر) بينما رفضها الرافضون بكونها (تفريط بحق الشعب الفلسطيني بالقدس والعودة) والى غير ذلك من (التخوينات) لطارح المبادرة وحكومته.. ومع ذلك رفضتها اسرائيل وابت ان تناقشها في أي لقاء بينها وبين الحكام العرب وكذلك رفضتها امريكا من دون ان تعلن ذلك.. واستعاضت عنها بخارطة طريق ولجنة رباعية!! لم تتخذ أي قرار منذ اربع سنوات وحتى يومنا الحاضر هذا.
واذا ما كانت قمة الرياض قد اعادت اجترار (المبادرة العربية) وزادت في مضغها، فان القضية العراقية التي طرحت ضمن اولويات جدول اعمالها قد تعرض لها (خطباء القمة) واولهم حاكم السودان البشير باعتباره رئيساً لقمة الخرطوم السابقة! ولم يكن البشير مبشراً بخير في كل ما جاء في خطابه عن الشأن العراقي.. فهو قد (نصح) العراقيين بتعديل الدستور!! ووحدة الصف، وما الى ذلك من الدعوات الاخرى، متناسياً انه اولى من العراقيين بالنصيحة، فبلاده التي حكمها بالدبابة ممزقة، فالجنوب خارج عن سلطة الحكومة وشبه مستقل، الشرق عاص عليها ويأمل بالانفصال والاستئثار بثروته النفطية والشمال ما يزال (خارجاً على القانون) ورجال العصابات يهاجمون القوات الحكومية ليل نهار مع مطلب بالالتحاق بمصر! والغرب يعبث به الجنجويد فساداً واهله مهجرون في دول الجوار وقبائل دارفور قد اعلنت خروجها على سلطة (البشير) ايضاً.. ولعل من اغرب ما في قمة الرياض هو ان ينصح من هو اولى بالنصيحة.
واذا ما كانت بعض بنود (اعلان الرياض) قد اشارت الى دعم العراق في مواجهة (التطرف) وطالبت بخفض الديون ونصحت بالمصالحة، وتوزيع النفط بعدل بين الناس، فقد جاء خطاب الرئيس الطالباني من بين قلة قليلة من خطب الرؤساء والملوك التي اتسمت بالموضوعية والصراحة والصدق.. فالعراق ذو الانتماء العربي والاسلامي حمله الرئيس الطالباني الى مؤتمر القمة داعياً الجميع الى مساعدته ان كانوا حقاً يريدونه قوياً معافى.. وقد وضع فخامة الرئيس النقاط على الحروف بكل شفافية، فقال ان العراق الجديد حالة ديمقراطية فريدة في المنطقة، وان المصالحة الوطنية تجري على قدم وساق ولن يعترضها الا الارهابيون ومن يقف وراءهم واشار الطالباني الى ان الارهاب التكفيري في العراق لا يهدد العراق وحده بل جميع العرب والمسلمين ونبه الى ان الخطر الارهابي اذا لم يقض عليه في العراق فان اسوار البلدان الاخرى ستتداعى امامه واعطى فخامته اكثر من دليل دستوري على ان نفط العراق سيوزع بين ابنائه بالعدل ولكنه ضمنياً دعا الاخوة العرب الى تفعيل الاقوال وعدم الاكتفاء بترديدها فالعراق يواجه خطراً فريداً وعلى الجميع مؤازرته في حربه ضد الارهاب.
وخلاصة القول كانت كلمة الرئيس الطالباني هي وحدها - من دون مبالغة – نقطة الضوء في اخر النفق المظلم فعسى ان يهتدي اليها الآخرون. ما يؤخذ على القمة تلك هو تدخل بعض القادة العرب في الشأن العراقي وان كان ذلك تلميحاً فانه يحسب عليهم اذ هم لن ولم يقبلوا ان يتدخل أي طرف اخر حتى وان كان شقيقاً في شأن بلدانهم الداخلية وما يتوقعه المراقبون السياسيون ان تظل قرارات القمة الاخيرة في محيطها الصوتي ولن تتحول الى افعال ودليلهم على ذلك هو ان ثلاثاً وثلاثين قمة سابقة كانت قد اصدرت قراراتها وبياناتها ولم توضع أي منها موضع التنفيذ!!.
علّ وعسى ان تأخذ قرارات قمة الرياض جديتها من الشعور بالخطر الداهم والاعتراف بالتقصير اللذين ابان عنه العديد من المتحدثين فان كان ذلك الاعتراف حقيقياً فان الامل بلا شك سينتقل الى حالة العمل والا فان القمة قد انعقدت ولكن الهمة قد قعدت على ركبتيها ولن تتقدم الى الامام خطوة واحدة.
https://telegram.me/buratha
