( بقلم : امجد الحسيني )
ذات مرة كنت جالسا اتأمل شريط حياتي وكانت الساعة الواحدة ظهرا بعد فترة وجيزة من الغداء وكنت اتامل فعادت ذاكرتي الى اعوام ليست بالكثيرة عادة ذاكرتي الى صنعاء عندما كان النظام البعثي يطاردنا لالشيء سوى اننا من اتباع اهل البيت فهربنا للعمل وهذا ليس موضوع القصة لان موضوع القصة هو اني نظرت الى ساعتي وانا اخذ نفسا عميق من سيجارتي (غمدان) واعرض شريط ايامي في صنعاء وقد تعتبر صنعاء بالنسبة لليمنيين باريس اليمن لانها المدينة الوحيدة التي تجد قليلا من الناس فيها يلبس خفا في قدمه ثم نظرت الى ساعتي فاذا هي الواحدة فتصفحت في مخيلتي ماذا يفعل اليمنيون في هذه الساعة ( على فكرة هم يطلقون على انفسهم لقب اليمنيين داخل بلادهم ولكنهم عندما يخرجون حدود اليمن يطلقون على انفسهم اليمانيين) واليمنيون في هذه الساعة يهرعون الى المطاعم لانهم معروفون بانعدام المطبخ في منازلهم الا القليل ، يهرعون ليأكلوا الفحسة او السلته او العصيد وهي من الاكلات الشعبية التي عادة ما يكرهها الوافدون الى اليمن ولكنهم يحبونها بعد ان يصبهم داء التيمن .
وعند ذلك تجد الشارع اليمني كالمجنون في المطعم وهم حين يسرعون في اكلهم على الارصفة او على اتربة الشوارع لا يبغون الا ان يصلوا الى المرحلة المهم في حياتهم اليومية وهي شراء التخزينة ( القات) والقات نبات اخضر اعتاد العراقيون ان يسمونه ( الجت ) ذو رائحة اعتقد انها نتنة . بعد الغداء تسأل سائق التكسي فلا تجد منه جواب لانه يخزن وعندما تعيد السؤال يكون كريما ذلك السائق اذا قال لك نعم ( اليمنيون لا يقولون نعم وانما يصطنعون حركة او كلمة جديد يصنعونها في فمهم ولا استطيع ان اكتبها لانها تلفظ ولا تكتب ( تقوم على تحريك الشفة داخل الحلق فيصدر صوت من دون حروف كالصفير والشخير) وتجد الشوارع في الفترة من الواحدة والنصف او الثانية الى الساعة الثامنة مساءا وهي خاوية على عروشها وفيها حالة من السكوت ، النساء تتجمع بعضهن مع البعض الاخر والرجال يتجمعون في شقق ضمن كثافة عالية ففي الغرفة الصغيرة يتجمع اكثر من اربعين شخص اذا كانوا رجال واربعين امرأة ان كن نساء ثم يضعون القات ويقومون بمضغه كما تشتر البقرة العشب ويأتون بال ( متاعة ) وهي نركينة عندنا لتتصاعد من الغرفة اعمدة من الدخان الذي يشعرك بالغثيان ، ويتداولون ما يتعارف عليه عندهم بالاحاديث رغم اني جلست بعض المرات معهم فلم اجد احاديث انما هي همهمات فارغة وايماءات غير مفهومة لانهم منشغلون بهدفهم السامي وهو مضغ القات وكل دقيقة يقول لك احدهم وبكرم شديد ( خزن يا استاذ ) وانت ترفض بعد ساعتين من التخزينة تجد الوضع قد تغير فالقوم ينطلقون بالكلام غير المعقول فهم يبنون قصورا ويهدمون اخرى ويضعون ميزانيات لدول كبرى في خيالهم ويفكرون بنظرية المؤامرة وحقوق الانسان والجهاد في فلسطين وسرقات علي عبد صالح ( الشويش) وفضائح الحكومة واسرار البرلمان ويستمر حديثهم حتى ساعات متأخرة من الليل المظلم بعدها وعندما تنتهي الجلسة يذهب الكل الى البيت وهم لا يفقهون من احاديثهم ولا يشعرون بما قالوا فصدقت عليهم المقولة التي تطلق على كل العرب ( كلام من غير افعال).
https://telegram.me/buratha
