المقالات

المسؤول والحس الإنساني


السيد حســـين الصـــدر

من المتع اللذيذة عندي، اقتناص اللقطات من بطون كتب السيرة والتاريخ والأدب، تلك اللقطات الكاشفة عن المواقف الأصيلة، الموّارة بعَبَق النبل والانسانية، والدالة على الأصالة، وطيب السريرة والحرص على الناس وكراماتهم، وتيسير الأمور وتسهيلها بعيداً عن العنعنات، والعنجهيات، والحسابات التي ما أنزل الله بها من سلطان. وتسليط الأضواء على هذه المواقف، والتذكير بها عملية ذات مردودات ايجابية: إن فيها معنى التحفيز والدفع نحو استلهام روحها ومضامينها في ممارساتنا الحياتية الراهنة، لا سيما من قبل أصحاب النفوس الصافية، المتطلعة الى الآفاق الرحبة اجتماعياً وانسانياً وسياسياً ووطنيّاً. إنّ موقفاً تفصلك عنه مسافات طويلة من الزمن، قد يكون السبب في حَمْلك على الانخراط في مدرسة جديدة. ان اهم التحولات، هي تلك التي تجعلك كثير العناية بخدمة الناس، والاحسان اليهم، والكدح المضني من أجلهم، وتوظيف كل الفرص، والامكانات في هذا الطريق. جاء في بعض المصادر الأدبية : ولي عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس المدينة، فأحسن السيرة، ثم عُزل، فاجتمع أهلها، فاستعبر وقال: أيكم ينشدني قول الضبي: فلا السجن أبكاني ولا القيدُ شَفَنّي ولكنني مِنْ خشية الموتِ أجزعُ بلى إنَّ قومي قد أخافُ عليهمُ اذا غَبِتُ أنْ يعطوا الذي كنتُ أمنعُ أمَ والله: ما بكائي جزعاً من العزل، ولا أسفاً على الولاية، ولكني أخاف أنْ يلي هذه الوجوه، من لايعرف لها حَقَّها اجتماع الناس عليه بعد عزله، انما هو تعبيرٌ عن حبهم له، واعتزازهم به، وإلاّ لشنوا عليه الغارات..، غارات المساءلة، والنقد الشديد، وربما الايذاء والاعتداء أيضاً. وهكذا يجب ان يكون المسؤول، قريباً من قلوب الناس، ولا يكون كذلك، الاّ مع الإحساس باخلاصه وتفانيه في خدمتهم، وازاحة شبح المعاناة عنهم. ونحن هنا أمام حالة فريدة: أمام دموع ساخنة، تنساب من عينيْ رجلٍ كان ينهض بمسؤوليات جسام. انه ليس طفلاً صغيراً يلجأ الى البكاء ويستخدمه سلاحاً للوصول الى غاياته.. فهل كان بكاؤه عن ضعف وانهيار؟، أم كان عن خلفية أخرى، لاعلاقة لها بالانكسار أصلاً؟. إنها دموع الخوف على الناس، من ان تتعرض لاعتسافٍ او إجحاف، على يد الخلف القادم، وتلك دموع الرجولة والانسانية التي لم تترقرق إلاّ لتكشف عن قلبٍ كبير وحسٍ اجتماعي خطير، وصدق في التعبير. أين هذا الوداع، من وداع "محمد بن عتاب" ((لجعفر بن محمود)) وزير المعتز العباسي حيث خاطبه قائلاً: في غير حِفْظِ الله ياجعفرُ زلتَ فزال الشرُ والمنكرُ وأسوأ ما يمكن ان ينحدر اليه المسؤول، ان يكون وجودُه في المنصب شراً مطلقاً، ومُنكراً مرفوضاً مستنكراً!!. وهكذا تنطق هذه النصوص بالتجارب النافعة، والدروس البيلغة، التي لابُدَّ ان تترك بصماتها الواضحة في نفوس الناهضين بالمسؤوليات، والمهام الخطيرة، في مختلف أجهزة الدولة ومؤسساتها، وعلى اختلاف رتبهم ودرجاتهم، لأن القاسم المشترك بينهم جميعاً، هو أنهم لم يصلوا الى مواقعهم، للنزهة والاستراحة، ولا للأستئثار بالمكاسب والامتيازات، بل لبذل أقصى ما يملكون من جهد، وخبرة، وقدرة لانجاز ما تنتظره منهم الملايين من المواطنين في مجالات البناء، والاعمار، والتنمية، والتغطية الكاملة لحاجات البلاد في مختلف المجالات. إن المسؤولين اليوم بحاجة ماسة الى تقديم صورة جديدة عنهم، تعيد الثقة الى نفوس المواطنين، بعد أنْ ظهرت على المسرح العام الكثير من الصور المهزوزة، التي لا تليق بالعراق، ولا بِمَنْ توكل اليهم مهمات الأمور فيه. وليس بكثير على العراق الحبيب، ان نتفانى جميعاً في مضامير إعماره وازدهاره واستقراره.

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك