المقالات

أكاذيب الطغاة وأعاجيبهم


السيد حســـين الصـــدر

ما من حاكم طاغٍ في التاريخ، إلاّ وسيرتهُ حافلة بالعديد من الشواهد الداّلة على محاولته اختصار البلد بذاته، ونسبة كل المكرمات والانجازات إليه شخصياً لا بل الادعاء انه السبب في نزول البركات، ودفع البليّات!!، وهو بهذا يُصادر أدوار صانعي الانجازات الحقيقية، بعرقهم وجهدهم ومعاناتهم آناء الليل وأطراف النهار،وانهم - الطغاة - اذ يدّعون الأباطيل، لا يقبلون من مواطنيهم الاّ التسليم بها، على حد تسليمهم بالثوابت من الحقائق، والمقولات التي لا يرقى اليها الشك من قبيل:إنّ الكُلّ أكبر من الجزء. وان الخط المستقيم هو أقربُ مسافةٍ بين نقطتين. وأنَّ السنة اثنا عشر شهراً.انهم قد سبقوا (غوبلز) بقرون!!، فهم الذين قرروا قاعدة : "اكذب ثم أكذب حتى تصدّق نفسك".ومن الواضح أنَّ البناء الذي يقوم على سلسلة متواصلة من الأكاذيب، والأعاجيب، والمناورات والحملات الظالمة، لتحويل المواطنين الى شهود زور، لا ينطقون إلاّ بما يريده الطاغية، ما هو الاّ بناء مهزوز، غير مرشح لبقاء طويل.إنّ كتب التاريخ التي بين أيدينا، لم تترك الحرية لأصحابها في ان يدونوا الوقائع والأحداث كما جرت، وإنما كانوا مضطرين الى كتابتها بما ينسجم مع المنهج المرسوم من قبل الطغاة، وهو في الغالب بعيد المسافة عن مرافئ الصدق والحقيقة.من هنا وجدنا الشاعر المرحوم الدكتور السيد عبد الامير الوردي يقول :وكفرتُ بالتاريخ كلُّ حروفِه كتبتْ على نَوْلٍ من الأهواءِإن "المنصور" العباسي مثلاً، وهو من أكبر الطغاة وأبشعهم ظلماً وقسوة وفَتْكاً، تتغنى بأمجاده الأقلام والمحابر، ولا تكّف عن اختراع المكارم والمآثر، مع أنه رمز كبير لكثير من الرذائل الأخلاقية، وفي طليعتها البخل الفظيع ومن هنا لُقّب (بالدوانيقي).!روى الزمخشري في ربيع الابرار /ج1/258 انه قال لبعض أهل الشام :"ألا تحمدون الله اذ رفع عنكم الطاعون منذ وليناكم؟فقال الشامي:انّ الله أعدل من أنْ يجمعكم علينا، فسكت"ان ولاية الطغاة هي الطاعون بعينه، والمهم أنّ الزمخشري قال بعد ذلك:(ولم يزل يطلب له العلل حتى قتله)وهكذا دفع الشامي حياته، ثمناً لكلمةٍ جريئة حرّة صادقة، واجه بها المنصور، وكشف بها عن زيف مدعياته، وبطلان تصوراته!! وهكذا استمرت حلقات الطغيان والمكابرة حتى وصلت الى القائد الضرورة، المقبور، الذي كان كثيرا ما يسأل:كم كنت تملك قبل مجيئنا الى الحكم؟ولا يستهدف من وراء السؤال، إلا الزعم بأنه السبب في اسدال الستار على كل ألوان الضيق والحرمان، بينما كان هو في الواقع الكابوس الجاثم على الرقاب، والمانع من ان يتنفس المواطن برئتيه بعد ان جرده من كل حقوقه وحرياته، وسلّط عليه الأجهزة القمعية تسومه سوء العذاب.وكما قال الشاعر :عُقَدُ الحقارةِ والحماقةِ والحسدْجُمعتْ به فغدا اللعينَ الى الأبدْومِن العجائب والمصائب ِأنْ ترى (فأراً) ويحسبُ أنَّه صنوُ (الأسدْ)أبليسُ في دمه جرى فتتابعتْسقطاتُه وبدتْ مساعيه بَدَدْواذا كان هذا الجائر العنيد، قد سيق الى المقابر، فأنّ طريقته في اعتبار كل الانجازات والايجابيات في مختلف الحقول والمجالات مكارم شخصية لم تقبر معه !!، وهذه هي الطامة الكبرى. إنه لمنطق عجيب :السلبيات لا تنسب للحكاّم على الاطلاق، فهم عنها مبرؤون مبعدون.!من المسؤول عن استمرار نزيف الدم، وتوالي الانفجارات والمفرقعات والاغتيالات وسقوط المئات من الشهداء والجرحى؟! حتى لقد طفح الكيل، وبلغ السيل الزبى، وما اعترف احدٌ بتقصيره ومسؤوليته!!، والحراك الشعبي - بكل ما يحمله من معاناة وانجازات - ، تُنسب حصيلته ونتائجه الى المتربعين على دست السلطة!وفي هذه النقطة بالذات، تتساوى الألفية الثالثة مع الأيام البعيدة عنها، لتكشف حقيقة مرّة خلاصتها:ان منطق الطغيان واحد، ولا تختلف الفصول الاّ في؛ بعض الهوامش الضيّقة!.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك