المقالات

شهادة من داخل المقابر الجماعية ... قصة شاهد كُتبت له الحياة


عبد الأمير الصالحي

ما ان سمع مكبرات الصوت تنادي بالتجمع في ( فندق السلام ) سيئ الصيت والواقع في اطراف النجف باتجاه كربلاء المقدسة ، حتى استعد كباقي الالآف من ابناء المحافظة التحقوا الى حيث ارشدهم مكبر الصوت فإذا تجمع بالآلاف في باحة الفندق المهدم بفعل القصف العشوائي على المحافظة ابان انتفاضة شعبان المباركة لا يعلمون بالمصير الذي خطط لهم وهم في غفلة من امرهم يحدوهم في ذلك صوت اهليهم وأطفالهم ( تروح وترجع بالسلامة).ركبوا الحافلات وسط زحمة العسكر وكل ينادي صاحبه ( اطلع تم ملئ السيارة ) ( اذهب بهم الى وحداتهم العسكرية ) وهكذا هي النبرة الكاذبة التي كانت تصك اذانهم وهم لا يعلمون ان كل هذا صور من صور الخديعة والأمان الكاذب.منتصف الطريق توقفت الحافلات ونادى مناديهم ( من كان جائعا فلينزل لتناول الطعام او شرب الشاي ) وكل هذا لدخول الطمأنينة على قلوب متوله لا تعلم ما المصير الذي ينتظرها.انطلقت الحافلات من جديد يسيرون والمنايا تسير معهم حتى وصلت بغداد الخربة والمهدمة في كثير من منشآتها بفعل آلة الحرب وهي يومها قليلة السيارة ، حيث شقت العجلات بهم الطريق حتى وصلت الى ... ماذا وأين ... الى ( سجن الحارثية ) وما ادراك ما الحارثية وسجنها الذي غيب الاباء والأبناء والاعزة من اولاد الملحة ظلما وعدوانا ، وهي هنا تطوي فصلا من فصول الظلم والقتل الذي كتب على ابناء الشعب العراقي.فتحت الباب الرئيسية دخلت العجلات وهي بالعشرات ، واذا بالنداء ( جئنا بالخونة ) عندها عم الصمت وخفت البصر وكادت القلوب ان تنشطر لتهرب من أضلاعها ، بعد انكشاف الخدعة والأمان المزعوم.انزَلوُهم بالسياط والعصي وسب وشتم وتهم بالعمالة والخيانة والغدر للمقبور ونظامه والعراق العظيم الذي لم يعرفوا منه إلا صدامهم .ادخلوهم الى قاعة كبيرة حشروا فيها الجميع والسكون مطبق يرى احدهم الموت امام عينيه ليس بينه وبين قطع الانفاس الى صوت الزبانية هلموا الى التحقيق فردا فردا الى تلك الغرفة المجاورة التي لايخرج منها احد الا وهو نازف ملتو الجانب لتكسير في اضلاع او كتف او ساق ، ولم تحفظ لهم الصعقات الكهربائية قوام سليم.كثير من لفظ نَفَسه الاخير في تلك الغرفة المشؤومة حتى اصبح ذلك الجسد وتلك الإطلاله عالةً لما يأخذه من حيز على ارض الغرفة بعد ان تحول الى جثة هامدة بفعل التعذيب القاسي جدا وبشتى الوسائل يصيح عندها - الجلاد - خذوا الجثة من هنا وأتوني بشخص آخر .دخل الباب معصب العينيين مكتوف الايدي الى الخلف ، وما ان دخل حتى استقبل بالعصا الكهربائية التي تقذفه كالكرة الى هناك ويبدأ السؤال :-- ما اسمك ايها الخائن العميل : فلان.- ما دورك في الغدر والخيانة ومن معك : لم اكن في ضمن ما تقولون انا ...... عصا كهربائية حتى يفقد الوعي ، وبأخرى مثلها حتى يستفيق.- تكلم قل من كان معك : انا من بغداد ووصلت النجف بعد ان تقطعت بي السبيل.- من بغداد واين من بغداد : بغداد - السيدية ، يقول ذلك وهو يتجرع الموت انفاساً.- يعني انت لست ممن شارك في صفحة الغدر والخيانة.- انا ممن سكن النجف مهجرا من بغداد هربا من القصف المكثف للعاصمة .- اذن سوف نتأكد منك هل تسكن فعلا بغداد ، والا سوف تلاقي مصير زملائك الخونة.اخرج من غرفة التحقيق ، وهو الوحيد الذي خرج منها مسند بين شخصين ورجلاه تخطان الارض ، بعد ان تعودت الانظار على خروج ( العملاء ) ملفوفون ببطانية بالية الى جهة مجهولة وقتها ، كشف العراق الجديد بعد ذلك انهم في (مقابر جماعية).هذه قصة والدي الذي كتب له النجاة والحياة بعد ان شاهد الموت بأم عينيه حكاها لنا وتذكر مأساتها بألم وحرقة كأنه يعيش احداثها حتى الساعة ،اكتبها في ذكرى الانتفاضة الشعبانية المباركة ، ففي مثل هذه الايام سجل في صفحة من كتب لهم الحياة من جديد ليعين اخرين من زملائه في قاعة الاحتجاز وهم كتل من الاجساد التي تعرَت اغلبها من سياط جلاديها وقد اخذوا نصيبهم كاملا حتى الرمق الاخير من التعذيب الى ان تقطعت بهم الانفاس وذاقوا الموت غصة بغصة ، اعانهم وقتها على تلفظ الشهادتين والاستماع - على مابه من ألم - الى همسات شفاهم التي لا يعلم هل هي وصايا يلفظونها بصوت خافت ام هم يئنون من شدت ألألم ام هي سكرات الموت ، خفتت انفاسهم وهمساتهم تباعا بلا ناصر ولا معين ولا سامع لمظلوميتهم الا سماعة طبيب يتفحص من توقف قلبه ليوعز للجلاوزة بحمله على تلك البطانية الخرقة البالية الى (مقبرة جماعية) ضمن مقابر جماعية تكشف تباعا في عراقنا الجديد.كل هذا جرى امام عينيه - والدي - وهو يجود بنفسه بانتظار شهادة المخبرين انه فعلا من سكنة بغداد ليتم الافراج عنه لاحقاً.وكان آخر من ودّعه الى حيث المجهول المعلوم ابن اخته الذي اوصاه وأتمنه على ( خاتم زواجه وبطاقته الشخصية وبعض المال ) ، قبل ان تفارق روحه بين يديه مظلومة معذبة غريبة وسط غرباء احيلوا بعد سكون في مقابر جماعية لم يتوقف اهله والآلاف من ابناء العراق على جسد او اثر لها الى هذا اليوم.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
المهندسة بغداد
2012-07-19
كل هذا ويطالبون بالعفو عن البعثية الا لعنة الله على الظالمين
مجاهد
2012-07-19
رحم الله شهدائنا.‏ صور سوداء مؤلمه تختزنها ذاكرة العراقيين من تلك الايام ولاتستطيع الايام ان تمححوها لانه كل واحد منا كان هدفا للنظام وزبانيته على مبدأ انجو سعد فقد هلك سعيد.‏ ‏
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك