المقالات

دولة الري المركزية.. النفط.. الاستبداد الشرقي


يقول ويتفوكل في كتابه "الاستبداد الشرقي"المنشور في خمسينات القرن الماضي، حول مجتمعات اسيا ووادي الرافدين قديماً، ان الدولة التي تسيطر على المورد الاساس (المائية في حينها) وتديره منفردة تصبح دولة شخصانية، استبدادية بالضرورة..وكلما ابتعدت المدن والقرى عن مركز السلطة كلما تمتعت بحريات اوسع لا يتمتع بها من هو قريب من الحاكم وعسكره وشرطته وجواسيسه. والسبب ليس قبول الحاكم بهذه الحريات.. بل صعوبة قيامه باعمال القمع والسيطرة من الناحية المادية والعملية.. ويسمي ذلك بقانون "الاستبداد المتناقص"، دون ان يعني ذلك ان الحاكم لا يجرد الحملات بين وقت واخر للتأديب.. وان هذه المناطق ستعيش بالضرورة حريات حقيقية.. فالحكام المحليون قد يفوقون في عنفهم وبطشهم"المستبد الاعلى"، فيستنجد الناس بالسلطة المركزية لتخليصهم. او ان ينتفض الحكام المحليون ويسيروا جيوشهم للاستيلاء على مركز الدولة.

لاشك ان اطروحة "الاستبداد الشرقي" فيها الكثير من مواضع النقاش والتعلم والاختلاف... فلا تخلو احياناً من نظرات عنصرية وتطرف ناقشناها في بحث مطول نشر عام 1979 بعنوان "الاستبداد الشرقي، دولة الغرب في الشرق".. لكن الكتاب يحتوي ايضاً على حقائق وتفسيرات.. ولعل اهمها انه اعتبر ان اعتماد بلاد الرافدين ومصر والهند والصين على نظم الري الهيدرولية استوجب قيام دول شديدة التمركز والتسلط، التي وان كانت قد ساعدت في فترات معينة على تنظيم الاقتصاد الزراعي والحرفي، لكنها حجزت لاحقاً امكانات التقدم عندما تطورت الظروف واستوجبت التحرر من النمطية الاحادية للانتاج وسيطرة الدولة عليها، فانحبست الامور ولم تستطع ملاحقة المستجدات وبقيت جامدة، سلبية، عصية على التطورات الاقتصادية والديمقراطية.

عمل "ويتفوكل" الاكاديمي يؤكد، مثل غيره، علىدور العامل الاقتصادي في تكوين البنى السياسية..والعراق مثال لتاثير النفط كمصدر احادي للاقتصاد (كالري قديماً) وتأثيراتهالتاريخيةفي تنامي اجهزة الامن والقمع وعسكرة المجتمع والدولة واحتكارهالشؤون الحياة، حاجزة مجالات الاصلاح والتطور الاقتصادي والسياسي.. فاذا صح ذلك من حيث تأثير الاقتصاد على السياسة، فهل يمكننا الاستنتاج ايضاً، ان الطوائف والقوميات تلعب اليوم ما كانت تلعبه "المناطق البعيدة" التي تسعى للخروج من سيطرة المركز والاحتجاج عليه، خصوصاً عندما يسعى المركز للاستئثار وانكار الحقوق؟

 

عادل عبد المهدي

 

adilabdalmahdi.com - موقع السيد عادل عبد المهدي

11/5/617

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
د. فائق الحديثي
2012-06-19
مقال جميل من السيد الدكتور عادل عبد المهدي؟ لكن المشكلة في اقتصاد العراق الذي يعتمد على النفط . والنفط يجب ان يدار من السلطة المركزية لسبب بسيط هو ان النفط يوجد في ثلاث او اربع محافظات وبقية المحافظات لا يوجد بها نفط واليوم ميزانية العراق تعتمد بنسبة كبيرة على نفط البصرة ؟؟ فكيف سيكون شكل العراق لو طالبت البصرة بأن تكون ثروتها النفطية ملكا لاهلها وتدار من قبلها واستدعت شركات وقامت هي من تصدر النفط وتأخذ امواله . بالضبط مثلما يحصل في اقليم كردستان؟ بالتأكيد سيقع ظلم كبير على بقية المحافظات ؟
مصطفى محمد حيدر الاعرجي
2012-06-18
بارك الله فيك . ولايمكن للعراق الفيدرالي ان يستقيم الا انت او من يحمل افكارك ان يكونوا في موقع القرار مع تمنياتي لكم بالتوفيق في خدمة بلدنا الحبيب.
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك