المقالات

الانسان والعملية الانتاجية في فكر السيد محمد باقر الحكيم (رض)


كريم الوائلي

بنى الامام محمد باقر الحكيم رضوان الله عليه رؤيته الاقتصادية على اعتبار ان حل المشكلات الاقتصادية تبدأ من تلبية الحاجات الانسانية للفرد اولا وللمجتمع ثانيا ، منطلقا في ذلك من تحليل النوازع الفطرية والغريزية للانسان وحاجته الى اشباع ميوله التملكية ، ولا شك ان وضع حاجات الانسان موضع الاساس في الرؤية الاقتصادية عند الامام الحكيم يعبرعن فهم كوني عميق لمحورية الانسان في النظرية الاقتصادية الاسلامية وفق القرآن الكريم والنظام الكوني ، وقد استحضر الامام الحكيم ( رض) في هذا الجانب قوله تعالى (( وهو الذي جعلكم خلائف الارض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم ان ربك سريع العقاب وانه لغفور رحيم - الانعام 165 )) فالانسان بوصفه خليفة الله في الارض يشكل العنصر الاساس في العملية الانتاجية التي تاتي بعد اجراء التحويلات على المدخولات الطبيعية لمخزون الارض من الثروات وتحويلها الى مخرجات انتاجية صالحة لاشباع حاجات الانسان المختلفة ، ولا شك ان الامام الشهيد محمد باقر الحكيم رضوان الله عليه قد رأى ان العالم شهد قدرا من المتغيـرات التي طالت مختلف جوانب الحياة المعاصرة، و مست كافة البنى الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية في حياة الانسان ، ومن الطبيعي ان يؤثر ذلك على هيكل القيم التي يؤمن بها الانسان وكذلك نسق العلاقات الاجتماعية ، بمعنى ان العملية الانتاجية هي عملية خلق وابداع انساني مدفوعة بدافع الغريزة والفطرة ويشكل الانسان ذاته احد وسائلها وغايتها وترتدي لباسها الانساني من كونها سمه اساسية من سمات الانسان الغريزية وتستهدف الارتقاء به ، وتبعا لذلك فالعملية الانتاجية هي عملية انسانية في المقام الاول قبل ان تكون حضارية واقتصادية وعلى ذلك فأنها لا تقبل الاستغلال والاضطهاد ، وفي ذلك يقول الامام الحكيم (( ان طريق التكامل الذي يمكن للانسان ان يسير فيه وان يحقق اهدافه من خلاله انما هو استخدام الفطرة والطاقات الغريزية استخداما صالحا باتجاه الخير - دور الفرد في الاقتصاد الاسلامي ص18 )) . يقرن السيد شهيد المحراب رضوان الله عليه بين حرية الانسان وقدراته من جهة وبين حرية اختيار العمل والنشاط الاقتصادي الذي ينسجم مع ما يحسنه وما يتلائم مع فطرته من جهة اخرى ، ويرى ان حرية النشاط الاقتصادي للانسان كفلها الله تعالى في محكم كتابه المجيد مستشهدا بالآية الكريمة (( هو الذي جعل لكم الارض ذلولا فأمشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور - الملك 15 )) وحرية العمل تعد واحدة من البنود المثبة في لوائح حقوق الانسان والتي من شأنها ان تطلق الملكات الابداعية للانسان الفرد في العملية الانتاجية وزيادة الناتج الاجمالي وتحقق الاستقرار وفي هذا السياق يرى الامام محمد باقر الحكيم قدس سره الشريف (( ان بقاء الانسان في الحرية الاقتصادية المطلقة تحت الشعور بالخوف وعدم الاستقرار في الوضع المعيشي لا ينسجم مع الاتجاه الفطري له في تحقيق الاستقرار - دور الفرد في الاقتصاد الاسلامي ص20 )) ، ويرى الشهيد الحكيم ان التفاوت في الكفاءات والمهارات والمواهب وكذلك الاختلاف في القدرات والامكانيات الذهنية والنفسية والجسدية هو واقع اقره القرآن الكريم و (( لا يمكن تجاوزه في الحياة الاقتصادية اذا اريد للنمو الاقتصادي ان يأخذ طريقه الى الحياة الاجتماعية - دور الفرد في الاقتصاد الاسلامي - ص21 )) وقد عزز قوله في الآية القرآنية المجيدة (( أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون - الزخرف 32 )) والاختلاف في القدرات الانسانية هي حكمة ألهية من شانها ان تفعل المبارات الاقتصادية والتنافس المشروع للوصول الى افضل واكبر محصول انتاجي على ان لا تنقطع الصلة بين قدرة الفرد (العامل) ومهاراته ونتائج عمله حتى لو ادى ذلك الى تملك الفرد اكثر من حاجته من الثروة وهذا مخالف للاقتصاد الماركسي في موضع توزيع القيمة الذي يستند الى مبدأ ( من كلّ حسب طاقته ولكلّ حسب حاجته ) وفي هذا الموضع يكتب الامام محمد باقر الحكيم رضوان الله عليه في كتابه ( دور الفرد في الاقتصاد الاسلامي ) مؤكدا على ان (( التفاوت يخلق بطبيعته اختلافا في نتائج المنافسة بين افراد الانسان عندما يمارسوا الحرية الاقتصادية في الطبيعة وثرواتها - ص21 )) فالاسلام لا يقر ذوبان انسانية الفرد في انسانية المجتمع الى حد التلاشي وعلى ذلك فأن الله تعالى يتقبل عبادة الفرد بصفته الفردية ويحاسبه على معاصيه على وفق ذلك .وتتجلى الانسانية في الرؤى الاقتصادية للامام محمد باقر الحكيم رضوان الله عليه في جانب توزيع الثروة المنتجة فهو يرى ان (( حق الانسان في الثروة المنتجة يقوم على اساس العمل المنفق في انتاجها ، وبهذا الشكل يتحول العمل الى اداة طبيعية ومنطقية للتوزيع ، حيث يقطف العامل طبيعيا ثمار عمله ، وتتوزع الثروة على اساس ما يبذله الافراد من عمل وجهد - ص45 )) ولو قسمنا المجتمع الى ثلاث فئات ، فئة اولى تحقق معيشتها بمستوى جيد من الرفاهية معتمدة في ذلك على مهاراتها العالية وقدراتها العملية ، وفئة ثانية تحقق فقط ما يشبع حاجاتها الاساسية ، وفئة ثالثة لا يمكنها ان تعمل بسبب اصابتها بعاهات عقلية او بدنية ، فأن التوزيع هنا يختلف بأختلاف قدرات الفئات الثلاث حيث ان الفئة الاولى تكسب ثروتها عن طريق العمل بوصفه اداة رئيسية للتوزيع فيما تحصل الفئة الثانية على حصتها من الثروة على العمل والحاجة معا معتمدة على الكفالة الاجتماعية ، اما الفئة الثالثة فأن حصتها من توزيع الثروة يقوم على اساس الحاجة فقط التي تضمن استرارها في الحياة اعتمادا على التكافل الذي شرعه الاسلام ، ويشير الامام محمد باقر الحكيم رضوان الله علية في كتابه الموسوم ب(( دور الفرد في الاقتصاد الاسلامي )) الى ذلك النظام بشئ من التركيز آخذا بنظر الاعتبار اهمية ان يقوم الانسان القادر على العمل بدوره في العملية الانتاجية حفاظا على انسانيته وتحقيقا لصون كرامته فيقول في صفحة 45 من كتابه موضع البحث (( الاسلام يقوم بحرمات الانسان القادر على العمل ولكنه لا يقوم بأرادته بدوره في الانتاج من الحقوق التي وصفها الله تعالى في اموال الاغنياء بحيث نفهم من ذلك ان عدالة التوزيع في النظرية الاسلامية تتحقق العدالة في الاصل من خلال الجهد الذي يبذله الافراد في الانتاج وعندما يصبح هذا الاساس للتوزيع غير قادر على تحقيق العدالة في التوزيع لسبب من الاسباب التي لا ترتبط بأرادة الانسان ياتي دور العامل الآخر في التوزيع )) ويعني به النظام الضريبي في الاسلام والزكات والصدقات وكل انواع التكافل والضمان الاجتماعي في النظام الاسلامي .

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك