المقالات

الصحافة ضمير الشعب

597 14:31:00 2012-05-18

لطيف عبد سالم العكيلي

بعد عقود من زمان العن عزلة إقليمية ودولية ، شهد العراق في مرحلة ما بعد التاسع من نيسان 2003 م انفراجا واسعا في مجال حرية الرأي والتعبير ، بوصفهـــا ردة فعل عنيفة لسيادة مفاهيم النظام الشمولي ، مما أسهم بفتح الباب على مصراعيه أمام مختلف الرؤى والتوجهات التي تــنحى بمجملها صوب عملية التغيير التي تعد في واقعها الموضوعي الدعامة الرئيسة التي تقوم عليها سياسات بناء الدولة المدنية الحديثة . ويمكن القول أن تنامي مظاهر الفساد في المرحلة الانتقالية اثر بشكل كبير على مخرجات مختلف البرامج والآليات التي اعتمدتها القيادات الإدارية في مهمة إرساء دعامات البناء الاجتماعي والاقتصادي والإنمائي للبلاد ، مما فرض على السلطة التشريعية ضرورة تكثيف متابعاتها وجهدها الرقابي ؛ لغرض الحد من مشكلات آفة الفساد المالي والإداري التي طالت مختلف القطاعـــات ، ونفذت إلى ابعد مفاصل الجهاز الحكومي حتى أصبحت ثقافة لها وساءلها ورجالها ومروجيها.ولا يخامرنا شك في أهمية الدور الرقابي المفترض للسلطة الرابعة بعملية كشف بؤر الفساد وحواضنها ؛ بغية الإسهام بتعزيز مهمة السلطتين التشريعية والتنفيذية في مواجهة هذه الظاهرة التي أضحت شبحا مخيفا يقضم بأنيابه كل معاني السمو والنبل القيمية التي عهدها منذ عقود طويلة مجتمعنا المتخم بأعراف وتقاليد تنهل من سماحة ديننا الحنيف .ويمكن القول إن مسيرة مجلس النواب وسلطة القضاء في المرحلة الانتقالية حفلت ببعض الإخفاقات التي شكلت عوامل غير مباشرة أسهمت من دون قصد في تكريس ثقافة الفساد وإضفاء شرعية عليها ؛ بسبب القصور في تفعيل سلطة القانون . وهو الأمر الذي استلزم فعالية ضمير الشعب الممثل بالمؤسسة الصحفية في البحث عما متاح من المعلومات والتفاصيل التي بوسعها المساعدة في كشف كل الزوايا المظلمة بمجتمعنا متسلحة بالمهنية التي تؤمن لها إمكانية الوصول بصدق إلى ما تصبو أليه السلطتين التشريعية والتنفيذية في مهمة متابعة ومراقبة ما يوكل الى الإدارة التنفيذية من أعمال. ويوم تحدثت النائبة حنان الفتلاوي تحت قبة البرلمان بشكل مثير حيال ما تجمع لدى لجنتها النيابية من الوثائق والبيانــات التي تخص مشكلات الفساد في المفوضية العامة المستقلة للانتخابات ، كان الشارع العراقي يمني النفس بإجراء قانوني يحفظ هيبة الوظيفة الحكومية ويعزز ثقـة الشعب بحكومته المنتخبة ويزيد من تمسكه بهـــــــا ، بالاستناد على ما عرضتـــه من وثائق ومعلومات ، غير أن ما يؤاخذ على البرلمان و المؤسسات الحكومية في الإدارة التنفيذيـــــة وسلطة القضاء هو إغفال المسائل التي جرى التعرض عند مساءلة إدارة المفوضية ، مما أفضى إلى هيمنة الضبابية على مجريات القضية التي أثارت فضول الصحافة المحلية في تناول حيثياتها بمواضيع لا تخرج من دائرة التوجهات الوطنية التربوية التي أعلنها معالي رئيس الوزراء الأستاذ نوري المالكي قبيل انتخابات مجالس المحافظات ، والمتضمنة سعيه لتبني معركة ضد الفساد المالي والإداري . وكان من جملة ما ظهر في صحافتنا المحلية حينئذ مقال للزميل الدكتور هاشم حسن عميد كليــــــة الإعلام وسمه بـ ( حنان الفتـــلاوي كشفت المستور) وما أن ظهــر المقال ، حتى فوجئ الشارع العراقي بدعوى قضائية أقامها السيد فرج الحيدري على الدكتور حسن يطالبه فيها بدفع تعويض مالي قدره ملياري دينار عراقي . وقد دفعني الفضول والعجب حينها من بعض الإخوة المختصين بالقانون عن الكيفية القانونيـــــة التي خمن على وفقها رئيس المفوضية مبلغ التعويض ، لكني لم أصل إلى إجابـــة مقنعة . وبعيدا عن السير بفضاءات نظرية المؤامرة التي أوهمونا بها لسنوات طويلة ، لا أظن احد من بلادنا يجهل شراسة الهجمة التي نتعرض لها في محاولة لإعاقة التجربة الديمقراطية الوليدة التي أضاءت عتمة العواصم العربية من خلال السعي المنظم لإجهاض العملية السياسية التي دفع من اجلها شعب العراق المجاهد الصابر انهار من الدماء الزكية ، فضلا عما أضيف لمحنه من مصائب تجسدت بآلاف من المعاقين واليتامى والنساء الثكلى والأرامل اللائي مازلن يستقبلن أعياد الله وهن متشحات بالسواد . وينضاف إلى ذلك ما تمر به العملية السياسية الآن من تقاطعات ومناكفات واصطفافات استوجبت اللجوء إلى عقد المؤتمر الوطني لتقويم مسيرة القيـــادات الإداريــــــــة وإصلاح ما ظهر من ثغرات يمكن أن تودي بنا لا سامح الله إلى الاحتراب والعنف وتخريب البلاد وحرق كل ثمار التجربة العراقية الجديدة . ولا أخطئ القول أن مهنة الصحافة التي تعد الآن من اخطر المهن في العراق بحاجة إلى تقدير معنوي يحفظ هيبتها ويؤمن مناخات حرية عملها ، بوصفها البوابة التي أسهمت بتعريف السياسيين إلى الشعب في أحلك المراحل التي شهدتها بلادنا ، إضافة إلى دورها الفاعل في رصد المخالفات والاختناقات التي تحتاجها السلطة التشريعية وإداراتها التنفيذية بمهمة تقويم الإخفاقات التي تطال برامجها إلى جانب حرصها على ترسيخ القيم والمفاهيم الوطنية والإنسانية والتربوية في فضاءات مختلف شرائحنا الاجتماعية .وبصورة عامة ، يمكن القول ان كلمة مليار تشكل تجريحا وخدشا لمشاعر فقراء البلاد الذين يتنافسون على الظفر براتب الرعاية الاجتماعية او اللهاث وراء عطايا المحسنين ، وكثير منهم مايزال يعيش وسط النفايات في ما اصطلح على تسميته بمناطق الطمر الصحي أو في المقابر أو في منازل أقنان بأحياء الصفيح . وارى من المهم تذكير المسؤول بأهمية رفع الدعاوى القضائية وطلب التعويض المادي من القنوات الفضائية والوسائل الإعلامية التي ماتزال تنهش بأنيابها المسمومة أجساد فقراء العراق ومعوزيه ، فأيهما أولى بالمقاضاة وطلب تعويض مليارا دينار ابن البلد أم قرصان عربي يحتجز عراقيا ويصبغ كامل جسمه بطلاء الدهان اللماع انتقاصا من عراقيته وإنسانيته في غفلة من الزمن ، لا لذنب اقترفه سوى محاولة الاسترزاق من خير الله الوفير في مياهنا الإقليمية التي أصبح أمر استباحتها ممكنا في ظل فرقتنا وخلافات نخبنا السياسية واهتداء بعضها إلى تغليب مصالحها الشخصية على مصالح البلاد العليا .ومن المبررات التي تدفعنا لدعوة مسؤولينا وساستنا الابتعاد عن مفهوم التوجهات المليارية في الدعاوى القضائية واستبدالها بأسلوب الركون إلى الحوار الهادئ الذي يعبر عن تقاليد العراق الجديد إضافة لما سبق من العوامل ، هو كثرة الاستحقاقات التي تضطلع بها حكومتنا المنتخبة بمختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنمائية والخدمية التي تستلزم استقرارا يسهم بتمكين قطاعات البلاد بذل أقصى جهودها لإعادة العراق إلى موقعه الطبيعي في المحيطين الإقليمي والدولي .وعلى وفق ما تقدم ينبغي أن تضطلع القيادات الإدارية والمؤسسة الثقافية العراقية بمهمة الحفاظ على العاملين في مجالات الوسط الإعلامي والثقافي بما يتناسب مع التضحيات الكبيرة التي قدمتها الأسرة الصحفية وعموم موارد المنظومة الثقافية ، وتامين مناخات عملها .لنتواضع قليلا سادتي المسؤولون ، ونترك خلافاتنا جانبا ونجهد أنفسنا من اجل شعبنـــــــا وبلادنا ، فمسح المسؤول على رأس طفل يتيم أو إعانة أرملة بحاجة إلى علاج أو زيـــــــــارة مريض لايملك ألف دينار للإسهام بالتخفيف من آلامه هو خير الأعمال عند الله يوم لاينفـــع فيه لا مليار ،ولا سيارة مصفحة ، ولا حتى من كان يشار أليه باسم مولتي تريليون . • المهندس لطيف عبد سالم العكيلي /باحث وكاتب

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك