المقالات

اطرد مستشاريك !


اطرد مستشاريك !

 غسان شربل

الغرق ليس قدراً. غالباً ما تكون ثمة فرصة اخيرة، وهي تستحق المحاولة والمجازفة. حين تضطرب السفينة وتبدأ الجنوح لا يكفي التمسك بالمقود، ولا بصحة الموقف، ولا بالمخاوف القديمة والمستجدة، ولا بالعداوات. لا تغرق السفن بفعل مؤامرات الخارج. تسقط اولاً من داخلها. من بوصلة أنهكتها الشيخوخة. من نصائح غير سديدة، وجمود النهج، وتخشب الأسلوب، والولاء الأعمى، والنوافذ المحكمة الإغلاق، والمدائح التي لا تنتهي.

لنفترض يا عزيزي انك رئيس شركة كبرى ولست رئيساً للوزراء، او اكثر. اعرف أن هذه المهنة لا تغريك، وأنها ليست ممتعة. ولا تعطيك حق الإمساك بالأرزاق والأعناق، ولا حق التشبث بمكتبك حين تنتهي ولايتك، وبغض النظر عن ارادة مجلس الإدارة ورأي المساهمين وما تقوله الارقام.

اعرف ان العرض ليس مثيراً للاهتمام او اللعاب. لكن افترض ذلك. فماذا تفعل اذا تبين ان سمعة الشركة قد انهارت، وأن مصداقيتها قد ضُربت، وأن أرباحها قد انحسرت، وان علاقاتها تحولت ركاماً، وأن المتعاملين انفضوا عنها، وأن العاملين يبحثون عن فرصة للنجاة، وأن المؤشرات تَعِدُ بما هو أدهى. أنا لا أقول إن الحل الأول هو ان تسارع الى القفز من السفينة. لكنك لا تستطيع ان تكون انتحارياً وتقول: «علي وعلى اعدائي».

غالباً ما تكون هناك فرصة اخيرة تستحق المحاولة. يمكن مثلا ان تستدعي مستشار الشركة. وان تشكره على خدماته. وان تحيله الى مكان اقل اهمية او خطورة. وان تختار بدلا منه شخصاً لا يتقن التصفيق. وان تنتقيه على قاعدة الكفاءة لا الولاء. وان تشرك المساهمين والعاملين في ورشة لتغيير النهج. وسياسات مبتكرة للترويج . وان تدخل هواء طازجاً ونقياً ليطرد شيئاً من الهواء الذي شاخ وتلوث.

بلا لبس او دوران. أنصحك ان تهدأ قليلاً. وأن تأخذ نفساً عميقاً. وان تحاول. اول القرارات ان تطرد مستشاريك. لو قاموا بما يفترض انه واجبهم لما وصلت الحال الى ما وصلت اليه. اغلب الظن ان هاجسهم الاول كان استرضاءك. والدوران حولك. والابتسام. وتحسين مواقعهم ومغانمهم. ولعلهم انقياء جدا لكن الخوف يعقد ألسنتهم. ويخشون التجرؤ والمجازفة. ويفضلون السلامة على المغامرة بجرح الصورة او تعكير مزاج صاحب القرار. تذكر جيدا. هل قالوا لك ان السفينة مصابة بأعطال تستدعي منك تغييراً لإصلاحها؟ هل قالوا لك إنك تأخرت او بالغت او اخطأت؟ وهل نقلوا اليك احاديث الناس التي لا يمكن ان تشق طريقها الى التلفزيون الرسمي؟.

اطرد مستشاريك.

أكتب وأفكر في رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. وفي اشتباكاته المتلاحقة. مع نائبه صالح المطلك. ونائب الرئيس طارق الهاشمي. وكتلة «العراقية» بزعامة اياد علاوي. ومقتدى الصدر. ومسعود بارزاني. أفكر في الاتهامات المتلاحقة له بالتفرد واحتكار القرار وحتى بالديكتاتورية. شعرت بالخوف ازاء ما نقل عن لسانه ومفاده انه ينتظر وصول الطائرات الحربية الاميركية ليتولى الجيش تأديب الاكراد. اتمنى الا يكون الكلام دقيقا فهو شديد الخطورة على التعايش وخريطة العراق.

أكتب عن المالكي لأن بقاءه في منصبه كان مكلفاً في الداخل والخارج. دفعت سورية الثمن من علاقتها بتركيا وقطر كما دفعت لاحقاً ثمن قرار إقصاء سعد الحريري من منصبه. كنت أتوقع ان يبادر المالكي الى تضميد الجروح بين المكونات. وان يعمق ثقة الاكراد ببغداد. ويبدد الانطباع القديم بانه كلما اشتد ساعد الجيش العراقي ارسلته القيادة الى الشمال لتأديب الاكراد. اعرف ان الاستقالة لا تراوده، لهذا أكتفي بنصحه بطرد مستشاريه علّ الاستماع الى اصوات جديدة يجنب السفينة العراقية اصطداماً مدوياً بالصخور يذهب بما تبقى من وحدة العراق وفي زمن ترتجف فيه خرائط كثيرة. ان حصوله على دعم المرشد الايراني لا يعفيه من واجب تغيير اسلوب الاشتباك مع الجميع.

ايام الازمات الكبرى هي ايام القرارات الكبرى. جنوح السفينة لا يسمح بالارجاء والتأجيل. اطرد مستشاريك عزيزي المسؤول في البلد المضطرب. ابذل محاولة جدية قبل ان تبتلع الامواج السفينة. اعرف ان قارئاً خبيثاً سيقول إن النصيحة لا تصلح للمالكي وحده. لا يستطيع الكاتب منع القارئ الخبيث من ممارسة هوايته.

14/5/427

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
راصد وطني
2012-04-29
بقدر ما كان الموضوع أنشائيا فهو لايخلو من حقائق لكن بودنا أن نقرأ الموضوع عكسيأ بمعنى هل ألتزم الجميع بوطنيتهم لبناء العراق الجديد !! نوجه سؤالنا الى جميع السياسيين كرد وعرب وسنه وشيعه ويزيديه وصابئه ومسيح ...والخ العراق بلد متنوع الحضارات ولايمكن القفز من واحده على حساب ألأخرى الجميع عراقيين ولهم حق المواطنه فيا عجبأ من من هؤلاء أحترم الدستور والقوانين الذين هم أقسموا على الحفاظ عليها بما فيهم رئيس السلطه التنفيذيه سواء كان هذا الشخص أوغيره !!! من أراد أن يحافظ على العراق أحترام...
مواطن عراقي
2012-04-27
السلام عليكم للاسف ان حكام العراق لا يتعضون من سبقهم من الحكام ويعتقدون ان السلطة ملكهم وان الشعب العراقي يقاد بالقوة والعنف وتهميش الاخرين للاسف زرعوا الحكام في العراق روح الخوف والقهر والجوع والفقر في العراق بالاضافة الى ثقافة التهميش والعنف وعدم الاستماع الى الاخرين كل قرار يتخذ من الحكومة يجب ان يدرس وان لا يعارض القرارات الاخرى وان يكون مستشارين ذو دراية بحال الشعب حتى تتخذ القرارات كواقع صحيح لما يعاني منه الشعب ويكون القرار صائبا وصحيحا
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك