المقالات

دروس في الاخلاق ( الدرس الرابع) التواضع


اصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية في النجف الاشرف

التواضعوهو: احترام الناس حسب أقدارهم، وعدم الترفع عليهم.وهو خلق كريم، وخلّة جذابة، تستهوي القلوب، وتستثير الاعجاب والتقدير، وناهيك في فضله أن اللّه تعالى أمر حبيبه، وسيد رسله صلّى اللّه عليه وآله بالتواضع،فقال تعالى: «واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين»وقد أشاد أهل البيت عليهم السلام بشرف هذا الخُلُق، وشوقوا إليه بأقوالهم الحكيمة، وسيرتهم المثالية، وكانوا روّاد الفضائل، ومنار الخلق الرفيع.الروايات الدالة على التواضع:1-قال الصادق عليه السلام: «إنّ في السماء ملكين موكلين بالعباد، فمن تواضع للّه رفعاه، ومن تكبّر وضعاه».2-قال النبي صلّى اللّه عليه وآله: «إن أحبكم إليّ، وأقربكم مني يومّ القيامة مجلساً، أحسنكم خُلُقاً، وأشدكم تواضعاً، وإن أبعدكم مني يوم القيامة، الثرثارون وهم المستكبرون».3-قال أمير المؤمنين عليه السلام: «ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء، طلباً لما عند اللّه، وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء إتكالاً على اللّه».وقال الصادق عليه السلام: «من التواضع ان ترضى بالمجلس دون المجلس، وأن تسلّم على من تلقى. وأن تترك المراء وإن كنت محقاً، ولا تحب أن تحمد على التقوى».وجدير بالذكر أن التواضع الممدوح، هو المتسم بالقصد والاعتدال الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، فالاسراف في التواضع داع الى الخسّة والمهانة، والتفريط فيه باعث على الكِبر والأنانية.وعلى العاقل أن يختار النهج الأوسط، المبرّأ من الخسّة والأنانية، وذلك: باعطاء كل فرد ما يستحقه من الحفاوة والتقدير، حسب منزلته ومؤهلاته.لذلك لا يحسن التواضع للانانيين والمتعالين على الناس بزهوهم وصلفهم. إن التواضع والحالة هذه مدعاة للذل والهوان، وتشجيع لهم على الأنانية والكبر، كما يقول المتنبي:

ذا أنت أكرمت الكريم ملكته*** وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

ومما قيل في التواضع قول المعري:

ياوالي المصر لا تظلمن*** فكم جاء مثلك ثم انصرفتواضع إذا ما رُزقت العلا*** فذلك مما يزيد الشرفوفي المثل:تواضع الرجل في مرتبته، ذبّ للشماتة عند سقطته.وقال الطغرائي:ذريني على أخلاقي الشوس إنني*** عليم بإبرام العزائم والنقضأزيد إذا أيسرت فضل تواضع*** ويزهى إذا أعسرت بعضي على بعضيفذلك عند اليسر أكسب للثنا*** وهذاك عند العسر أصون للعرضأرى الغصن يعرى وهو يسمو بنفسه*** ويوقر حملاً حين يدنو من الأرضواليك طرفاً من فضائل أهل البيت، وتواضعهم المثالي الفريد:كان النبي صلّى اللّه عليه وآله أشدَّ الناس تواضعاً، وكان إذا دخل منزلاً قعد في أدنى المجلس حين يدخل، وكان في بيته في مهنة أهله، يحلب شاته، ويرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويخدم نفسه، ويحمل بضاعته من السوق، ويجالس الفقراء، ويواكل المساكين.وكان صلّى اللّه عليه وآله إذا سارّه أحد، لا ينحّي رأسه حتى يكون الرجل هو الذي ينحّي رأسه، وما أخذ أحد بيده فيرسل يده حتى يرسلها الآخر، وما قعد اليه رجل قط فقام صلى اللّه عليه وآله حتى يقوم، وكان يبدأ من لقيه بالسلام، ويبادئ أصحابه بالمصافحة، ولم يُر قط ماداً رجليه بين أصحابه، يكرم من يدخل عليه، وربما بسط له ثوبه، ويؤثره بالوسادة التي تحته، ويكنّي أصحابه، ويدعوهم بأحب أسمائهم تكرمةً لهم، ولا يقطع على أحد حديثه، وكان يقسّم لحظاته بين أصحابه، وكانأكثر الناس تبسماً، وأطيبهم نفسا.وعن أبي ذر الغفاري: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يجلس بين ظهرانيّ أصحابه، فيجئ الغريب فلا يدري أيُّهم هو حتى يسأل، فطلبنا اليه أن يجعل مجلساً يعرفه الغريب إذا أتاه، فبنينا له دكاناً من طين فكان يجلس عليها، ونجلس بجانبه.ورُوي أنه صلى اللّه عليه وآله كان في سفر، فأمر بأصلاح شاة، فقال رجل: يا رسول اللّه عليّ ذبحها، وقال آخر: علي سلخها، وقال آخر: عليَّ طبخها، فقال صلى اللّه عليه وآله: وعليَّ جمع الحطب. فقالوا: يا رسول اللّه نحن نكفيك. فقال: قد علمت أنكم تكفوني، ولكن أكره أن أتميَّز عليكم، فإن اللّه يكره من عبده أن يراه متميَّزاً بين أصحابه، وقام فجمع الحطب.وروي أنه خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الى بئر يغتسل، فأمسك حذيفة بن اليمان بالثوب على رسول اللّه وستره به حتى اغتسل، ثم جلس حذيفة ليغتسل، فتناول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الثوب، وقام يستر حذيفة، فأبى حذيفة، وقال: بأبي وامي أنت يا رسول اللّه لا تفعل، فأبى رسول اللّه إلا أن يستره بالثوب حتى اغتسل، وقال: ما اصطحب اثنان قط، إلا وكان أحبهما الى اللّه أرفقهما بصاحبه.وهكذا كان أمير المؤمنين عليه السلام في سمو أخلاقه وتواضعه، قال ضرار وهو يصفه عليه السلام:«كان فينا كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، ويأتينا إذا دعوناه، وينبئنا إذا استنبأناه، ونحن واللّه مع تقريبه إيّانا، وقربه منا، لا نكاد نكلمه هيبة له، فإن تبسَّم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظّم أهل الدين، ويقرّب المساكين، لا يطمع القويّ في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله».وقال الصادق عليه السلام: « خرج أمير المؤمنين عليه السلام على أصحابه، فمشوا خلفه، فالتفت إليهم فقال: لكم حاجة؟ فقالوا: لا يا أمير المؤمنين، ولكنّا نحب أن نمشي معك. فقال لهم: انصرفوا، فإن مشي الماشي مع الراكب، مفسدة للراكب، ومذلّة للماشي».وهكذا يقص الرواة طرفاً ممتعاً رائعاً من تواضع الأئمة الهداة عليهم السلام، وكريم أخلاقهم.فمن تواضع الحسين عليه السلام: أنه مرّ بمساكين وهم يأكلون كِسعَراً لهم على كساء، فسلَّم عليهم، فدعوه الى طعامهم، فجلس معهم وقال: لولا أنّه صدقة لأكلت معكم. ثم قال: قوموا إلى منزلي، فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم.ومن تواضع الرضا عليه السلام:قال الراوي: كنت مع الرضا عليه السلام في سفره الى خراسان، فدعا يوماً بمائدة، فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم، فقلت: جعلت فداك لو عزلت لهؤلاء مائدة، فقال: مه، إنّ الرب تبارك وتعالى واحد، والأم واحدة، والأب واحد، والجزاء بالأعمال.

اصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية في النجف الاشرف

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك