المقالات

الانفتاح والتعامل الميداني مع كل أبناء المجتمع


( بقلم : الشيخ هيثم السهلاني )

منذ القدم وبداية نشوء الحياة البشرية والانسان يعيش مع أخيه الانسان في هذه الحياة ويشاركه المأكل والمسكن، ويواجهان معا صعوبات المعيشة وظروف البيئة القاسية، وبالتالي فإن كلا منهما يحتاج الى الاخر ويكمله، وذلك من أجل تأمين الحاجيات والمستلزمات الضرورية للحياة.

فالروح الاجتماعية والتعايش مع الآخرين والتعاطي معهم هي حالة غريزية وفطرية متأصلة في النفس الانسانية، وهي تبرز فيها وتنموا باستمرار كلما كبر الفرد ونمى وصار يحتك ويخالط الناس أكثر.ولكن الانسان قد يبتلى احيانا بما يخالف هذه الفطرة وهذه الغريزة، وتجعله يشعر بالتناقض مع ميوله ورغباته وتجلعه في النتيجة يخسر الكثير من المكتسبات والخدمات من اخوانه في البشرية.

وأخطر ما يواجه في هذا الصدد مرض الانعزال عن المجتمع والانطواء على الذات والتى عادة ما يكون منشؤها إما سوء التربية أو الاجواء الاجتماعية الفاسدة أو مشاكل الحياة الصعبة، وأياً كان السبب فانه قد يؤدي به الى الكثير من المضاعفات السيئة على صعيد حياته الشخصية أو الحياتية ... وذلك قد ينعكس على الفرد في علاقاته مع سائر افراد المجتمع، حيث ان بغضه وكراهيته للناس واحساسه بالعداء من قبلهم اتجاهه هو الذي يتحكم في تعامله وتعاطيه معهم.

ومثل هذه الظاهرة المرضية كثيرا ما تنتشر في اوساط مجتعاتنا باعتبارها من أبرز مظاهر الجهل والتخلف ومما يؤسف له انتشارها حتى فيما بين المؤمنين والملتزمين، مع علمنا بوجود تلك الأيادي التى تعمل على تغذية تلك الحالة ودفع المتدينين بالذات على ممارستها فيما بينهم لكي يتم تحقيق الاهداف والمخططات المرسومة سلفا من الجهات الحاكمة والمسيطرة في الدولة.

فالانسان الملتزم حينها وبالرغم من التزامه وتدينه بل وانخراطه في بعض الاحيان في سلك العمل الديني الا ان روحية الانطواء والشعور بالعداء من الغير لا تبرز في نفسيته وعلى سلوكياته إلا اتجاه بعض الأشخاص وبالخصوص اذا كانوا من الاتباع والمحسوبين على الجماعات والتيارات المنافسة لتجمعة وحركته التى ينتمي اليها.

وهذا ما يفسر الكثير من المشاكل والازمات المفتعلة فيما بين بعض الاطراف والفئات الدينية في الساحة.اما القيم والمبادئ السماوية فانها ترفض هذه الروح وتعتبرها مخالفة واضحة لأبسط تعاليم الاسلام التى تدعو الفرد باتجاه الانفتاح على الاخرين بمختلف تياراتهم وآرائهم الفكرية المؤطرة بحدود الدين وتحثه على إبداء المحبة ومد يد المساعدة لهم وما أشبه.

ولم يكتف الاسلام بذلك بل ان حدود الانفتاح تجاوزت المؤمنين فيما بينهم الى مستوى التداخل والتواصل مع الاعداء والمناوئين للعقيدة أيضا. وهذا هو واقع الاسلام عبر رموزه ورجالاته في عهده الأول. فالرسول الاعظم (ص) كان يتقرب الى أشد الناس عداوة له واكثرهم بغضا وحقدا على الدين وهم اليهود ومن بعدهم النصارى، فقد سمح لهم بالاقامة في المدينة وأقام العهود والمواثيق بينه وبينهم وتحالف مع بعضهم وسمح لهم بمزاولة الحياة الاعتيادية والتجارة وما أشبه بكامل حريتهم، ولم يقاتلهم ويحاربهم الا حينما بدأوهم بنقض العهد واظهار الخيانة، وحينما شعر منهم بالخطر الحقيقي والجدي على الدين والرسالة.

والأكثر من ذلك فقد ذهب الرسول (ص) الى التسامح مع المنافقين في مدينته وعلى رأسهم عبدالله بن أبي السلول، ولم يسمح للمؤمنين بقتله أو حتى طرده من المدينة على الرغم من كل المؤمرات والمكائد التى كان يحيكها للاسلام والرسول (ص) شخصيا.

وهكذا كان حال صحابة الرسول، فهذا أمير المؤمنين الامام علي (ع) في فترة خلافته كان يقبل ويسمع كلام كل من يعترض على حكمه، وكان يتحاور معهم من أجل اقناعهم بحسن فعله، ولم يرض لأصابه وجنده القسوة على معارضيه بل كان يوبخهم على ذلك ويمنعهم منه، ولم يسجل التاريخ موقفا واحدا أثبت فيه رفض الامام (ع) للنقد أو الاعتراض، بل ان مبدأ الحوار والتفاوض هي السياسة التى استخدمها الامام كمرحلة أولى لحل مشاكله وخلافاته.

فالاسلام اذن ومن خلال ممارسات رواده وقياداته أراد التأكيد على روحية الانفتاح والتعامل الميداني مع كل أبناء المجتمع، ومن ثم التأكيد أيضا على اسقاط كافة الحدود والحواجز النفسية منها أو التى منطلقها الاختلاف في الآراء الفكرية والفروقات في خطط التحرك وأساليب العمل الخارجي من أجل اقامة العلاقة الصحيحة والبناءة.

واذا كان الرسول (ص) أو الامام علي (ع) قد تعامل الواحد منهم مع اعدائه وليس مع اتباعه فقط، واستطاع بسعة صدره وأفقه وروحه التسامحية الكبيرة أن ينهي الخلافات معهم، فان العاملين اليوم هم أولى بهذا العمل الايجابي، لأن العداء الحاصل فيما بينهم ليس الا في الوهم والخيال ونتيجة الظن المحرم، وأما المشاكل الجزئية والهامشية التى تحدث بين الفينة والاخرى فيما بين الاخوة في التجمعات المختلفة والتى تقع من دون القصد والارادة المسبقة فانها تحل وتنتهي بالصدر الواسع وبروح التغاضي والتنازل للمؤمنين وبحسن الظن بهم وحمل تصرفات الشخص منهم على المحمل الحسن تجسيدا للحديث الشريف: ( احمل اخاك على سبعين محمل).

هيثم السهلاني

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك