المقالات

وطن المصطلحات


حافظ آل بشارة

 تعددت صيغ التعبير عما جرى في العراق سنة 2003 فمنهم من يسميه التغيير ، ومنهم من يسميه الاحتلال ، وقوم يسمونه السقوط ، فالانتقائية لها قاموسها الذي يمارس توظيف اللغة وابتكار المصطلحات ، بنظرة اوسع ندرك ان اللغة وعاء حضاري لاستيعاب التحولات الثقافية وايجاد كلمات جديدة دالة عليها وقد يضطر اهل بلد ما الى تحوير كلمات اجنبية او دخيلة للتعبير عن الجديد ، ولكن التغيير في العراق كان فاتحة عهد لسيل من الكلمات العربية الاصيلة التي نسمعها لاول مرة مثل : الشراكة ، المحاصصة ، المكونات الوطنية ، قبة البرلمان ، الاقتراع ، النصاب ، الاغلبية الساحقة ، الاغلبية المطلقة ، نقطة نظام ، خرق دستوري ، انتخابات مبكرة ، نيل الثقة ، سحب الثقة ، مقعد تعويضي ، موازنة اتحادية ، موازنة تشغيلية ، موازنة استثمارية ، التنمية ، الاعمار ، الاستثمار ، هذا الحشد من الكلمات الجديدة يتدفق بقوة في الاخبار والمقالات وحوارات المقاهي والمضايف و وسائط النقل ، وتبدو باعثة للحياة والتفاؤل ، لكن هذا التدفق اللغوي الجديد رافقه مد لغوي من نوع مضاد يعبر عن قوى الاعاقة التي حاولت افشال التغيير الايجابي في البلد ، وبقدر ما كانت لغة التغيير حافلة بالحيوية والحياة كانت لغة الاعاقة حافلة بايحاءات الكراهية والعدوان وابرز تلك الكلمات : علاس ، سياف ، خاطف ، مخطوف ، حواضن ، حواجز كونكريتية ، تفتيش ، سيطرات وهمية ، عبوة لاصقة ، عبوة ناسفة ، انتحاري ، تكفيري ، كاتم ، وعند التحليل اللساني لهذه الكلمات تجد ان مبناها الصوتي يعتمد نمطا من الحروف التي تنتج ترددا لا ترتاح له الأذن الوطنية السليمة أو آذان من عرفوا بطهارة المولد وعفة الارحام ! وبين اللغتين صراع دائم وهذا هو حال الدنيا منذ الخلق الاول ، بعض الكلمات تستمد جمالها او قبحها من خزين اللاوعي الاجتماعي وما يضمه من قرائن معرفية تاريخية حول الكلمة ، عجوز من اقرباءنا حاولت الاستهزاء بأحد النواب وهو يلقي كلمته فقال حفيدها : جدتي كيف تسخرين من رجل يتكلم تحت قبة البرلمان ، فوقع عليها قوله كالصاعقة ثم انصتت وقد تداعت في ذهنها كلمة القبة وهي تتصور ضريحا مقدسا فقالت :(فدوات القبة ومن فيها صحيح جدة أهل بخت) ولم تقل انهم اصحاب شرعية انتخابية ! ولكن هناك تداخل سلبي مؤلم في كلمة من الفريق الآخر هي كلمة (حواضن) فالحواضن هن الامهات والكلمة تستدعى معاني الطفولة والامومة والرحمة والحب، لكن هذه الكلمة جرى تدنيسها عندما استعيرت للاشارة الى الاماكن التي تأوي الارهابيين لتحدث التباسا خادشا في النفس ، حاول كثير من المحررين تصحيح الالتباس باستخدام كلمة مخابئ ، فيما اعترض بعض شيوخ الاحزاب على استخدام كلمة (اوكار) بديلا عن الحواضن فاعتبروه تصحيحا مهينا قائلين ان الاوكار كلمة تختزن الرومانسية الثورية وهي تثير ذكريات التنظيمات السرية لليساريين والاسلاميين وغيرهم ايام زمان ، التضاد الاصطلاحي سببه تضاد قيمي عميق ، عندما تختفي مظاهر الشر من حياة العراقيين فسوف تختفي لغتها معها فلا تبقى الا الكلمات التي تشير الى الخير .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك