المقالات

شهيدة ثورات التغيير المنسية


احمد نعيم الطائي

الذاكرة العراقية مازالت تختزن احداث اول ثورة تغيير شهدتها الساحة العربية منذ اكثر من عشرين عام ، حيث همش الاعلام العربي بشكل مقصود مآثرها واحداثها التي تعدُّ الاكثر دموية ووحشية على مدى التاريخ.

الانتفاضة الشعبانية التي اندلعت في جنوب ووسط وشمال العراق من اجل اسقاط الحكم الدكتاتوري، بعد الهزيمة التي منيَ بها صدام عقب غزوه دولة الكويت 1991 ، حيث استولى ثوار هذه الانتفاضة على معظم محافظات البلاد ، لكن سرعان ما انقلبت الامور بعد اتفاق ملك السعودية خالد وبوش الاب على قمع هذه الثورة الشعبية ، والسماح لصدام باستخدام كل الاسلحة والاساليب الوحشية لقمعها.

وعلى الرغم من الحرب الكونية التي تسبب بها صدام في منطقة الخليج والاضرار الجسيمة التي تعترضت لها دول المنطقة لاسيما الكويت والسعودية لكن فضلت الاخيرة بقاء صدام في السلطة مقابل عدم ظهور تكتل شيعي يتولى مقاليد الحكم بالعراق.

تسلم حينها قائد العمليات العسكرية الاميركية في العراق الجنرال نورمان شوارزكوف اوامر من بوش الاب بالانسحاب من مشارف بغداد الى قاعدة الناصرية (قاعدة الامام علي) ، بعد ان اصبح على وشك القاء القبض على صدام وأسره بعد تحديد مكان تواجده من قبل وكالة الاستخبارات الاميركية، الامر الذي احدث خلاف بين القيادة العسكرية في العراق والرئيس بوش الاب، بحسب مذكرات شوارزكوف في كتابه (الامر لايحتاج الى بطل).

عملت عدة سيناريوهات داخلية وخارجية على تجير الانتفاضة لصالح ايران او رفع شعارات طائفية او معادية لاميركا واوروبا اهمها ما قامت به اجهزة صدام الامنية التي تلثمت بملابس الثوار وهي تحمل صور للامام الخميني وتطلق الشعارات المتطرفة وتقوم بعمليات ذبح لمواطنين ابرياء وحرق مؤسسات الدولة ،حيث تم تقديم تلك الافلام الى بوش الاب عبر دائرة تلفزيونية من السعودية.

بعد اتفاق جدة - واشنطن الذي اعطى لصدام الضوء الاخضر لقمع تلك الانتفاضة ، سارع صدام الى اصدار اوامره لقوات الحرس الجمهوري والاجهزة الامنية والحزبية المنهزمة من الكويت بالتوجه الى المحافظات التي اعلنت الثورة ضده، فضلا عن استخدامه لطائرات أف 23 الاميركية والمدفعية الثقيلة في قصف تلك المحافظات بشكل وحشي عشوائي ، ونتيجة لعدم تكافأ القوة في التسليح تمكنت تلك القوات من السيطرة على المحافظات المنتفضة والبطش بالسكان شيباً وشباباً نساءاً واطفالاً، حيث تم دفن آلاف منهم في مقابر جماعية وهم احياء ، حيث اكتشفت معظم هذه المقابر بعد سقوط الحكم المباد عام 2003 ، ويبلغ عدد المقابر التي اكتشفت اكثر من 370 مقبرة جماعية في عموم مناطق جنوب ووسط وشمال العراق يظم قسماً منها اطفال رضع وبقايا ملابس وجماجم وادوات اطفال.

وبعد ان ألجمت ألسنة العرب ممن يجيدون الخطابة والتهريج ، والسكوت المطبق للاعلام العربي ، والقمع الوحشي لاجهزة صدام للثوار، وموافقة اميركا ودول التحالف على سحق تلك الانتفاضة ، اصبحت تتدوال احداثها وبطولاتها لدى الناجين منها سواءً ممن سمحت لهم الظروف بالهروب من حجيم وقساوة الانتقام الذي مارسه صدام واعوانه او ممن نجوا من تلك الابادات الجماعية.

هذه المشهد من التاريخ يشير الى عقلية تؤمن بالابادة البشرية من خلال حقد اعمى متوارث باتجاه الشيعة والسيناريو يتكرر اليوم مع انتفاضة الشعية في البحرين، لاسيما بعد ان سارعت قوات سعودية لنيل الشهادة او الاجر في قتل المسلم الشيعي أينما وجد ! .

فالاعلام العربي الذي يعتبر محمد بوعزيزه صاحب شرارة اول ثورة تغيير عربية والانتفاضة التونسية قدوتها، فنحن نذكر العرب ان العراقيين قدموا آلاف الثوار ومن خلفهم آلاف الضحايا الابرياء شهداء لاول نموذج حي في التغيير من خلال مواجهة اكثر واقسى الانظمة الشمولية دموية ووحشية في التاريخ.

على المثقفين العراقيين الوطنيين ان يظهروا للعالم بطولات عروس الثورات التي واجهة ببطولة متفردة بشاعة وبربرية اكثر الانظمة الدكتاتورية بشطا بشعبها، من خلال انتاج الاعمال الفنية المختلفة وأرشفت تلك الصور الرائعة في التضحية من اجل الكرامة والحرية ، والتي تحتاج الى حملة وطنية تساندها مؤسسات الدولة. لان هناك سفر رائع ومشرف من النضال الوطني العراقي الذي يعاني الاهمال والتهميش، وان استمر هذا التهميش ستخسر القوى الوطنية على المستقبل القريب جزءا حيويا من تاريخها وتاريخ الامة العراقية.

ان الاجيال التي تتمسك بكرامتها وعزة اوطانها وتعتز بمآثر اسلافها في مواجهة الظلم والطغيان هي التي تفهم التاريخ وتستلخص منه العبر ، من خلال الشواهد التي تبقى ماثلة لها وللشعوب عامة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك