المقالات

الديمقراطية وإرادة التغيير

801 18:25:00 2011-02-20

حسن الهاشمي

القائد الضرورة، قائدنا إلى الأبد، الملك المفدى، صاحب الجلالة، فخامة الرئيس، سمو الأمير، وقائمة الأسماء والصفات والنعوت تطول وتطول وكلها تشير إلى حقيقة واحدة وهي تكريس واقع الديكتاتور والحاكم المستبد الظالم على حال العباد والبلاد.مستقى القانون في الدول الديكتاتورية هو رأي الديكتاتور، فالحاكم المستبد يفصّل القوانين بما يخدم سلطانه وحكمه وبما يوفر له الأرضية القانونية لحكم البلاد إلى آخر لحظة من حياته، ويسخر لذلك القضاة والمثقفين والمشرعين والإعلاميين، الذين يروجون لشخصه ويمجدون بحمده ويسيرون بركب هواه وما تمليه نزواته ورغباته، يعملون كل ذلك وهم يدركون إن موقفهم هذا بالتضاد مع مصالح العباد والبلاد، ولكن طمع الجائزة والمناصب والامتيازات قد يعمي أبصارهم، بل حتى بصيرتهم فتراهم في طغيانهم يعمهون.الحاكم المستبد وبطانته الذين يصفقون له ويبررون لأعماله الشوفينية ويغطـّون على جرائمه الوحشية ويتسترون على نهبه الأموال واحتكاره الصفقات التجارية ويشيدون بمجده الغابر من قبيل حامي البلاد وناصر الضعفاء والمدافع عن العزة والكرامة... إلى آخره من الصفات المكذوبة التي هي أبعد ما تكون عن منهج الطغاة في واقع الأمر وميادين العمل، بل إنها شعارات يرددها المتملقون وما أكثرهم في زمن العهر السياسي والنفاق الاجتماعي للحصول على فتات خبز ورشفات ماء تتطاير من فم الديكتاتور وعائلته والمقربين منه، وما أتعسها من عيشة أن يبيع الإنسان ضميره ووجدانه من أجل دنيا غيره وليس من أجل دنياه، حيث إنه في واقع الأمر يعيش ذليلا حقيرا مسلوب الإرادة والاختيار!!!.وطالما يستبد الظالم بحكمه ويتخذ من عباد الله خولا وخدما وعبيدا ومال الله دولا يتداوله في غيه وفساده وظلمه وإطالة حكمه الجائر، خلافا للحاكم العادل فإنه يتصدى لخدمة العباد وحفظ الأموال وتبديدها على مستحقيها وتطوير حالهم وبلادهم نحو الأفضل والأحسن، وهذا نبي الله عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا محمد أفضل التحية والسلام، قد ضرب لنا أروع الأمثلة فيما يجب عليه أن يكون الحاكم العادل في تواضعه وسمو أخلاقه ورفعته، إذ قال عليه السلام للحواريين: لي إليكم حاجة، فإن عاهدتموني على أن تقضوها لي قلتها لكم، فقال الحواريون: قضيت حاجتك يا روح الله، الأمر منك والطاعة علينا.فقام عيسى عليه السلام وغسل أقدامهم واحدا واحدا، فقالوا: كنا أحق منك بهذا!! فقال عليه السلام، إن أحق الناس بالخدمة العالم، إنما تواضعت هكذا لكي تتواضعوا بعدي في الناس كتواضعي لكم، ثم قال عليه السلام: بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر، وكذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل... وما أحلى أن يتحلى الناس مواطنون وحكام بهذه الخصال التي بها نسود على الأمم وبدونها نسقط. إن الشعوب الحرة تعلم قبل غيرها إن الإنسان في النظام الديمقراطي هو الأصل في تشريعات الدولة، وحقوقه هي مستقى القانون بالاستقاء الحقيقي لا بالاستقاء المزيف كما في الديكتاتورية، حيث إن القانون في النظام الديمقراطي وضع لأجل الإنسان، فالقاسم المشترك في كل القوانين السياسية والاقتصادية والجزائية والشخصية والاجتماعية هو فائدة الإنسان إبقاء وإنماء، ولذا كان الناس في نظر الحكومة العادلة سواسية كأسنان المشط، كلهم راع وكلهم مسؤول عن رعيته، وإنهم مسلطون على أموالهم وأنفسهم، ومن استوى يوماه فهو مغبون، إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على إن الإنسان هو الأصل، ويجب على الدولة أن تراعي حقوقه في كل تشريعاتها وتطبيقاتها، هذا هو الأصل الأصيل الذي يجب على الدولة الديمقراطية الحقيقية الالتزام به ولا يجوز لها التخلي عنه.الظاهر إن في سياسة الدولة الديمقراطية أمورا ثلاثة ينبغي أن تتوخاها في الهدف، هي: المساواة والعدل والإحسان، فالمساواة معناه التساوي، وقد يكون التساوي عدلا وقد لا يكون عدلا، بل قد يكون ظلما، فإذا ساوى التشريع العاملين في العمل كان تساويا وعدلا، وإذا أعطاهما متفاوتا كلا بقدر جهده كان عدلا لا مساواة. فالعدل إذا ً على ما عرفوه هو إعطاء كل ذي حق حقه، وإدانة كل ذي جرم بجرمه، أما الإحسان فهو إعطاء المزيد من الحق بمقتضى الرحمة والعطف فيما لا يضر بحق الآخر، والعفو عن المسيء فيما لا يكون العفو سببا لبطلان حق، والإحسان فوق القانون، لأن القانون مجرد حفظ الحقوق والواجبات والإدانات، أما الإحسان فهو المراعاة لأجل تهدئة الجو المشحون، وإيجاد السلامة والوئام والمحبة.والدولة في النظام الديمقراطي يلزمها مراعاة ذلك لتجعل من القانون واحة خضراء تحفها الرحمة والحنان وانعكاس ذلك على الإنسان، وهذا ما يوجب تقوية الروابط بين الدولة وبين الأمة، ويقدم الأمة إلى الأمام، ويدفعها بالحماس والهمة والطموح والآمال العالية إلى تقدمها، إذ العلاقة المتبادلة بالمحبة القائمة على الرحمة والود توجب تكريس الثقة والحرية والرفاه، وكل ذلك من مقومات التقدم، ومن المعلوم أن الاطمئنان والسكينة والاستقرار النفسي والفكري والاجتماعي من أهم مقومات بناء الحضارات. إذن بناء الدولة الديمقراطية هو بناء للحضارة من أوسع أبوابها، حيث إن النظام الجماهيري الحقيقي يفسح المجال أمام جميع شرائح المجتمع - بغض النظر عن انتمائه القومي أو الديني أو المذهبي - لبنائه وتطويره، وتكون فيه فرص العمل والتعليم والتجارة والصناعة... متكافئة بين الجميع وليست مقتصرة على أفراد العائلة المالكة أو من يسبحون في فلكها!! ولا تزال الحضارة مشتقة من الحضور الفاعل لتطوير البلاد وإنعاش الاقتصاد ورفاهية العباد، فالحضور الشامل والكامل متوفر في الأنظمة الديمقراطية أكثر مما هو عليه في الأنظمة المستبدة، لأن في الأول الكل في خدمة الكل، وفي الثاني الكل في خدمة الفرد، وهكذا فإن مقومات النهوض الحضاري في الديمقراطية تكون متاحة ومتوفرة بالفعل وبالقوة وللجميع، في حين إنها مخدوشة في الديكتاتورية إن لم نقل إنها معدومة.والأنظمة الديمقراطية نحكم بديمقراطيتها بما تعكسه من نتائج طيبة على أرض الواقع، وربما تكون أنظمة مركزية عادلة متقاربة بمعطياتها الديمقراطية أكثر من أنظمة تدعي الديمقراطية ولكنها بعيدة عن مدياتها الملموسة، علما إن العقل السليم لا يبرر ممقوتية التفرد بالسلطة بأي شكل من الأشكال. فالشعوب الحرة الكريمة قد تصبر وقد يطول بها الصبر ولكنها في نهاية المطاف وعندما يأخذ الفقر والحرمان والبطالة والمرض وسحق الكرامة وغمط الحقوق منها مأخذا كبيرا حينئذ تنتفض على واقعها المزري وتسعى بأن تأخذ بنفسها زمام المبادرة وترسم بنفسها الحكم الذي تريد والحاكم الذي يلبي طموحها وينفذ مطالبها في التغيير والإصلاح والتطور، نعم إنها تسعى لطيي صفحة الديكتاتورية وليي ذراع الموالين لها وكسرها وتأصيل النظام الديمقراطي بدلا عن تلك العهود الظلماء التي عانت ما عانت فيها من ظلم وقهر وانتكاس وسقوط، ومن باب لا يصح إلا الصحيح، ربما الذي حدث في تونس الخضراء ومصر الكنانة ما هو إلا غيض من فيض لثورة الغضب والتغيير ضد الأنظمة الفاسدة والمستبدة، وما هو آت أعظم وأكبر، فاعتبروا يا أولي الألباب؟!.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك