المقالات

من المسؤول عن تراجع الوعي السياسي و الثقافي لدى الشباب؟


وليد المشرفاوي

يعيش الشباب هذه الأيام وضعا مثيرا للقلق والاهتمام بفعل حالة التراجع الثقافي والانكفاء الاجتماعي بالرغم من زوال الكثير من القيود التي كانت مفروضة على المجتمع العراقي في ظل الحكم الشمولي السابق الذي كان يتعامل مع هذه الشريحة الاجتماعية بمنتهى القسوة , ومحاولة ادلجة أفكارها بما يتماشى مع المنظومة الفكرية الفاشية لحزب البعث , ونظام صدام , ومن يتابع أوضاع الشباب العراقي وخاصة من الناحية الثقافية سيجد من دون شك حالة استرخاء ثقافية واضحة وغيابا ملموسا لها في الحراك الاجتماعي السياسي بالرغم من الفرص الكبيرة المتاحة والمتوفرة , والتي كانت ستسمح بالتعبير عن الكثير من الجهود والإمكانات التي تحفل بها هذه الشريحة وتطلعاتها في بناء العراق الجديد , وإزالة رواسب الماضي ومخلفاته, حالة التراجع الثقافي الذي تعيشه شريحة الشباب في العراق هو في الواقع كبير مقارنة بأوضاع هذه الشريحة المهمة في زمن النظام البائد , حيث كان التوجه نحو الثقافة الإسلامية ومتابعة الأوضاع بشكل عام والتهافت للانضمام إلى الحركات الإسلامية اقتناعا بدورها الوطني وكفاحها البطولي في المواجهة مع نظام البعث , ونجاحها فيجذب الشباب المسلم الواعي للمشاركة في برامجها وتوجهاتها السياسية, هذا الاندفاع والتسابق للانضمام إلى صفوف الحركات الإسلامية الجهادية بالرغم من المخاطر المحدقة وقسوة النظام المفرطة في التعامل مع أي شخص ينضم إلى صفوف هذه الحركات , كان انضمام هذه الأعداد الكبيرة من الشباب المؤمن بصفوف الحركات الإسلامية مبعث قلق لهذا النظام الذي حاول بشتى الوسائل الحيلولة دون ذلك , وبالرغم من حدود التضييق الواسعة التي فرضها النظام آنذاك , ألا إن توجه الشباب العراقي المسلم نحو الثقافة ونهل منابع الإسلام الحقيقية قد كان كبيرا ,بل كان هناك اندفاع مثير للإعجاب لتحدي سلطات النظام القمعية عبر الانخراط في المؤسسات الدينية والحوزوية . اليوم ومع زوال النظام الديكتاتوري الاستبدادي لم تعد الصورة المثيرة للإعجاب موجودة , بل إن هناك عزوفا واضحا عن المشاركة في السياسة والثقافة والأمور الأخرى كافة التي تخدم المجتمع . عزوف الشباب وتراجع اهتماماتهم الثقافية والفكرية حاليا له أسبابه العديدة , لكن أبرزها انبهارهم بالمؤثرات الثقافية الغربية التي تملك ناصية التفوق على الأفكار التقليدية التي ورثها الشباب عن بيئاتهم الاجتماعية البسيطة , وهو دور ما زال يفرض حضوره بسبب الإمكانات القوية التي يملكها الخطاب الثقافي الغربي فضلا عن عزوف الحركات الإسلامية عن تبني الشباب العراقي واحتضانه ومنحه دورا كبيرا في أنشطتها العقائدية والفكرية , ومطالبتها ببرامج وأطروحات فكرية اجتماعية لاحتضان الشباب ورعاية طاقاتهم الإبداعية ,مما خلق فجوة واضحة بين هذه الأحزاب في العراق وقواعدها الجماهيرية التي يشكل الشباب الجزء الأكبر فيها , أضف إلى ذلك فأن الأحزاب في العراق وخاصة الإسلامية منها لم تبذل الجهد الكافي لاجتذاب الشباب العراقي إليها وإعادة احتضانه من جديد والاهتمام بمشاكله ومعاناته والإسهام في إيجاد الحلول لها, بل أنها فضلت المحافظة على أساليبها الكلاسيكية في الترفع على الجماهير , واطمئنانها الكاذب إلى فكرة إن الجماهير هي التي يجب أن تسعى وراء الأحزاب وليس العكس,خلال السنوات السبع الماضية لم تتبن الأحزاب أية أطروحات وبرامج جادة للتفاعل مع شريحة الشباب , وان وجدت فهي خجولة ومحدودة التأثير في الشارع العراقي ,هذا الإهمال لشريحة الشباب والعزوف عن التفاعل معه له آثاره الخطيرة في هذه الأحزاب الإسلامية التي تضحي بذخيرتها ووقودها الفكري والمعنوي وعنوان ديمومتها , وانكشافها أمام خصومها ومنافسيها الذين يعملون الآن بهدوء لجذب الشباب العراقي بعيدا عن الحركات السياسية الإسلامية لصفها عبر استغلال حالة الجفاء بين الأحزاب الإسلامية والشباب عبر فرض المغريات , وحالات التهويل الإعلامي , وتحميل هذه الأحزاب مسؤولية التراجع الخدمي في البلاد ,والارتفاع الكبير في معدلات البطالة , وصعوبة العثور على فرص العمل والوظائف, وتفشي حالة الرشوة والفساد الإداري في مؤسسات الدولة. هذا الدور المتراجع للشباب وغياب مساهمته الواضحة في المسيرة السياسية والثقافية في البلاد لايمكن توجيه اللوم فيه على الأحزاب بالرغم من أنها تتحمل النصيب الاكبر في هذا التراجع بوصفها الحاضنة المثالية لهذه الفئة ,بل إن الشريحة الشبابية تتحمل نصيبها منه من خلال انكفائها واستسلامها وعدم قدرتها على تنظيم نفسها من جديد , والتعبير عن مطالبها وفرض نفسها كقوة مؤثرة لها حضورها في المجتمع العراقي , بل كل ما هناك يأس وإحباط وشعور داخلي بالعجز والجلوس بانتظار أن يتدخل القدر ليمنح الشباب العاطلين والحالمين العصا السحرية لتغير الواقع الذي لن يتغير بانتظار حصول التغيير من دون التدخل لصنعه, كما إن هناك جهلا ثقافيا وسياسيا يعاني منه الشباب العراقي من خلال عزوفهم عن القراءة والمطالعة وتثقيف الذات , حيث تجد نسبة الشباب المثقف الواعي قليلة قياسا إلى الحجم الهائل من الانفتاح الثقافي الذي يمر به العراق حاليا , والذي لم يكن متاحا في زمن النظام الديكتاتوري البائد والانشغال عنها بأمور أخرى بعيدة كل البعد عن المجال الثقافي,مسؤولية هذا التراجع يتحمله الجميع من حركات إسلامية ,والأسر, والمجتمع, إضافة إلى شريحة الشباب أنفسهم, وهذا التراجع بالإمكان معالجته وترميمه شريطة توفر الأدوات الضرورية له, وجدية الحركات الإسلامية التي تملك الوسائل والإمكانات لإصلاح الفجوة وجذب الشباب بوصفهم عنوان ديمومتها ومستقبلها وحضورها الدائم في المجتمع للمحافظة على القيم الإسلامية الأصيلة ,ووقوفها بوجه حملات التغريب وتهديم القيم والعناوين الثقافية والاجتماعية الراقية للمجتمع العراقي والإسلامي.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
zaid mohammed
2011-04-03
iraq is conservative tribal relrgious society unfortunately it didnt move to civil society and secularism most of islamist parties cant do this only the west can do the movement let him do his work to transfer our daer country to from nomadic tribal society to civil society and secularism
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك