المقالات

جذوة حزن وجيفة فرح!

1160 12:25:00 2011-01-21

حسن الهاشمي

الحياة بما أنها متغيرة متحولة متبدلة، فتارة تكون حارة وأخرى باردة وثالثة معتدلة وحلاوتها وطراوتها بتبدلها هذا، وإن كانت على وتيرة واحدة لجمدت وليبست ولأضحت مُرة ولا مرارة العلقم والحنظل، ومن باب المماحكة والمماثلة فالإنسان الذي يعيش في هذه الحياة يتقلب بين أحضانها ويكابد أخطارها ليحفر في أخاديد الزمان جذوة حق أو كبوة باطل أو يبقى يراوح مكانه يندب حظه العاثر دونما أثر. فالأيام التي يتداولها الإنسان تارة تكون له وأخرى عليه... يوم يسعد فيه وينتشي فرحاً وربما يضحك جذلاً ويرقص طرباً، ويوم يحزن فيه ويمتلئ بؤساً وندماً وربما يبكي ظلماً وألماً ... يوم يعيش فيه بأمن وصفاء وعذوبة وآخر يتقلب في أتون المخاطر والأكدار والنوائب. ليعلم إذاً أن الدهر يومان، يوم له ويوم عليه فإن كان له فلا يتكبر ويبطر، وإن كان عليه فلا يبتئس ويضجر، بل يصبر ويحتسب، فكلاهما سيرحل ... والذي سيبقى ويخلد هو الموقف إزاء الأحداث ربما يشع نوره لاحقا وإن كان إذ ذاك في صدف في قاع البحر، فالحزن فيه أولى، وما يُرى من سراب حين ذاك فهو بمثابة البحر عندما تعلوه الجيف، وإن كان صاحبه في فرح ينتشى.رزانة العقل تختبر في الفرح والحزن، فالسوي الذي يحمل همه وحزنه في قلبه ولا تعلو أشداقه ومحياه سوى البشر والفرح والفكاهة، أما الذي في قلبه خدش أو مرض تراه على عكس ذلك تماما يشكو بثه وحزنه للناس وهم إما شامت فيفرح وإما صديق فيحزن، وكلاهما لا يستطيع رفع غمه أو ردم مشاكله. وبما أن الفرح والحزن هما قدرا الإنسان يحددان مصيره سلبا أو ايجابا، فالعقل السليم هو الذي يسخرهما لكماله، بينما العقل السليب هو الذي يئن تحت سياطهما تسوقانه لهلاكه.إذن حلاوة الدنيا بفرحها وترحها، وأشد الفرح الذي لا يبطر فيه صاحبه، وأشد الحزن الذي لا يصبر عليه صاحبه حتّى يَبُثَّه أو يشكوه إلى آخرين مثله، والفرح نعمة مثلما الحزن نعمة ولكن بحسن التصرف إزاءهما، فالله سبحانه عندما يقول (لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين) يعني أنه لا تفرح بكثرة المال في الدنيا لأن الذي يفرح بالمال ربما يأشر ويصرفه في شقاءه، أما إذا ما يصرفه في سعادته فهو نعم القرين، وهكذا الحزن ربما يردي صاحبه في الهاوية إن انهار واستسلم إزاءه، أما من تجلبب بجلباب الصبر والحكمة ربما يكون الحزن والبلاء كفارة له لاسيما إن كثرت ذنوبه، فيصيـّر الحزن فرحا والكآبة انشراحا ولو لسالف ما بقي له من أيام...فالفقر في طاعته غنى والغنى في معصيته فقر، دخل رجل فقير ليس عليه ما يستره، على رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم) وهو جالس بين أصحابه والى جانبه رجل موسر، ما إن رأى الفقير بهذه الهيئة حتى جمع أطراف ثيابه دون علم منه إن النبي ( صلى الله عليه واله وسلم) يراقبه، فقال له النبي: جمعت أذيالك أخفت أن يمسك من فقره شيء.- لا - أخفت أن يصيبه من غناك شيء؟!- لا - فقال (صلى الله عليه واله وسلم): فما حملك على ما صنعت؟!- قال يا رسول الله إن لي قريناً شيطاناً يزين لي كل قبيح ويقبح لي كل حسن واستطرد قائلاً: - اعترف بأنني مخطئ وأنا مستعد أن اكفر عن الخطأ الذي قمت به اتجاهه بان أهب له نصف ما املك.- فقال النبي للمعسر: أتقبل؟- قال: لا - فقال له الرجل الموسر متعجباً ! ولمَ ؟!- قال: أخاف أن يداخلني ما داخلك !توأمة الفرح والحزن الغنى والفقر ما زالت تراود عمر الإنسان تفرحه مرة بمال وبنين وجاه ومكانة، وتحزنه أخرى بموت وشقاء وشظف عيش وعداوة، وتلقي بأثرها في قلبه بنشوة وإقبال في حال، وهمّ وإدبار في حال أخرى، وهو يكابد ما بين هذا وذينك حتى تنقشع أيام حياته وقد انقشعت عنه بحلوها ومرها بفرحها وحزنها وغناها وفقرها، ويبقى ويظل كل يوم لم يعص الله فيه فهو يوم فرح وسرور وإن كان في حزن ومتاعب ومصاعب وفاقة، وكل يوم قد عصي الله فيه فهو يوم حزن وشقاء وإن كان في فرح ولذة ومناصب وراحة، فالفرح في شقاءه حزن والحزن في فلاحه فرح.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك