المقالات

جذوة حزن وجيفة فرح!


حسن الهاشمي

الحياة بما أنها متغيرة متحولة متبدلة، فتارة تكون حارة وأخرى باردة وثالثة معتدلة وحلاوتها وطراوتها بتبدلها هذا، وإن كانت على وتيرة واحدة لجمدت وليبست ولأضحت مُرة ولا مرارة العلقم والحنظل، ومن باب المماحكة والمماثلة فالإنسان الذي يعيش في هذه الحياة يتقلب بين أحضانها ويكابد أخطارها ليحفر في أخاديد الزمان جذوة حق أو كبوة باطل أو يبقى يراوح مكانه يندب حظه العاثر دونما أثر. فالأيام التي يتداولها الإنسان تارة تكون له وأخرى عليه... يوم يسعد فيه وينتشي فرحاً وربما يضحك جذلاً ويرقص طرباً، ويوم يحزن فيه ويمتلئ بؤساً وندماً وربما يبكي ظلماً وألماً ... يوم يعيش فيه بأمن وصفاء وعذوبة وآخر يتقلب في أتون المخاطر والأكدار والنوائب. ليعلم إذاً أن الدهر يومان، يوم له ويوم عليه فإن كان له فلا يتكبر ويبطر، وإن كان عليه فلا يبتئس ويضجر، بل يصبر ويحتسب، فكلاهما سيرحل ... والذي سيبقى ويخلد هو الموقف إزاء الأحداث ربما يشع نوره لاحقا وإن كان إذ ذاك في صدف في قاع البحر، فالحزن فيه أولى، وما يُرى من سراب حين ذاك فهو بمثابة البحر عندما تعلوه الجيف، وإن كان صاحبه في فرح ينتشى.رزانة العقل تختبر في الفرح والحزن، فالسوي الذي يحمل همه وحزنه في قلبه ولا تعلو أشداقه ومحياه سوى البشر والفرح والفكاهة، أما الذي في قلبه خدش أو مرض تراه على عكس ذلك تماما يشكو بثه وحزنه للناس وهم إما شامت فيفرح وإما صديق فيحزن، وكلاهما لا يستطيع رفع غمه أو ردم مشاكله. وبما أن الفرح والحزن هما قدرا الإنسان يحددان مصيره سلبا أو ايجابا، فالعقل السليم هو الذي يسخرهما لكماله، بينما العقل السليب هو الذي يئن تحت سياطهما تسوقانه لهلاكه.إذن حلاوة الدنيا بفرحها وترحها، وأشد الفرح الذي لا يبطر فيه صاحبه، وأشد الحزن الذي لا يصبر عليه صاحبه حتّى يَبُثَّه أو يشكوه إلى آخرين مثله، والفرح نعمة مثلما الحزن نعمة ولكن بحسن التصرف إزاءهما، فالله سبحانه عندما يقول (لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين) يعني أنه لا تفرح بكثرة المال في الدنيا لأن الذي يفرح بالمال ربما يأشر ويصرفه في شقاءه، أما إذا ما يصرفه في سعادته فهو نعم القرين، وهكذا الحزن ربما يردي صاحبه في الهاوية إن انهار واستسلم إزاءه، أما من تجلبب بجلباب الصبر والحكمة ربما يكون الحزن والبلاء كفارة له لاسيما إن كثرت ذنوبه، فيصيـّر الحزن فرحا والكآبة انشراحا ولو لسالف ما بقي له من أيام...فالفقر في طاعته غنى والغنى في معصيته فقر، دخل رجل فقير ليس عليه ما يستره، على رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم) وهو جالس بين أصحابه والى جانبه رجل موسر، ما إن رأى الفقير بهذه الهيئة حتى جمع أطراف ثيابه دون علم منه إن النبي ( صلى الله عليه واله وسلم) يراقبه، فقال له النبي: جمعت أذيالك أخفت أن يمسك من فقره شيء.- لا - أخفت أن يصيبه من غناك شيء؟!- لا - فقال (صلى الله عليه واله وسلم): فما حملك على ما صنعت؟!- قال يا رسول الله إن لي قريناً شيطاناً يزين لي كل قبيح ويقبح لي كل حسن واستطرد قائلاً: - اعترف بأنني مخطئ وأنا مستعد أن اكفر عن الخطأ الذي قمت به اتجاهه بان أهب له نصف ما املك.- فقال النبي للمعسر: أتقبل؟- قال: لا - فقال له الرجل الموسر متعجباً ! ولمَ ؟!- قال: أخاف أن يداخلني ما داخلك !توأمة الفرح والحزن الغنى والفقر ما زالت تراود عمر الإنسان تفرحه مرة بمال وبنين وجاه ومكانة، وتحزنه أخرى بموت وشقاء وشظف عيش وعداوة، وتلقي بأثرها في قلبه بنشوة وإقبال في حال، وهمّ وإدبار في حال أخرى، وهو يكابد ما بين هذا وذينك حتى تنقشع أيام حياته وقد انقشعت عنه بحلوها ومرها بفرحها وحزنها وغناها وفقرها، ويبقى ويظل كل يوم لم يعص الله فيه فهو يوم فرح وسرور وإن كان في حزن ومتاعب ومصاعب وفاقة، وكل يوم قد عصي الله فيه فهو يوم حزن وشقاء وإن كان في فرح ولذة ومناصب وراحة، فالفرح في شقاءه حزن والحزن في فلاحه فرح.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك