حسن الهاشمي
أخلص في عملك فإن الناقد بصير بصير... لاسيما إذا كان العمل عملا تبليغيا وتوجيهيا وإرشاديا، فإنه أحوج ما يكون إلى نفحات الإخلاص حيث إنه من صميم عمل الأنبياء والأولياء والصالحين الذين هم قمم الإخلاص وذروة الفناء في ذات الله في كل صغيرة وكبيرة من حياتهم، ولعل ذلك ما تؤكد عليه الروايات الشريفة أن ينوي المرء عند إقدامه على كل عمل يتعلق بشؤونه العامة أو الخاصة القربة إلى الله تعالى والإخلاص إليه ليحصل على ثوابين حصاد ما يبذله من جهد دنيوي وآخر ما يقطفه من زرع أخروي، علاوة على ما يضفيه على الحالة الدنيوية من بركة ودوام نعمة وعاقبة خير.فالإخلاص لله في العبادة والإتقان في العمل هذه الأمور تزيد من توفيقات الإنسان، وطالما يستطيع الإنسان أن يكون مبدعا في مزاولة أي عمل إذا امتزج بالإخلاص والإتقان والابتعاد عن الغش والتزوير والتملق والإذلال، فمن أراد عزا بلا عشيرة وحكما بلا سلطان فليخرج من ذل معصيته إلى عز طاعته، حينئذ ستنهمر عليه بركات الأرض والسماء.علماء الأخلاق يقولون إن الإخلاص ضد الرياء، وهو صفاء الأعمال من شوائب الرياء، وجعلها خالصة للّه تعالى، وهو قوام الفضائل، وملاك الطاعة، وجوهر العبادة، ومناط صحة الأعمال، وقبولها لدى المولى عز وجل، وتتفاوت قيم الأعمال، بتفاوت غاياتها والبواعث المحفزة عليها، وكلما سمت الغاية، وطهرت البواعث من شوائب الغش والتدليس والنفاق، كان ذلك أزكى لها، وأدعى إلى قبولها لدى المولى عز وجل.وليس الباعث في عرف الشريعة الإسلامية إلا (النيّة) المحفّزة على الأعمال، فمتى استهدفت الإخلاص للّه تعالى، وصفت من كدر الرياء نبلت وسعدت بشرف رضوان اللّه وقبوله، ومتى شابها الخداع والرياء، باءت بسخطه ورفضه.لذلك كان الإخلاص حجراً أساسيا في كيان العقائد والشرائع، وشرطاً واقعياً لصحة الأعمال، إذ هو نظام عقدها، ورائدها نحو طاعة اللّه تعالى ورضاه، وناهيك في فضل الإخلاص أنه يحرر المرء من إغواء الشيطان وأضاليله (فبعزتك لأغوينهم أجمعين، إلا عبادك منهم المخلصين).والإخلاص هو العمل في سبيل الله، وما كان لله ينمو وما كان لغيره يضمحل ويخبو، حيث كان الإخلاص هو المنار الساطع، الذي ينير للناس مناهج الطاعة الحقة، والعبودية الصادقة، كان الشيطان ولوعاً دؤوباً على إغوائهم وتضليلهم بصنوف الأماني والآمال الخادعة: كحب السمعة والجاه، وكسب المحامد والأمجاد، وتحري الأطماع المادية التي تمسخ الضمائر وتمحق الأعمال، وتذرها قفراً يباباً من مفاهيم الجمال والكمال وحلاوة العطاء.ولا تزال الخدمة الحسينية تتطلب المزيد من الإخلاص وصفاء النية وكيف لا نخلص في خدمته وهو قد أخلص لله بدمه الطاهر؟! الذوبان في خطه وتشذيب العمل الحسيني مهما كان من الرياء والمجادلة والتفاخر والمتاجرة، هي من موجبات العمل الحسيني الخالص الذي يصب في الإخلاص لله من أوسع أبوابه.وحري بالجميع أن يتحصنوا بالإخلاص ويبتعدوا عن موهمات الأطماع الدنيوية الزائلة، فإن الدنيا زائلة وما يبقى هو العمل المخلص الخالي من شوائب النفاق، وقد يحصل الإنسان الملتوي على ضالته في الحياة الدنيا، بيد إن عاقبته ستكون إلى سوء وإن أمره سيفتضح بالدنيا قبل الآخرة وما سيلاقيه هناك أشد وأخزى، أعاذنا الله وإياكم من الزلل وأخذ بأيدينا إلى حمر النعم.
https://telegram.me/buratha