حافظ آل بشارة
التغيير السياسي الذي جرى في تونس جاء ضمن التسلسل الطبيعي المتوقع ، انظمة المنطقة لم تعد ملائمة لهذا العصر ، كانت الشعوب العربية في منتصف القرن الماضي تعيش أجواء مختلفة تماما في اعقاب الحرب العالمية الثانية وفي ختام حقبة رموز الانتداب ، تصوروا ان انظمة الحكم الجمهوري جديدة ومتحضرة لانها بنيت على انقاظ الاستعمار المباشر وهي في الحقيقة اسوأ من الاستعمار ، بمرور العقود بدا ينمو الشعور بالخدعة التاريخية ، واتضح ان هؤلاء القادة مجرد لصوص وانذال يستخدمون الجيوش لقمع شعوبهم ، نظام بن علي في تونس والانظمة الشقيقة له تستخدم ادوات متشابهة لكي تستمر في السلطة مثل الاعلام المأجور والخطابات المشحونة بالاكاذيب والانتخابات الشكلية المزورة والبرلمان المزيف والدستور الكاذب ، احيانا يغضب الشعب ويتظاهر ويتلقى الرصاص بصدوره لانه يشعر بالخجل والاهانة الذاتية من وجود حاكم يخدعه ويضحك عليه ويستغبيه ، ثورات الجياع يمكن ان تقدم مفتاحا لتغيير اكثر من نظام في عواصم عربية معروفة ، بعض الفضائيات الحكومية العربية حاولت ان تقلل من شأن الحدث التونسي وترسم له صورة مخيفة فهم يصفون ما جرى بأنه فوضى عارمة وعنف وضياع ويقود الى مستقبل مجهول يريدون من المواطن العربي ان يصدق بأن بقاء الحكام الظلمة افضل من تغيير سياسي بهذا الشكل ، وان ما يحدث ليس حلا بل هو اسوأ من المشكلة نفسها ، هؤلاء الحكام لا يستطيعون ان يقولوا اكثر من ذلك حول ما حدث في تونس كي لا يتهموا بمؤازرة الطغاة ، واذا تكرر المشهد التونسي في اي بلد عربي فلن يستطيع الحكام مواجهة التظاهرات الغاضبة بالحديد والنار لان هناك ما تسمى بسلطة المجتمع الدولي التي يعرفها الحكام اكثر من الرعية ، تلك السلطة هي التي سهلت اعدام صدام واركان نظامه وهي التي تراقب الوضع وتستطيع رفع غطاء الشرعية عن اي حاكم يريد ممارسة القمع ، منذ مطلع الالفية الثالثة شعر الحكام باستحالة استخدام القمع من داخل القصر الرئاسي فاوكلوا المهمة الى عصابات ومجموعات ارهابية متحركة تقاتل بالنيابة عنهم ويستخدمونها لاضرام الحرائق في اي مكان يشاؤون ، لكن ثورة الجياع تتحطم امامها كل الوسائل . انظمة الحكم التي تشبه نظام تونس المنهار لديها فرصة لمراجعة النفس واجراء تغيير سلمي ، اي الاستقالة قبل الخلع ، والسفر الطبيعي قبل الفرار ، والاستعانة ببيان التنحي قبل بيان التنحية ، الاستقالة توفر وقتا كافيا للرئيس لجمع امواله وتصفية املاكه وتهيئة اقامته في دولة ما معززا مكرما وربما سيجد لاحقا من يذكره بخير في دولته الام وعلى الاقل يصفونه بانه طاغية ذكي . ولكن على نخبة المعارضين ان لاتسمح للطغاة بجعل البديل جحيما ، ليقولوا بان الديمقراطية فاشلة وان هذه الشعوب لا يصلحها الا القمع ، فعلوا ذلك في العراق ويحاولون فعله في تونس اليوم وجميع اخوة زين العابدين بن علي من العرب وغيرهم يعدون العدة لجعل الديمقراطية التي تخلفهم غالية الثمن سيئة السمعة .
https://telegram.me/buratha