حميد الشاكر
في كتاب الامير لمكيافلي كان يطرح سؤالا جوهريا لادارة الحياة السياسية لحقبة القرون الوسطى الاوربية وهو: لوخيّرالامير بين ان تحبه رعيته وتطيعه او ان تهابه وتخشاه وتخاف منه وتطيعه رعبا ، فهل سيختار خوف ورعب الرعية منه ؟.أم سيختار لسياسته حب الرعية وانجذابهم العاطفي نحوه ؟.
كان ميكيافلي يشدد بحرص على اميره ان يختار سياسة الرعب لرعيته والخوف منه ،على ان يفضل سياسة الحب والتعاطف نحوه ،وذالك لفلسفة ميكيافلي العقلية والبسيطة في الان الواحد وهي : ان سياسة الرعب والخوف عندما تسيطر على الرعية يكون زمام ادارتهم وطاعتهم بيد الامير يحركها بالخوف كيفما يشاء !!.أما ان كانت سياسة الرعية بالحب تُدار ، وبالتوافق تلعب ، فسيكون حتما امر الراعي والامير كله مناط بارادة الرعية وحبهم ووطاعتهم الرخوة وليس بارادة الامير وقراره وحزمه !!.وفرق عظيم بين ان يحكم الامير امره بيده وبتدبيره لاغير وبربان واحد للسفينة وبطاعة مضمونة من الرعية المرعوبة منه ومن بطشه !!.وبين ان يضع الامير قدره ونجاحه بيد الرعية وقرارهم ويعتمد على حبهم في طاعته والدفاع عنه ،ففي الحكمة القديمة يحكى انه تصارع تنين الخوف داخل الانسان وزهرة الحب في قلبه فماكانت الا الغلبة والانتصارللخوف والرعب على الحب والعاطفة لان الرعب اكثر تاثيرا على مسار حياة الانسان وانقياده له من الحب ، وقليل هم اؤلئك من يتمتعون بالشجاعة ليدافعوا من اجل حبهم ومبادئهم وبكامل حريتهم بعكس كثير من اولئك الذين يفضلون العيش كجبناء لكنهم على اي حال احياء يتنفسون الهواء !!.
من هذه الفلسفة السياسية تمتع كتاب الامير بشهرة لانظيرلها في عالمنا العربي الحديث على اساس قاعدة الواقعية السياسية التي روج لها الاعلام العربي السياسي بشكل كبير في حقبة قيام الدول في العصر الحديث مابعد الحرب العالمية الثانية ، ومن خلال هذه القواعد تشكلت معالم العالم الجديد لنظمنا السياسية العربية الشيوعية ومن ثم القومية وهكذا حتى اليوم في النظم القبلية والملكية وغير ذالك وهي معتمدة تماما على ميراث الفلسفة السياسية الغربية للقرون الوسطى التي تناقش فن الادارة السياسية من خلال انعكاسها النفسي للفرد الانساني وكيفية قياده بسلاسة وسهولة وطاعة للنظم السياسية القائمة والمهيمنة على البلاد والعباد بدون ان يكون له اي اعتراض على هذه الادارة !!.
وحتى بعد ان تطور الغرّب القديم وانتقل الى عالمه الصناعي ، لتتحول معه منظومته السياسية كلها من افكار الظلام الغربية القرووسطية الى الافكار الراسمالية الديمقراطية ، التي تنتهج خداع الانسان في ادارته بدلا من قهره واخضاعه بشكل ارهابي ووحشي ، بقي عالمنا العربي الاسلامي أسير تراث ذاك العالم الغربي الفكري القديم ، المنبهر بكل ماهو قادم من الغرب وعبر بوابته الاعجمية ، او منقول على السنتهم وهو يمتلك مطلق الايمان بنظرية الاستبداد السياسية ، التي تمكن الامير من قيادة المجتمع بيد من حديد لاتسأله عما يفعل وهو يسأل من يشاء ويحاسب من يريد على امل ان يقفوا ما سار به القوم الغربيين حذو النعل بالنعل عسى ولعل يصل الى اسباب القوّة والتقدم واستمرار الامارة والحكم له ولذريته من بعده !!.
لكن مافات المنظرين السياسيين والمفكرين الشيوعيين والقوميين من العرب المحدثين وعاظ السلاطين ، ان ماذكرته الفلسفة الميكيافلية في الامير وسطوته ، هي نصف الحقيقة التي كانت هي الحقيقة المطلقة لقرون اوربا الوسطى ، اما تمام الحقيقة للنظريةالسياسية الراشدة لادارة الشعوب والمجتمعات فهي ان للرعب والخوف والرهبة داخل اي انسان في هذا العالم منسوب ينتهي عنده ، وعلى الامير ان يدرك ان ليس بالرعب وحده يتمكن من اخضاع الانسان وقياده وضمان طاعته الى الابد وانما بالحب تعيش الاوطان وبدفاع الشعوب تقوى وتستمر البلدان !!.
الحب ذالك السرّ الذي شيطنته الفلسفة السياسية الميكافيلية هوالوحيد الذي عندمايجد الجد يفرض معادلته بين الامير والرعية والحاكم والمحكوم والتجربة والشعب !.
في تجربتنا العربية السياسية الحديثة وصل الرعب السياسي والارهاب السلطوي الى درجات حولت من الانسان العربي مدمن خوف ورعب الى ان وصل الى حالة عدم الشعور اصلا بهذا الرعب والخوف ، فوقف امام الموت وهو لايملك فكرة عن قيمة للحياة فاطاح بالامير ودمر ماحوله وذهب الى ماذهب غير آسف على شيئ يذكر !!.إن اخطرمايعيب سياسة الرعب والارهاب في النظرية السياسية انها كلما مورست لتضبط المجتمع وطاعته للسلطان اكثر كلما جاءت نتائج مفعول دواء الرعب بعكس مايريده الامير والحاكم اكثر فاكثر ، الى ان يصل متعاطي حبوب الرعب السياسية الى حالة الهلوسة والموت الحقيقي امام الشعور بالرعب والخوف منه ، وعندها تتحول سياسة الرعب على الامير كارثة حقيقية لاتبقي له لاسلطان ولاتاج على راسه ولا حكم ولاعنوان !!.وهذا بعكس نظرية الحب ، والتوافق السياسية بين الامير ورعيته ، التي وان كانت هي للنخبة من المجتمع اقرب منها لعوام الناس ودهمائهم ، لكنها وعلى اي حال تشعر الرعية ان النظام القائم مكتوب باسمهم ، وانهم الملزمين بالدفاع عنه لتمثيلهم وتمثيل مصالحهم وارادتهم واذا حلّ بالامير ما يداهمه من خطر هبت الرعية للدفاع عنه حبا ، والذي هو حب الرعية لنفسها اولا ولمصالحها ثانيا ولما يمثله الامير لهم ثالثا !!.
إن الحب فعلا اطول عمرا من الرعب والكراهية ، وان كان هو الاضعف غصنا في شجرة السياسة ، لكنه الامضى حدا من نار الخوف والشيطنة !.
https://telegram.me/buratha