عمار نعمة جابر
ترسم الأقدار تفاصيل كثيرة في أعمارنا ، وكونك في العراق فأنت لا تنعم أبدا بحياة مستقرة ، لان العراق بلد غير مستقر منذ عقود مضت . وحين أكون من جيل الحروب القومية في عام 1973 مولدا ، والحروب التي تلتها ضد الأكراد في 1975 ، وحرب إيران 1980 ، والكويت 1990 ، و أمريكا 2003 حياةً . فأنت ترى آثار سرف الدبابات في الشوارع والدرابين ،و تشم رائحة البارود على ملابسك وملابس زوجتك وأطفالك ، وترى الطائرات الحربية تحلق فوق ملاعب الصبا ، وتتفتت كل الأحلام بلا استثناء في بيت العزاء لأبيك وأمك وقد قتلتهما أمراض في وطن المرض والموت . عندها يحاصرك ما خطه أبي العلاء المعري على قبره ، ( هذا ما جناه عليّ أبي ولم اجنه على أحد ) . ولأننا لسنا أبي العلاء ، رحنا نكرر أخطاء الآباء ونقع في ذات الحفرة ، ونلدغ من الجحر نفسه عكس ما يتصف به المؤمنون . فذهبنا بعين وقحة نجني على أبناءنا بهذه الأرض المنكوبة ، ولم نجعل العصفور الذي لا يتناسل في قفصه أسوة حسنة لنا . ولأنني تاسع تسعة في عائلتي ، اكتفيت بأن اجعل المعذبين ثلاثة فقط ، عزاءا واحتياطا .ولكن .. ومنذ أن صرت واعيا كانت تحاصرني هواجس الكوارث التي ألمت وتلم بمن حولي من العوائل العراقية ، فما كنت أخاف منه وقعت فيه ، أضفت رقما آخر للآباء الثكالى في هذا الوطن . فكان أبني باقر وردة زرعت في غير أرضها كي تذبل ، وسنبلة غرس حبها في ارض سبخة بور ، لن تطرح سبعمائة حبة ولا بطيخ ! ونخلة أنبتها الأغبياء مثلي في ارض الجليد ، عند مهب العواصف الباردة التي لا تبقي ولا تذر . فضاع ولدي من بين يدي متوسدا أسرة المستشفيات ، وكارعا سم الأدوية ، ومتحملا أشكال القتلة من الأطباء والصيادلة . ومحدقا بصمت الأنبياء بأبويه العراقيين بالولادة ، وهما عاجزان ، لا يجدان ما يقدمانه له ، باحثين بين زوايا المستشفيات ، والغرف القذرة للأطباء النخاسين ، والصيادلة الجشعين ، من اجل تشخيص أو علاج حقيقي ، يساعد ابنهم على الخروج من حالته ، طارقين كل أبواب الدعاء ، والأولياء ، بل وحتى العرّافين ، ولكن من أين لأمراض أهل العراق من أطباء أو سماء أو سحر يشفيهم ، ولا حتى كف المسيح !وابني وبسبب كونه عراقيا فقط ، صار مقعدا ، غير قادر على المشي .. لان العراق ليس فيه علاجا فيزيائيا له ، علاجه في أمريكا وألمانيا ولا املك فيزة أو مبلغ العلاج الطائل . ومصر وهي دولة تملك علاجات متقدمة لمثل حالة ابني رفضتني لأنني من العراق . واليوم وأنا أقدم تقارير ابني للعلاج في الهند و تركيا ، بعد أن قدمتها للأمم المتحدة ولأمريكا وألمانيا وهولندا وروسيا وسوريا ومصر والأردن ، وأطباء من لبنان وتونس وإيران ، والإمارات والكويت . أشعل شمعة ابني الثامنة في يوم 10 /1 /2011 .. أشعلها وهي باهتة لا ترغب في أن تنير أكثر من العجز والمرض والمستقبل المجهول للصغير باقر .ثمان سنوات من الألم والمرض مرت طويلة ، طويلة على باقر ، وطويلة على أبيه وأمه .. مفيدة ماديا للأطباء والصيادلة ، وغير مهمة للقادة والساسة غير العابئين بأبناء وأطفال البلد . ثمان سنوات من الأماني البسيطة في المشي والمدرسة ومرافقة الأب لتشييعه عند باب الدار.. ثمان سنوات عراقية ! وفي ليلة 10/1 لم تحيرني قضية الهدية التي سأهديها لابني .. مطلقا ، لأنها لن تكون حقيبة مدرسية فهو بلا مدرسة ، ولن تكون دراجة هوائية لأنه بلا قدمين كي يقودها ، وليس علما عراقيا لأنه لم يشعر بالانتماء بعد . ..هديتي لك هذا العام يا بني .. عربة للمعاقين ..
https://telegram.me/buratha