سمير عبد الله
لم يكن الرجلان على وفاق في الماضي ولم يكونا صديقين أيام المعارضة العراقية بل كان كل منهما يضمر الضغينة والكراهية للآخر.. فلا المالكي الذي كان يمثل حزب الدعوة الإسلامية في سوريا التقى عزت الشابندر وهو يمثل تجمع القوى الإسلامية العراقية (تقى) ويشرف على صحيفة البديل الإسلامي ولا عزت الشابندر فكر في يوم من الأيام لقاء المالكي أو التفكير بلقاءه رغم أن الرجلين عملا في الساحة السورية منذ الثمانينات وافترقا حين سقطت بغداد بيد القوات الأمريكية وشاهد العالم بغداد الأمريكية في مربع الصورة التلفزيونية وهي تظهر دبابتين وفندقا يدعى الفردوس!.
شاءت الأقدار السياسية أن تجمع النقيضين في سلة واحدة.. ربما لم تكن تلك الأقدار شاءت أن يجتمعا المالكي والشابندر في بغداد أو في دمشق لأن القاعدة اقتضت عدم الاجتماع والفراق الأبدي بسبب شدة التناقض بين مدرستين ونهجين ومزاجين وتوجهين وحزبين وشخصين الأول ينتمي إلى حزب عقائدي يؤمن بالمرحلية في العمل وإقامة البديل السياسي الذي يؤمن به والثاني قادم على صهوة جواد عقائدي لا علاقة له بمرعى أحزاب الدعوة المختلفة وإذا كانت العقيدة الإسلامية والروحية الشيعية الجامعة اقتضت أن يلتقي المالكي والشابندر في استراتيجية النهايات لكن طبيعة توجهات التيارين المختلفين قضت عدم اللقاء لأن الشابندر اشتغل بمنطق توفير الجهد وتعميق الصلة بين المعارضة العراقية والمجتمع الدولي أو المعارضة العراقية وبعض مؤسسات وأجهزة المخابرات الأمريكية البريطانية الفرنسية على النقيض من جواد المالكي (رئيس الوزراء الحالي) الذي اشتغل بمنطق كسول لم يكن يؤمن أن المجتمع الدولي سيتعاطف مع المعارضة العراقية ويسقط صدام حسين ويأتي بالرموز الحالية في القيادة العراقية زعماء سلطة.. ورغم رجحان كفة عزت الشابندر في العمل مع البريطانيين والأمريكيين والفرنسيين حيث توج الجهد بتشكيل ما يسمى المؤتمر الوطني العراقي الموحد إلا أن المالكي الذي جيء به بقرار داخل الائتلاف الوطني وبـ 12 مقعداً برلمانياً كان يؤمن أن اسقاط صدام حسين بإرادة أمريكية من الأفعال المستحيلة خلاف الشابندر الذي كان موقناً أن اسقاط صدام حسين بإرادة أمريكية كان من الحتميات المؤكدة.
شاءت الصدف أن أكون قريباً من (أبي زينب الشابندر) كان يحدثني عن روحية نوري المالكي وكيفية تعاطيه مع المسائل السياسية في المعارضة العراقية وطريقته في التواصل مع المتغيرات السريعة التي كانت تجري في الأوساط المحلية في الداخل والأكثر من ذلك طبيعته الأمنية الحذرة من كل ما هو قادم من الآخرة العراقية وأقصد بذلك التيار الصدري الذي كان يقوده أيام ذاك وقبيل استشهاده آية الله العظمى السيد محمد صادق الصدر.. أنا أتمنى أن يخطأني السيد الشابندر فيما لو قلت غير الحقيقة التي سأقولها الآن.
قال لي أبو زينب في إحدى المساءات الدمشقية الجميلة وكان ذلك في مكتبه التجاري السياسي في منطقة المزة أن نوري المالكي رجل محير وغريب ومتناقض وهذا الكلام ليس كلامي أنا (أبو زينب) بل هو كلام مدير الأمن السياسي السوري أيام ذاك اللواء محمد ناصيف (أبو وائل).
لقد جمعت الشابندر وأبو وائل جلسة أسر فيها الأخير صديقنا الشابندر عن بعض القضايا التي تمس واقع المعارضة العراقية والتطورات السريعة التي كانت تجري على هامش صلاة الكفن الصدرية في مسجد الكوفة والسطوع الكبير الذي تشكل حول شخصية الصدر الثاني كونه مرجعاً إسلاميا كبيراً استطاع قيادة الأمة والنهوض بها واخراجها بهذه الصلاة من اطار العزلة والسكونية والخمول الاجتماعي والسياسي إلى اليقظة والثورة والصحوة لهذا كان محمد صادق الصدر المرجع الذي نتحدث عن ثورته كثيرا في المعارضة العراقية وكان أبو زينب من أشد المعجبين بشخصية الصدر الثاني وكان يراه غير ما يراه بعض التابعين في المعارضة العراقية خصوصا الرأي الذي تشكل في مكتب حزب الدعوة الإسلامية بدمشق بقيادة السيد نوري المالكي.
اللواء محمد ناصيف يقول لأبي زينب ماذا يجري لهذا الرجل (نوري المالكي) لماذا يحذرنا نحن في القيادة السورية من مغبة اتساع الظاهرة الصدرية في سوريا ويتحدث معنا عن ضرورة عدم فسح المجال أمام رجال في التيار الصدري لافتتاح مكتب لهم في منطقة السيدة زينب شأنهم بذلك شأن بقية الأحزاب والقوى الوطنية العراقية التي لديها مكاتب وحسينيات مماثلة في سوريا.. يردف اللواء محمد ناصيف قائلا لأبي زينب أن نوري المالكي قال لنا بالحرف الواحد أن محمد صادق الصدر هو مرجع السلطة وليس مرجع الأمة وأنه متعاون مع المخابرات العراقية وتياره مدسوس ونخشى على سوريا إذا ما سمحت السلطات الأمنية بافتتاح مكاتب لهم أن يكون هنالك تواجد مؤثر وملحوظ للمخابرات العراقية في دمشق!.
بين ليلة وأخرى يتحد النقيضان فيتحول عزت الشابندر القادم على صهيل العقائديين إلى ناطق رسمي باسم ائتلاف القانون ومدافع نحرير كامرؤ القيس عن زعيم الائتلاف رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي.. هل هي السياسة أم المصالح أم أن التاريخ قد يفعلها ويمازج بين النقائض لينسجم المالكي مع الشابندر ويلتقيان في محطة الدولة.. هذه الدولة التي كثر صناعها وتعددت منابر زعاماتها السياسية وصارت نهباً للتجار ورجال القمسيون والعقود الفاسدة حتى عدت في حسابات منظمات الشفافية الدولية الأسوأ بين دول العالم والأكثر فساداً على لسان بهاء الأعرجي؟.
ربما هي المصالح والعقود والخوف من الاختفاء خلف مشهديات السياسة اليومية العراقية التي لا ترحم أحدا إذ بمجرد أن يطاح بك في انتخابات مجالس محلية أو انتخابات مجالس محافظات فإنك ستختفي من مشهديات الصورة التلفزيونية والمشهديات الموازية في السياسة اليومية العراقية وهنالك قائمة طويلة من الشخصيات النيابية والسياسية العراقية الحالية اختفت من مجال الصورة التلفزيونية والسياسة اليومية لأنها لم تتمكن من الحصول على المقاعد المؤهلة أو أنه الخوف من الاختباء خلف شخصية سياسية تستثمر مجال العقود والحقائب الوزارية وتستفرد بالقرارات الرئيسة في الحزب أو الدولة وتلك (نغمة) لا يحبذها عزت الشابندر وهي لهجة أيضاً يعرفها من يعرف طبيعة شخصية الشابندر التي تستعصي على الاختفاء خلف مشهديات الصورة أو مشاهد السياسة سواء في السلطة الحالية أو في الزمن الغابر من أيام المعارضة!.
ليس غريبا على السيد الشابندر أن يحل مكان المالكي في مجلس النواب لأن شخصية الرجل لا تثبت على حال سياسي أو تستقر على صيغة معينة.. ففي السياسة تدرج الشابندر على أكثر من صعيد ودخل في أكثر من مضمار واشتبك مع أكثر من ساحة وربما قاده هذا الحال من اللا استقرار إلى استحصال أموال عربية من ليبيا وأجنبية من فرنسا حيث وظف نصفها على الأقل على مشروع العمل والنصف الآخر على حاجات خاصة ويبدو أن تلك المدرسة التي تدرج وفق قوانينها هي التي قادته اليوم وتقوده إزاء التحالف مع ائتلاف القانون وزعيمه نوري المالكي حيث يجد في هذه الجبهة السياسية السلطة والمال والاستثمارات والعقود والظهور البارز والملفت في الشاشة التلفزيونية والتأثير المباشر في تفاصيل السياسة اليومية ومن يعرف طبيعة الشابندر يدرك أن ما فعله أزاء نوري المالكي وما قدمه لائتلاف القانون من خدمات كبيرة قبل انتخابات 7/3 وما بعدها بـ 9 أشهر لن يكون غريبا بعد ذلك أبدا!.
هو الآن رئيس وزراء في مقعد رئيس الوزراء التعويضي وسيلاحظ العراقيون جميعاً كيف سيتصرف الشابندر مع موقعه هذا خلافاً لكل الذين جلسوا من زملاءه على مقاعدهم التعويضية خلفاً لنواب رحلتهم أحزابهم السياسية إلى الحكومة وستكون له صولات أقوى وأمضى وأكثر تأثيراً من صولات رئيس الوزراء على غرمائه في التيار الصدري ومثلما كان الشابندر فرس المالكي في صولاته قبل الانتخابات وبعدها سيكون فرسه التعويضي في مجلس النواب وسيدافع بنفس اللغة واللهجة والمهجة والخطاب (الثوري) الهادئ عن مجمل الخطوات والسياسات والأفعال والبرامج التي سيتحدث عنها ويشرع بها نوري المالكي في السياسة العراقية.. إن هذا الدفاع ليس دفاعا بالضرورة عن ائتلاف القانون وتصوراته الخاصة إزاء الدولة والمجتمع والسلطة وامكانية التجديد للمالكي في كل مرة يتحدثون فيها كثيرا عن ترشيح رجل شيعي لرئاسة الوزراء العراقية بقدر ما هو دفاع عن سيرته السياسية السابقة وجهوده التي بذلها في الترويج للمعارضة المغايرة التي تتحصن دائماً بالأفكار السياسية التي تتناغم مع تصورات السياسة الدولية ونادراً ما سنجد عزت الشابندر في موقع آخر غير الموقع الذي اختاره لنفسه وإن اختار هذه المرة موقع المالكي التعويضي الذي لم يكن يحبذ في يوم من الايام ان يجلس عليه لولا حاجته لموقع يراه فيه الناس ولا يغادر الصورة التلفزيونية والأكبر من ذلك أن لا يغادر دولة العقود المفتوحة!.
المهم الآن أن المالكي أهدى لصديقه عزت الشابندر مقعده الأغلى من بين قادة الكتل السياسية وكان على المالكي ألا يعطي هذا المقعد الذي يعد في نظر الذين أعطوا أصواتهم للمالكي والبالغ عددهم أكثر من 600 ألف صوت لأنه مقعد الناس وليس كرسيا قابلا للتفاوض أو شيئا لا علاقة له بأوجاع المجتمع الذي لم يمنح هذه الأصوات الهائلة إلا لكي يبرأ من علله وأمراضه وأوجاعه وآلامه الأبدية مع الخدمات والماء والكهرباء والأمن وكواتم الصوت.. أتذكر أن السيد المالكي قال في حديث تلفزيوني على هامش دفاعه عن الأعداد الهائلة من العراقيين الذين أعطوا أصواتهم لائتلاف القانون في مواجهة خصومه الذين حاولوا تشكيل جبهة معارضة للتخلص من شبح الفردية وغياب القانون الحقيقي في سلطة ائتلاف القانون.. إن هذه الأصوات هي أمانة في أعناقنا ولابد من حماية هذه الأصوات من السراق ولن نسلم السلطة إلا للذين منحهم الشعب العراقي الأصوات الكافية لتشكيل حكومة الشراكة الوطنية وهنا أسأل هل أن خطوة المالكي منح مقعده التعويضي للسيد الشابندر الذي لم يحز إلا على 98 صوتاً من أصوات الناخبين العراقيين في الانتخابات الأخيرة هو إعادة الأمانة لأصاحبها وهل أن اعطاء مقعده للرجل كان قرارا موفقاً أم أنه كان مجاملة على حساب هذا العدد الهائل الذي منح أصواته لائتلاف القانون؟.
ما جرى شكر مقعدي على دور أداه النائب الجديد عزت الشابندر لرئيس الوزراء نوري المالكي لكنه في المقابل يعبر عن اقصاء وتجاوز واضح لدور الآلاف من العراقيين الذين منحوا أصواتهم وكان بإمكان السيد المالكي لو أراد أن يستفتي الشعب العراقي ويسأله ويضع مقعده التعويضي بذمة العراقيين أو أنه يشتغل بالبعد القانوني الذي يعطي مقعد رئيس الوزراء للشخصية التالية في اطار ائتلاف القانون ولا يحرمها من حقها في المشاركة النيابية لا أن يختار رجلا لم يعطه العراقيون أكثر من فتات الاصوات الشعبية وتلك سجية لم يعتد عليها إلا الذين يقبضون على السلطة بيد من حديد ويمارسون دكتاتورية الطغاة لكنهم يمارسون طقوس القساوسة حين يتعلق الأمر بالصورة التلفزيونية والظهور أمام الناس والحديث عن الديمقراطية والعدالة والاستثمار ولا شيء غير وطن مباح لكواتم الصوت مباع سلفاً لدهاقنة العقود الفاسدة.
https://telegram.me/buratha