محمود الربيعي
توطئةفي هذا القسم سنتحدث عن الحقائق المتعلقة بدعم العشائر العربية لحركة الإمام الحسين عليه السلام وموقفه من السلطة الظالمة وحالة الفساد التي كانت غارقة فيها، كما ستكون لنا وقفة قصيرة مع رأي المفكر الإسلامي والفيلسوف المعاصر سماحة الشيخ ((محسن الأراكي العراقي)) وهو يتحدث عن الجانب العشائري يوم الطف وحالة نكث الأمة للعهد وهو جانب مهم يسلط الضوء على أسباب التداعيات التي أدت الى النتائج الأليمة التي حدثت يوم العاشر من محرم.
أبناء العشائر كانوا عماد جيش الإمام الحسين عليه السلام ومادته شهدت مدينة كربلاء في منتصف القرن الأول من العام الهجري واقعة عظيمة في تاريخ البشرية حيث دارت حرب غير متكافئة من حيث العَدَد والعِدَد بين مجموعة أنصارالإمام الحسين عليه السلام وجيش السلطة الأموية الحاكمة آنذاك.وقد إنخرط أبناء العشائر العربية القحطانية التي تقطن اليمن والعدنانية التي تقطن العراق في صفوف كل من المعسكرين، لكن أصحاب الإمام الحسين عليه السلام تميزوا بمواقفهم المبدئية النادرة وواجهوا الموت المحقق بشجاعة وأظهروا صوراً من البطولة والشهامة لانظير لها خلافاً لجيش السلطة الذي كان يبحث عن المغانم التي ينثرها عليه السلطان.
أبناء العشائر ((العراقية واليمنية)) أركان جيش الإمام الحسين عليه السلام لقد ساهم كل من ((عرب الشمال من العراقيين))، و((عرب الجنوب من اليمنيين)) وهم خلاصة المجتمع العربي في مؤازرة الحق والوقوف بصلابة في مواجهة الباطل، بينما تخلف كثيرون عن القيام بواجب النصرة بعد أن كانوا أنفسهم قد طالبوا الإمام بالقدوم والتدخل.
الخيارات المبدئية لعشائر وقبائل الأنصارولمعرفة حقيقة المواقف العشائرية تجاه حركة الإمام الحسين عليه السلام لابد لنا من تشخيص الحالات الفردية والنوعية للنخبة التي هي جزء من الصورة العامة التي تعكس رغبة كافة المستضعفين الذي كانوا يعيشون حالة الرفض للواقع الفاسد لكنهم كانوا غير قادرين على القيام بمهمة التغيير والإصلاح.إن المواقف الثابتة للنخبة المتمثلة بمواقف الشبان والشيوخ الذين ثبتوا على المبدأ يوم العاشر من محرم ولم يخونوا الأمانة ولم ينكثوا العهد هي خلاصة الموقف العشائري الحر للفئة الصابرة التي شهد لها التاريخ أنها صبرت على ماأصابها من القرح فلم تهن ولم تنكلل ولم ترضى أن تكون مطية للشيطان.
الموقف العشائري الفردي الداعم جزء من الموقف العشائري العام ولقد لعب الأنصار دورا مهما في دعم حركة الامام الحسين عليه السلام بعد أن شارك من كل قبيلة مقاتل أو أكثر ليكون منهم الناصر والمعين، ورغم أنهم كانوا قلة لكنهم تركوا ورائهم آثاراً عظيمة لايمكن أن تمحى من الذاكرة.
حالة الوعي في صفوف النخبة العشائرية ورغبتها في الإصلاحإن مشاركة الأنصار كانت خير دليل على الحس العام المؤمن بالإسلام وبالمشروع الاصلاحي الذي رسمه لهم الامام الحسين عليه السلام، وهذه المشاركة كانت تعني وجود حالة من الوعي بواقع القيادات المتضادة حيث تشكل قيادة جيش السلطة الظالمة حالة فساد بينما تشكل جبهة قيادة المعارضة الحسينية حالة يقظة ورغبة للقيام بمهمة الإصلاح.
المشاركة الحرة لرجال القبائل من الأنصارإن مشاركة رجل القبيلة في دعم حركة الإمام الحسين عليه السلام كان يعبر عن المشاركة العقائدية والرأي الحر للمقاتل الذي لاشك أنه يتفق مع قائده في التفكير والتدبير والتحضير، وفي وضع خطط الحرب والقتال ومن ثم الإئتمار بخطط الإمام والسير على هدى قيادته الرشيدة.
مشروع إيقاظ الأمةلقد شارك الأنصار في عملية إيقاظ الأمة وكان من بينهم ((همدانيون من أهل اليمن))، و((عبديون وقيسيون)) من أهل البصرة، و((أزديون وطائيون)) من أهل الكوفة قاتلوا الى جانب الإمام الحسين عليه السلام وهؤلاء وغيرهم تمكنوا من فضح طبيعة الأعداء الفاسدة.
الثبات والتردد في صفوف أبناء العشائرلقد كانت الرغبة لدى أبناء العشائر في الوقوف الى جانب الإمام الحسين عليه السلام متوفرة عند الغالبية لولا الخوف والضعف الذي سيطر عليهم والذي حال بينهم وبين المشاركة، وكان من بين الذين شاركوا في الحرب والقتال وثبتوا على الرغم من الظروف الصعبة الصحابي الجليل ((حبيب بن مظاهر الأسدي))، والفارس البطل ((الحر بن يزيد الرياحي)) الذي كان متردداً في بداية الأمر لكنه حسم موقفه واختار أن يكون الى جانب الإمام عليه السلام، وبالنتيجة فإن واقعة الطف كانت إختباراً صعباً لجملة المواقف والنوايا.
بعض أسماء العشائر الناصرةولقد كان من بين أنصار الإمام الحسين عليه السلام (( أرحبيون كعبد الرحمن ) )، و (( همدانيون كبرير ))، ولقد كانت مواقف كل من العدنانيين والقحطانيين يوم الطف شرفاً وعزاً لعشائر أهل اليمن من أولاً - (( المذحجيين ))، وثانياً - (( الخولانيين ))، وثالثاً - (( الحضرميين ))، ورابعاً - (( الشباميين ))، وخامساً - (( الجابريين )).كما كان فخراً وكرامة لعشائر أهل العراق من أولاً - (( التميميين ))، وثانياً - (( السعديين ))، وثالثاً - (( الشاكريين ))، ورابعاً - (( الأنصاريين ))، وخامساً - (( الخزاعيين ))، وسادساً - (( الشيبانيين ))، وسابعاً - (( الطائيين ))، وثامناً - (( الكنديين ))، وتاسعاً - (( الأسديين ))، وعاشراً - (( التغلبيين )).
وقفة مع سماحة الشيخ ((محسن الأراكي العراقي)) - حديث عن نكث الأمة للعهدوقد ذكر الفيلسوف والمفكر المعاصر سماحة الشيخ الجليل ((محسن الأراكي العراقي)) في إحدى محاضراته القيمة من أنه: " جاءت الرسائل الى الحسين (12 الف رسالة) كتبها رؤساء العشائر والوجهاء وكانت روح الأمة الإسلامية مع الإمام الحسين مع ذلك نرى ان روح هذه الأمة كانت روح النكث عن العهد، فبقي وحيداً تفترسه سباع الارض ووحوش المجتمع البشري.. كانت عملية افتراس في كربلاء". النص موجود على موقع مؤسسة الأبرار الإسلامية في لندن.. من محاضرات سماحة الشيخ ((محسن الأراكي العراقي)) لشهر محرم من عام 2010.www.abraronline.netمجموعة محاضرات بعنوان " حاضر المجتمع البشري ومستقبله في ضوء الثورة الحسينية والسنة التاريخية في القرآن ".
القسم الثالثابناء العشائر الذين نصروا الإمام الحسين عليه السلامتوطئةفي هذا القسم الثالث سنسلط الضوء على الطبيعة القبائلية لمقاتلي الطف الذين ناصروا الإمام الحسين عليه السلام، كما سنتعرض الى الطيف العشائري الذي تشكل منه الأنصار، ومن ثم نتحدث أخيراً عن حالة الحضور اليمني في واقعة الطف.
أولا": الطبيعة القبائلية لمقاتلي الطف الذين نصروا الإمام الحسين عليه السلامإن غالبية أنصار الإمام الحسين عليه السلام هم من قبائل عربية إما أنها تعيش في اليمن، وإما في العراق أوالحجاز، ويبدو أن غالبية ((أهل اليمن هم من القحطانيين))، وأما ((أهل العراق فهم من العدنانيين)) وسيتبين لنا فيما بعد وجود علاقات وثيقة بين تلك القبائل والتي كما يبدو واضحاً من خلال المعلومات البيانية أنها متداخلة فيما بينها فقد يُدْعى أو يلقب الرجل بالكوفي لمن يسكن الكوفة ويطلق على مجموع الساكنين فيها بالكوفيين لكن ((الكوفي)) قد يكون ((خولاني أو أنصاري أوخزاعي أوخزرجي أوعجلي أوبجلي)) رغم أن أصوله يمنية أو بصرية.. والمهم في النهاية أن التنوع في الإنتماء يكشف حقيقة وجود " عناصر نخبة " في صفوف تلك القبائل، كما لابد لنا أن نشير الى وجود جماعات أو افراد كان يمكن لهم أن ينخرطوا في صفوف الأنصار لولا خوفهم من بطش السلطة الأموية .. ومايهمنا في الأمر هو تسليط الضوء على عناصر النخبة وأسماء القبائل التي كانوا ينتمون إليها.
ثانياً: النخبة من ابناء العشائر الذين التحقوا بمعسكر الإمام الحسين عليه السلام لقد كان لمعظم القبائل العربية حضوراً في تشكيلة نخبة الأنصار التي انبثق منها الطيف الناصر، وبهم تم تشييد أركان المعارضة التي أرادت تحقيق الإصلاح في الأمة والتي أثبتت من خلال مواجهاتها أنها مجموعات إتسمت بالثبات على المبدأ.
ثالثاً: الحضور اليمني الناصر في واقعة الطف لليمن مكانة تأريخية ودينية عريقة فقد تفاعلت هذه الدولة مع النبي ((سليمان بن داود)) عليهما السلام كما تفاعلت مع النبي ((محمد)) صلى الله عليه وآله وسلم ولقد دخلت اليمن الإسلام طواعية دون إكراه وخرج منها ((حذيفة اليمان)) صاحب رسول الله والأمين على سره، فلا غرابة أن يقف أهل اليمن أنصاراً للإمام الحسين عليه السلام وقد اشتهروا بحبهم وولائهم لأهل البيت عليهم السلام، كما اشتهر عنهم مرافقتهم للإمام علي عليه السلام في رحلته الى العراق زمن خلافته في الكوفة التي استوطنوا فيها لاحقاً، وهناك الكثير من العراقيين من له أصول يمنية.
القسم الرابعتوطئةفي هذا القسم سنتناول بعض النقاط التي تتعلق بالأنصار من العرب ((القحطانيين)) الذين يتوزعون على مختلف ((المدن اليمنية))، ومن العرب ((العدنانيين)) الذين يتوزعون على ((المدن العراقية)) كالكوفة والبصرة، كما سنشير بشكل مختصر الى الحضور(( التركي)) في واقعة الطف، وسنبين حقيقة المواقف الثابتة للأنصار من أهل اليمن، ومواقف أهل العراق الشجاعة في صفوف الأنصار التي تمتد جذورها الى صحبتهم للنبي صلى الله عليه وآله ولأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
أولاً: أهل اليمن وحقيقة الحب والولاء لأهل البيت عليهم السلام: أهل اليمن عرف عنهم الميل والحب والولاء للنبي وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام أجمعين، ولازال أهلها على هذا الحب والولاء، ولقد رافق أهل اليمن الإمام علي عليه السلام في رحلته الى العراق أيام حكمه وخلافتة واستوطنوا الكوفة بعد إستشهاده عليه السلام، ولذلك تجد أن من العراقيين من لهم أصول يمنية.
نماذج مثالية من الأنصار اليمنيين - ((برير بن خضير الهمداني))وبالنتيجة فإن أبناء العشائر اليمنية كانوا من السابقين الى النصرة يوم العاشر من محرم وكان أحد أعلامهم الشهيد البطل ((برير بن خضير الهمداني))، الذي كان حاضراً يوم الطف وأبلى بلاءاً حسناً.. ولطالما ذكره الخطباء عند قرائتهم للمقتل في يوم عاشوراء، وآخر مرة جرى الحديث عنه على لسان الفيلسوف المعاصر المفكر الإسلامي سماحة الشيخ ((محسن الأراكي العراقي)) حفظه الله الذي بين بشكل خاص طبيعة هذه الشخصية في إحدى محاضراته التسعة التي القاها في مؤسسة الأبرار الإسلامية في لندن بمناسبة عاشوراء من محرم الحرام من عام 2010 م والتي تجدها مسجلة بالفيديو أيضاً على الموقع:www.abraronline.netبعنوان " حاضر المجتمع البشري ومستقبله في ضوء الثورة الحسينية والسنة التاريخية في القرآن ".
ثانياً: الأنصار من العرب العدنانيين من أهل العراق يعتبر الأنصار أصحاب مبادئ دخلوا الإسلام روحاً ومعنى، وكان منهم من صَحِبَ النبي صلى الله عليه وآله، أو صَحِبَ خليفته أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وهؤلاء كانوا على مَعْرِفَةِِِ وبَيِّنَةِِ من منزلة الإمامين الحسنين عليهما السلام كما كانا على بينة ومعرفة من أبيهما وجدهما، وأكثر الأنصار كانوا إما من العراق أو اليمن وهذا الأمر في غير الحجازيين من بني هاشم.
ثالثاً: الحضور التركي في واقعة الطف كأنصارولقد كان للأتراك حضور خاص في واقعة الطف كأنصار، وإن دل ذلك على شئ فإنما يدل على التعاطف الإنساني والمبدئي لدى هذه النماذج المؤمنة التي أثبتت ولائها وإخلاصها لدينها وللإمام الحسين عليه السلام، فليس هناك مايضطرها لإتخاذ مثل هذا المواقف التي فيها موتهم وهلاكهم، إذ كانوا أشد حرصاً على الموت منه على الحياة، ولقد ترك الإمام عليه السلام فرصة واسعة لإنسحاب أصحابه قبل القتال لمن يرغب في تركه، وخيَّرَهم بين أمرين أحدهما الإبتعاد عن مواطن القتال، وثانيهما المواجهة وقتال الأعداء وهو ماأختارته هذه الفئة الصالحة ومنهم ((أسلم التركي)) و((واضح التركي)).
شرف العمل في ظل قيادة الحركة الإنسانيةإن العمل الجهادي الذي تميزت به مجموعة الأنصار كان انموذجاً حياً لجميع الأحرار والمستضعفين في العالم، فالشهيد ((أسلم)) رغم أنه كان ((تركياً)) لكنه تحرك ضمن المواصفات الإنسانية لحركة الإمام الإصلاحية وجعلته يقف في مقدمة الناصرين لأكبر قيادة ربانية متمثلة بالإمام الحسين عليه السلام.ولازالت آثار الحركة الحسينية تؤثر في نفوس كثير من الشعوب والقوميات في العالم.. فمواقف الإمام الحسين عليه السلام ومنهاجه يشهدان على سلامة حركتة الإمام والدوافع التي تحرك من أجلها، ولم يَعُدْ خافياً أن الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه كانوا قد مثّلوا الخيارات الإنسانية والأخلاقية روحاً ومعنى، وحققوا مالم تحققه الكثير من الحركات التي تحدّث عنها التاريخ، إذ أن مواصفاتها وتفاصيلها نادرة بكل المقاييس وهو القول الفصل، ولقد أراد الله سبحانه وتعالى لهذه الحركة النجاح والخلود بعطاء الدم والخروج من الحياة بسعادة من أجل تحقيق العدل والحرية والحياة الحرة الكريمة.
خاتمةيتبين مما تقدم مقدار قيمة البناء العشائري وإمكانية قيامه بدور مهم في دعم القضايا الإنسانية والتحررية في العالم، وإمكانية مايمكن أن تقدمه العشائر في طريق التغيير والإصلاح والتنمية خصوصاً في حالات إستغلال المقومات العشائرية بالشكل الإيجابي الذي يعتمد على طريقة التوعية والتعبئة الشعبية.وبالنظر لوجود علاقات أخوية وإنسانية متينة بين المكونات العشائرية فإنها يمكن أن تلعب دوراً مهماً في القضايا المصيرية وهو مامتوقع لها في المستقبل في حال ظهور الإمام المهدي المنتظر عليه السلام الذي ستدعمه حسب الروايات التأريخية نخبة من أبناء القبائل اليمنية والعراقية والحجازية وغيرها من قبائل الدول الأخرى، وماحركة ((اليماني))، و((الخراساني))، و((الأخيار من أهل العراق))، و((النجباء من أهل مصر))، و((الأبدال من أهل الشام)) إلا ثمار هذا الوجود الإنساني المتنوع الذي يضم بين جوانحه مختلف الإنتماءات العشائرية المنتشرة في مختلف بقاع العالم، والتي من الممكن أن تقف بوجه الجبابرة والطغاة و قوى الإستكبار العالمي وهو مايدعو الأمة العربية والإسلامية الى التكاتف والعمل على توحيد الصف والإنفتاح على العالم وعلى حركات المستضعفين وإسداء النصح للناس للقضاء على الفساد بالشكل الذي يحفظ الدماء ويصون الأعراض والأموال.
محمود الربيعي
https://telegram.me/buratha