حافظ آل بشارة
في ذكرى تأسيس الجيش العراقي أخذ بعض العسكريين القدامى يتذكرون كيف أن البريطانيين هم الذين اسسوه ليحمي حكومة الاقلية المذهبية بقيادة الملك فيصل التي شكلوها بعد ثورة العشرين ويقمع اي تحرك مدني من الاكثرية المحكومة البائسة ، يتذكرون كيف نفخوا الضابط بكر صدقي حتى اصبح طاغوتا صغيرا فشن انقلابه على الحكومة سنة 1936 متجاهلا الملك غازي ومنتقما من رفاقه في القوات المسلحة والحكومة ، وكيف كانت مدفعية رشيد عالي وجيله من الضباط المسيسين تقصف القرى النائية في الجنوب ردا على احتجاجاتها السلمية لتؤسس قاعدة الرصاصة مقابل الكلمة ، يتذكرون كيف ان المؤسسة العسكرية المريضة هي التي نفذت مجزرة الاسرة الملكية فقتلتهم جميعا في حديقة القصر ببغداد صبيحة ثورة تموز 1958بدون علم قائد الثورة وخلافا لقراره ، يتذكرون ان عصابة البعث الصدامي وصلت السلطة بدعم الجيش وضباطه المتحزبين فتحول الى اداة قمع داخلي وغزو ضد الخارج ، وتم اذلال المؤسسة العسكرية في أكبر حملة لتزوير الرتب اسفرت عن تنصيب اميين قادة للجيش في وزارة الدفاع وهيئة الاركان والقيادات الميدانية . هناك منظر لا يغيب عن ذاكرة العراقيين اذ الجنود البائسون بملابسهم الرثة يستجدون في محطات النقل لجمع مبلغ اجرة النقل للوصول الى معسكراتهم . مرض تاريخي اصاب المؤسسة العسكرية العراقية ولم يفارقها وهو السبب في انحرافها وسقوطها بأيدي الحكام وتحولها الى اداة قمع داخلي بدل كونها اداة لدفع الأخطار الخارجية . في التجربة الراهنة ومن أجل تأسيس جيش حديث خال من الامراض يجب أولا منع تسييس وتحزب القوات المسلحة بل تحويل العسكر الى مهنة وطنية جامعة وفوق الميول والاتجاهات وتطبيق الدستور في ادارة القوات المسلحة وتحريكها ، والغاء الاسلوب الوحشي القديم الذي يسود العلاقة بين الجنود والضباط المبني على العبودية والاذلال والتكبر واشاعة الاحقاد والحسد وروح الانتقام والتشجيع على النفاق وغياب قيم الفروسية والشجاعة من الوسط العسكري وهيمنة الفساد بكل اشكاله ، يجب اعطاء الاولوية للتدريب الفكري والاخلاقي ثم التدريب البدني ثم اكتساب الخبرات القتالية الحديثة ، واستخدام التكنلوجيا في بناء منظومة دفاع استراتيجي ، وقد اسهم استخدام التكنلوجيا في الجيوش الحديثة في تقليل عدد المقاتلين واختصار الكم البشري لصالح النوع التكنلوجي المتطور ، وقبل بناء الجيش والشرطة و الأمن الداخلي يجري الاهتمام عادة بتكوين منظومة المعلومات والاستخبارات التي تعتبر المؤسسة الساندة الاكبر لعمل القوات المسلحة وهي التي تضمن منع وقوع الخطر واجهاض التهديدات قبل وقوعها . اثبتت التجربة ان المنهج الوحيد الذي يصنع جيشا يمتاز بقيم الفتوة والانسانية والاخلاق والكفاءة و مواكبة التطور هو الاسلام ، لذا يفترض اسلمة الاعداد العسكري على ايدي مربين معتدلين يصنعون القوات المسلحة اخلاقيا ويحصنونها من جميع انواع الاختراق .
https://telegram.me/buratha