زهراء محمد ويلز ــ بريطانيا
وليستْ حياة المرء إلاّ أمانياإذا هي ضاعت فالحياة على الأثر
الصداقة هذه الخصلة الرهيفة التي انعمها الخالق على بني البشر لنتواصل بيننا إن قربت المسافة أو بعُدت، هي بحق اعمق وأنبل وأسمى العلاقات الانسانية، حلاوتها تحلّي أيام حياتنا، وانقطاعها توحش القلوب. في زيارتي الاخيرة لإنسانة تربطني بها علاقة انسانية سامية، كنت ولا زلت اقاسمها الفرح والالم والمحنة اليوم كما كنا نتشاركها قبل 35سنة... كنت أحب فيها صفاء سريرتها، وفاءها، صدقها، برائتها، كنا سعيدتين بحياتنا وبصداقتنا، ولكن السعادة ونعمة الصداقة تلك حلّ محلها حينها وعلى حين غرة الآلام والشقاء والعذاب.تلك الالام تتجسد اليوم في عينيها الكبيرتين الحزينتين!!..تلك الانسانة هي من الكرد الفيلية وواحدة ممن دمرتهم ماكنة البعث الدموية..ضربتنا ايامها تلك امواجاً عاتية!! نعم عتوها كان أقسى من وحشية هولاكو حين اباح بغداد..أمواج لطمت ضمائر ووجدان العراقيين ورمت بمن رمت منهم في سجون وطوامير مظلمة تحت الارض ولسنين طويلة وغابوا فيها من يومها، كتلك التي غيّب فيها الخليفة العباسي الظالم إمامنا موسى الكاظم (ع) معظم سنين حياته! ورمت بآخرين في مخيمات لاجئين الكثير منهم مازال يعيش فيها الى هذه اللحظة من دون أن يلتفت اليهم أصحاب الضمير وأصحاب الحل والربط!! وآخرون رمت بهم في جهات الارض الاربع في منافي ظاهرها الامان وباطنها العذاب والوحشة وحنين قاتل لا يخبو الى الاحبة الذين قضوا بعيدا ظلما تحت سياط جلادين.. حين بدأت حملات التهجير الشعواء والسجن لكثير من أقاربى والكثير ممن نعرفهم. فخلال فترة سجننا انا وعائلتي قبيل تهجيرنا للمجهول.. ألقي القبض على صديقة عمري(ف) مع أهلها ورميت في دهاليز الامن العامة.. مارسوا كل انواع ((الظلم والنذالة)) بهم بحيث فقدت عقلها ونالها ما لا يرضى الله ولا عباده. سنون مضت، علمت بعدها انها في إحدى المصحات العقلية في منطقه جنوبية معزولة ببلد أوروبي. وكما بينته في حلقة سابقة من قصص لا تنطوي) الكرد الفيلية وكغيرنا عندما ضربتنا تلك الامواج العاتية بلونها الاسود القاتم خطفت من بيننا اخوتنا واحبتنا الى طوامير المجهول!! والذي نجى منا، فقد حطمته وكسرته تلك الامواج ورمته اشلاءً مقطعة على تلك الرمال هنا وهناك...ولكن.. اقسى ما في الامر اننا وفي عهد العراق الديمقراطي الجديد!! حكومتنا (الوطنية الديمقراطية) مع مجرمي الامس القريب وقفوا صفاًواحداً !! ضدنا؟؟!! حين كافأونا نحن بالاهمال وهم بالترحاب لعودتهم الى البرلمان والمشهد السياسي وتحت مختلف المسميات والحجج الواهية ....................عندما اكون في قمة حزني أذهب عادة لزيارة قبر امي هنا، لأشكي لها جور الزمان علينا، أو أرحل لازور صديقة عمري(ف) في مشفاها في أحد البلدان الاوربية حيث رمتها امواج القدر بعيداً.. بعيداً عن الوطن، (ف) هي ما تبقى من عبق الاحبة، حرصت أن أزورها في عطل أعياد الميلاد..حزمت امري وجهزت حقيبتي للسفر لرؤية (ف)، تركت اولادي، اوصيتهم بتعليماتي قبل السفر وكالمعتاد حيث وقفوا امامي وانا اقرأ عليهم مايجب عليهم أن يفعلوه في غيابي؟! طبعا صغيرهم له مكر والذي يقترح ماسيفعلوه في غيابي!! حيث ينتهزوا الفرص للسهر حتى الصباح يقضونها امام ألعاب الكمبيوتر.يعني ليست هناك احكاماً عرفية في غيابي!! لكنني اوصي صديقتي وجارتي ان تراقبهم من بعيد وتطل عليهم بزيارات خاطفة تفقدية للاطمئنان عليهم؟؟ عندما اقرأ عليهم تعليماتي يحركون رؤوسهم إيجاباً نعم ماما، صغيرهم وكيح جدا يبقي صامتا؟! فقلت له لماذا لم تحرك رأسك عندما كنت اعطي التعليمات فقال لانني حافظها عن ظهر قلب؟! مما يجعلني اضحك وهو شيطان يعلم بحزني وتوتري عند السفر وتركهم لفترة كان بذالك يريد حتى اضحك ويزيح الحزن عني..ودعتهم ورحلت هذه المرة الرحلة كانت متعبة جداً حيث الثلوج قد اغلقت معظم الطرق والمطارات في اوروبا، قطعنا نصف الطريق الى المطار، اخبرتنا الشرطة ان الطرق معظمها غير سالكة ومغلقة ويجب العودة بحذر الى البيوت وطبعا الرجوع كان جدا صعب خصوصا في الطرق الجبلية الملتوية التي تغطيها الثلوج والضباب المخيف.. رحلة العودة اخذت منا ساعات طويلة حتى الوصول الى البيت.عند دخولي البيت ابني الصغير كان في انتظاري قال مام علمت انك سوف ترجعين لانني جيكت -النت وكل الرحلات قد ألغيت أو أجلت؟! وانا ارسلت لكي رسالة على الموبايل! فقلت له لم اتنبه لرسالتك ابدا؟؟ وقال فرحت برجوعك! لانكِ نسيت الكارت الذي كتبته أنا لصديقتك واخرى لك اقرئيها وانتِ في الطريق اليها..المهم بعد ايام اتصلوا بي وأخبروني بعودة رحلات الطيران وكانت فرحة لامثيل له حيث بدأت عطلة اعياد الميلاد ورأس السنة والاولاد كلهم عطلة وقلقي يخف قليلاً.. هبطت بنا الطائرة في بلدة قريبة من مصح (ف)، اخذت القطار للمصح والذي هو في احد القصور القديمة والتي عمرها اكثر من 400سنة وسار بنا بين تلك الهضاب والوديان المكسوة بالثلوج، إتشحت الاشجار ببياض ناصع، من بعيد قطعان الايل والغزلان تجاهد في أن تقطع المسافات.. لوحة زيتية يتجلى فيها جمال طبيعي ساحر وقدرة الخالق.. فتحت الكارت وقرات ماكتبته انامل ابني، يقول: ماما تمتعي بوقتك، وكوني لنفسك، واتركي الدنيا ومشاكلها، وتمتعي برحلتك مع الجكليت الذي وضعته لك في حقيبة يدك!!فضحكت وبالفعل كنت بحاجة لها مع قهوتي في القطار؟ ومرت بي خواطر احسست بابني كم هو يعاني من تواصل حزني، حيث ان آثاره تترشح منا من دون ان ننتبه لتعكس وترمي وشاحها بصورة مباشرة أو غير مباشرة على الابناء؟؟تذكرت امي رحمها اللّه، كانت رغم ألمها وحزنها على فقد اخوتي الاربعة كانت لا تبكي امامي غالباً، خوفاً على مشاعري وانهياري، وانما اسمعها وهي تهمهم بصوت حزين ينبعث من غرفتها وأحسها تغالب دموعها بصمت حتى الصباح. كنت انظر من نافذة القطار وهو يقطع بنا المسافات وارى انواعاً من الحيوانات زاهية بالوانها واشكالها الجميلة التي ابدعها أحسن الخالقين.. أخاطب نفسي: لماذا الانسان يختلف عنهم رغم انه تميّز عنها بعقل راجح؟! ويستطيع ان يتحكم به، لكنه في معظم الاحيان يسخره للشّر!! ويشحذ فيه وقدة العنف والاجرام!! وكثيراً ما يستبين كل ذلك من خلال نزعة سلطوية وحشية ودموية، خصوصا ان ارتقى منصباً كما كان يحدث عندنا.تلك الحيوانات بالوانها الجميلة المتنوعة وبهدوئها كقطيع الغزالان والايل وغيرها.. وتلك الذئاب بشراستها والكثير من الحيوانات المفترسة فيها كل تلك الغرائز والتي نعتبرها وحشية ونصفّها بالبربرية لا تظهر وحشيتها إلاّ عندالجوع او عند حماية القطيع والدفاع فقط!عكسنا نحن البشر تسيل في بلداننا دماء الابرياء سوى بالخفاء او بالعلن ومن دون سبب أو تهديد. هذا الانسان المتجبر بمخيلته المريضة يعتقد انه يحق له ان يقطع رقاب الآخرين!! وعراقنا ينسج لنا الكثير من هذه النماذج، فيكفي ان نتذكر الحجاج وامراء الامويين والعباسيين في صفحات تاريخ العراق المنطوية في عمق الزمن، وأما حاضرنا غير البعيد فلا تغيب عنه صورة القائد الضرورة الذي سبى العباد والجماد، وجثم هو وحزبه المقبور كابوساً علينا لأكثر من ثلاثين من السنين، ودوّنت صفحات تاريخه سجلاً فيه أقسى حروب وجرائم الابادة في حق الابرياء والعزّل..عندما اكون وحدي في سفر، تتهيج احزاني طول رحلتي وعند ترك اولادي وحدهم.. وتمر علي ذكريات وحكايات أخوتي رحمهم اللّه.. قصص لا تنطوي من ذاكرتي رغم مرور 30 سنة على فراقهم ألاليم...ألعن صدام واجداه.. لماذا يا ربي كانت فيه كل تلك النزعة الاجرامية الدموية والتي بانت فيه وفي زبانيته القذرين؟! هل إن رب العالمين سبحانه خلقهم من طينة أخرى؟ ولماذا ابتلينا نحن العراقيون بامثالهم على مرّ العصور؟ وكم من شباب وفتية وورود سالت دمائهم!! لا لذنب سوى انهم قالوا(كلا) وهذاما يقوله..احرار وشجعان الارض فقط..ياطواغيت الارض ماذا جنيتم من زهق تلك الارواح الطاهرة؟؟ شهداء العراق اليوم هم في الفردوس يرفلون احياءاً..اما انتم يامجرمي الامس في مزابل التاريخ العفنة بعد ان استلمكم غلاظ جهنم الاشداء؟؟نزلت من القطار وكالعادة يجب ان أخذ المسكنّات لاعالج به صداعي، الجو كان بارداً جداً لايحتمل ابدا خصوصا هذه السنة، حيث هبطت درجات البرودة الى ما تحت الصفر وبكثير؟! وحتى المحطة خلت من المسافرين إلاّ القلة منهم! جالّت الخواطر في ذهني لما سوف اراه هذه المرّة من صديقة عمري وكنت في انتظار السيارة لتنقلني الى المصح، بعد عشرين دقيقة وصلت السيارة وتركتني عند بوابة القصر المغطى بالثلوج، هذا المكان النائي أحيانا منظره يكون رهيباً حين يطبق السكون على المنطقة.. وحتى تلك البحيرة القريبة تجمدت مياهها، قبل دخولي القصر رايت صفاً من الطيور رؤؤسهم منحنية كانهم في حداد وحزن!! دخلت القصر هذه المرة غير كل المرات كانت هناك قطة كبيرة سوداء وكأنها تستقبل الزوار في المدخل. لا احب القطط السوداء ابدا. تكلمت مع المشرفة في غرفة استقبال الزائرين.. وطبعا هكذا زيارات تحجز قبل شهر تقريبا.. وقلت لها حتى الطيور حزينة متراصين بصف كانهم في حداد!! فقالت نعم ليس هذا فقط، وانما فقدنا واحد من طاقمنا هنا في حادث قبل أكثر إسبوع حيث سقط في البحيرة المنجمدة.. في تلك البحيرة سقط انسان واحد!! صحفهم غطت الحادث لمدة اسبوع، وحتى الطيور شاركتهم أحزانهم!! وعندنا مَن منهم يطالبنا بنسيان ما مررنا به من فقد احبتنا ويقولون لنا انسوهم فلقد مرّ عليهم زمن طويل! ولنبدأ صفحة جديدة!كيف نبدأ بصفحة جديدة ومجرمي الامس اليوم عادوا بمشاركة ((وطنية لعينة))؟؟!!يا سيد نوري المالكي.. اهديك يوما واحداً مما نعانيه من فقد الاحبة، وحينها سوف تعلم بطعم المرارة والظلم التي نعيشها منذ سنين واعوام! واعلم انك أب لابناء وانك حتما تعلم بلوعة وانكسار قلب الاب والام بفقد اولادهم.. عشها ليوم واحد فقط!! عندها سوف اسألك هل اقلب صفحة جديدة؟؟(نقولها ولكن والله لا نتمى لك أن يحصل مكروه لك أو لأبنائك.. فذلك ليس من شيمنّا) ولكن مرّت السنين على فراق اخوتي والالوف المؤلفة من شرفاء وشهداء العراق، جروحنا لا تندمل ودموعنا لا تجف؟؟!! هل تعرف السبب ياسيادة رئيس الدولة، لان الظلم باقي، وباقي بقوة الامس واكثر؟ كوفأ الجلادون.. والمظلوم ما زال لم ينصفكيف ننسى احبتنا بعد ان رصوهم صفاً وأمطروهم وابلاً من الرصاص؟ سقطت اجسادهم بصمت كسقوط أوراق الشجر في فصل الخريف!! وتطلبون منا النسيان والصفح عن المجرمين؟؟!!في فقد وفراق الاحبة يتحفنا الجواهري:قدْ يقتلُ الحزنُ مَنْ أحبابهُ بَعُدواعنهُ فكيفَ بمنْ أحبابُهُ فُقِدوا ***وهذه صديقتي التي ازورها، كانت يوما ما زهرة يانعة، وهي احدى ضحايا الطاغية المجرم حيث تفننوا بتعذيبها حتى فقدت عقلها، لا لسبب، سوى لانها رفضت الدخول في حزب البعث في الجامعة حينها؟؟وثانيا..لأن لونها غير لون الطاغية... فهي كردية فيلية مع سبق الاصرار؟؟..نحن خلقنا احراراً وليس عبيداً...اعود الى رحلتي..سرت بين دهاليز وممرات القصر للوصول الى الصالة التي وصفتها لي المشرفة.. والقطة السوداء تلاحقني وانا منزعجة منها خرجت المشرفة المسؤولة عن صديقتي من الصالة وسلّمت علي وتذكرتني من زيارتي السابقة، وقالت آه القطة (كيزمو) تعرف انك غريبة من خارج المصح لذالك تريد مصاحبتك؟؟ فقالت اليوم كلهم في صالة الموسيقى بعد ان تناولوا الغذاء.. وسوف تحضر احد الفرق الموسيقية هنا، وكذالك سوف تلعب والدة إحدى النزيلات على البيانو لابنتها المعوقة.. وسألتها عن صديقتي قالت اليوم هي في تحسن طفيف بعد ان تعرضت الى نكسة حادة حيث كانت ترفض الاكل لكن الان حالتها مستقرة لذالك سوف ترينها ممددة وغير جالسة... دخلت الصالة رأيتها من بعيد؛ فقدت الكثير من الوزن وفقدت القدرة على السير كما أُخبرت! احزنني ذلك كثيرا، حالما وقع نظري عليها، دموعي بدأت تهطل وتهطل وخرجت مسرعة من الصالة حتى اهدأ وأستطيع أن أتمالك نفسي وكي استطيع التكلم معها، هذه المشاعر تعصف بي كأنني التقي بأخي مصطفى، حيث هو رحل، وهذه العزيزة هي أيضا بقيت وكأنها جسد بلا روح!! عندما اراها تتفجر احزاني وابقى فترة طويلة صامتة تعصف في رأسي ذكريات الايام التي كنا نقضيها معا في بغداد..وقفت امامها لبرهة لا استطيع التكلم معها حتى هدأت. جلست جنبها وانا انظر في عينيها الكبيرتين، وأسبر فيهما احزان الدنيا!! فيا ترى هل هي حزينة بسبب فراق الاحبة كما انا؟؟ ام بسبب مرضها؟؟ أم بسبب ما أصابها أيام سجنها في العراق؟؟ بدأت تلك السيدة بعزف المقطوعة وبطبيعة الحال يبتهج المرضى لذالك تتعالى اصواتهم فرحاً، دفعت كرسي صديقتي المتحرك وخرجت بها الى الشرفة الشتوية والتي تطل على الحديقة والغابة المحيطة بالمصح، تكلمت معها ببعض كلمات من لغة البلد، نظرت نحوي فقلت لها باسمة سوف اتكلم معك بلغتي، نظرت نحوي وعندما بدأت بالكلام انفتحت اساريرها قليلاً، وأنشّد جسدها الى الامام قليلاً وقبضت علي يدي بقوة وكأن شيئا ما إستيقظ في ذاكرتها البعيدة!!.. ثم بدات أسرد لها عن حكاياتنا وذكرياتنا القديمة الحلوة وما كنا نعمله سوية ايام الدراسة.. فكانت كانها تفهم مااقوله لها؟؟ حيث اراها تبتسم قليلاً؟! والدمع الرقراق ينسال برفق على خديها، أمسح عنها الدموع وجسدي كله يهتز بعنف وأنا أجاهد بأن لا أفقد نفسي وأحبس دموعي ومشاعري من ان تفلت. وقلت لها اشربي جكليتك الحار وكنت اساعدها في شربها.. يألمني حالها الحزين وماحل بها من ظلم بالامس، كانت تتفجر حيوية وصلابة وتحدي، لكن الطغاة سرقوا منها حياتها وهي في مقتبل العمر.. اليوم لا تستطيع حتى ان تمسك بكوب الشاي الا بمساعدة؟؟!! لعنت صدام ومن انزل بها هذا الظلم!! ونحن على الشرفة المطلة على الحديقة الكبيرة والتي تحيطها الاشجار المعمرة والمغطاة بالثلوج، اسرد لها ألاعيب ابني الصغير فكانت تبتسم.. واتحادث معها، بعد هنيهة أخذت أساريرها تنفرج، إنزاح عن جبينها سحابة حزن ومن على صدرها بعضاً من ظلمات الشقاء والوحدة، وخرج ذهنها من توحده في منفاها هذا. قلت لها هل تريدين التزحلق على الثلج؟ ابتسمت، فقلت للمشرفه هل استطيع ان اخرج بها للثلج قليلاً لانها كانت تحب الثلج كثيرا وكانت متزلجة ماهرة حينها وفي كل سنة كانت تسافر للبلدان الاوروبية لهذا الغرض.. فأجابت المشرفة بالايجاب واضافت وسوف اساعدك أنا بملبسها للخروج، بعد ان البستها الملابس الملائمة والجوراريب السميكة!..كنت احس بسرورها.. رحت أحكي لها بعض النكات؟! ذكرت لها حادثة حدثت في سنين ماضية ضحكت كالطفل، ابكتني ضحكتها، تستطيع ان تشّف بانها في وحدتها تلك قلما إرتسم ابتسامة على شفتيها؟! نزلنا بحذر الى الحديقة المثلجة، وكنت اقص عليها حكايات ابني المضحكة وسردت لها كل اخباري واخبار اخواتي منها اختي التي تصغرني، قبل سنين اجتازت امتحان قيادة السيارة وقالت زهراء هل تريدين ان اريك كيف اقود السيارة فقلت لها خو ماتسويني سندويج!! قالت لا لتخافين فقلت لها طيب بعد ان حزمت حزام الامان ثم قرأت الشهادة، ورددت بعضا من الآيات القرآنية، وقلت زين اذا قتلتينا نحن الاثنين؟ فمن يهتم بأولادنا من بعدنا؟ فقالت بمرح: اختنا الصغرى؟؟!! فقلت لها إذن دعيني اتصل بها وآخذ التعهد منها؟! أختي الصغيرة قالت هل انت مجنونة تركبين السيارة معها؟؟ وماكذبت الخبر نزلت من اعلى شارع مرتفع وهي متجهة نحو بحيرة صغيرة عند نهاية ذلك الطريق، لكن لطف ورحمة اللّه كانت كبيرة بنا؟ فضحكت صديقتي كالاطفال عندما يكونوا في قمة السعادة!! بقينا اكثر من ساعة خارج المبنى ثم ارجعتها الى غرفتها، وقلت لها يجب ان اعود لانه سوف يفوتني القطار وهو الاخير لهذا اليوم.. وإلاّ سأكون ضيفة على الغزلان في الثلج وانتِ لا تقبلي لي ذلك. فأبتسمت، في هذه المرة لاحظتها لاول مرة تمسك باصابعي وفي عينيها توسل تمازج بعبرات، ودموعها تهطل وصدرها تقطعه الزفرات.. عانقتها وبدأت دموعي الساخنة تهطل وودعتها وقلبي يعتصر ألماً.. والمشرفة تربت على كتفها وتكلمها بحنان وتطمأنها بأني سأعود الى زيارتها، أما صديقتي، بحلّقت في وجهي بلهفة وتعابيرها لم تهدأ إلاّ بعدما أومت لهم برأسي وقلت طبعا سوف أزورك!! ولاول مرة سمعتها تنطق بصوت خافت وبالعربية: زين مع السلامة.. إنفجرت بالبكاء وبصوت عالي هذه المرة وحضنتها بشدة، أسمعها تكلمت لاول مرة. جهشنا بالبكاء معاً، هذه المرة أحسست بأياديها وهي تحضنني بشدة ولا ترغب في مفارقتي، بقينا على هذه الحال لدقائق لا يود أحدنا أن يفّل هذا العناق، ربتت المشرفة على ظهر(ف) وكلمتها برفق، قبلّتها وودعّتها.. وانا أخاطب جوارحي يا ترى هل سوف التقيها مرة أخرى ام لا؟؟ وصلت الى صالة الزائرين كي اوقع بيانات الخروج، تصفحت كالمرات السابقة كتاب الزوار، هذه المرّة لم ألحظ اسم الشخص الذي كان يزورها سنوياً في الاعياد.. مما اثار فضولي!! وسألت المشرفة كما في زيارتي السابقة لها: أليس لها زوار؟ أجابت: لا.. ولكن كما تعلمين كان هناك شخص قريب لها يزورها في أعيادكم، وللأسف هو توفي قبل اشهر. احزنني ذلك كثيرا، القدر حرمها حتى من هذا الزائر الوحيد المواظب وزياراته الموسمية وليتركها لوحدتها.أحبتنا رحلوا وتركوا لنا تلك الذكريات الطيبة المؤلمة..!! هناك ذكريات تنمحي مع السنين، كآثار الاقدام على الساحل عندما يمسحها موج البحر.. لكن ذكرياتكم يا أحبتي باقية كعبق قِدّاح شجر بغداد يفوح ابداً في الوجدان قبل الذاكرة....اخذت القطار الى المدينة قبل الغروب ثم الطائرة الى بلدتي حيث كان اولادي بانتظاري واحلى ما قدمه لي ابني الصغير تلك الوردة الحمراء، وحضنني: ماما افتقدناك كثيراً، حينها خفت احزان قلبي قليل.ويضيف الجواهري، وكانه لسان حالي:بَكيتُ حتى بكى مَنْ ليسَ يعرفُنيونُحتُ حتى حكاني طائرٌ غَرِدُكما تَفجَّر عيناً ثرةً حجَرٌقاسٍت فجَّرَ دمعاً قلبيَ الصَّلِدُإنّا الى اللّهِ! قولٌ يَستريحُ بهِويستوي فيهِ مَنْ دانوا ومَنْ جَحَدوا
نعم إنا لله وإنّا إليه راجعون.. ويومها تُنشر الصحف، ويشكوا الى البارّي عزّ وجلّ الملايين من العراقيين ظلمهم.. ويومها لنضجّن إليك بين أهلها ربنا ضجيج الشاكين فانت حسبنا ونعم الوكيل
https://telegram.me/buratha