حميد الشاكر
ظلام الامية الانسانية : - اقرأ .
*********
في المشروع القرآني الاسلامي خطوتان لازالة ومحو الامية البشرية :الاولى : وهي الخطوة الواقعية والطبيعية في ازالة الجهل بالحرف وكيفية قراءته وكتابته لصناعة امة قارئة .الثانية : وهي الخطوة الاكبر التي اعتمدت على رفع الامية في جميع جوانبها الانسانية المتنوعة لصناعة انسان كامل .
ولعلّ المتتبع لخط السير القرآني الاسلامي منذ بواكير ، وبدايات التحرك الرسالي الالهي من جهة ، والتحرك الرسولي الخاتم للعظيم محمد صلى الله عليه واله من جانب آخر ،سيدرك مدى الاهمية التي اولاها الاسلام ككل لموضوعة ازالة ظلامية جهل الامية الكتابية لانسان الاسلام منذ البداية ،ورفع شأن الادوات العلمية الاولية التي تساهم بنقل الانسان من هذه الامية الكتابية الحرفية الى انسان قارئ وكاتب للحرف ومفكر فيه !!.
ونعم كان مشروع ( اقرأ ) هي كلمة الوحي الرسالية الاولى التي افتتح بها الاسلام انطلاقته في عالم الانسان لتوحي بضرورة صناعة انسانها القارئ وصاحب الافق الاوسع من الانسان الامي والمتطلع لمعرفة اشمل واكبرمن حيز المكان المخنوق زمانيا ومكانياعند الانسان الجاهل ولهذا اردف مشروع اقرأ في القرآن الكريم بسورة (القلم) كثاني سورة في التنزيل لتعطي التصور الواضح ان مراد اقرأ ومشروعها ليس فقط هو الاتباع والتقليد للانسان المسلم في استماعه وقراته فحسب ،وانما هو مشروع متكامل وحقيقي وهو اقرائي وكتابي بجميع ادوات القراءةوالكتابة من تعلم الحرف في مبتدأه حتى التمكن من صياغته وكتابته واستخدام القلم فيه كذالك :(( ن والقلم ومايسطرون )) .
أما على المستوى الرسالي البشري فيكفي الادراك ان العظيم محمد رسول الله ص ، ومنذ بداية نهضته الاسلامية والدعوية لم يألوا جهدا في تهيئة الارضية الانسانية لصحابته والمنتمين لاطروحته وعقيدته في مجال مشروع تعلم القراءة والكتابة وخلق الاجواء التي تصنع امة في هذا الاطار من انه ص صاحب مشروع (الحرف بدلا من الحرب) ففي معركة بدرالكبرى سنة ثلاثة من هجرته المباركة للمدينة كان العظيم محمد ص هو اول انسان واخر انسان في هذه البشرية جمعاء الذي طرح فكرة (فداء اسرى الحروب بتعليم العلم) عندما فرض فدية على كل قارئ من اسرى اعدائه الكفار والمشركين ان يعلّموا عشرة من صبية المسلمين للقراءة والكتابة مقابل حريتهم من اسر الحرب وعبودية السجن وذله !!.وبهذا تألق رسول الانسانية العظيم محمد ص عاليا جدا ، ليؤكد لنا انه بالفعل رسول من الله صلى الله عليه واله وانه بالحق صاحب مشروع صناعة الامة القارئة التي تتمكن من حمل عقيدة القرّاء واهل الوعي والادراك والثقافة والتطلع واحترام العلم والحرف والقلم !!.
أما ما يتعلق بالوجهة الاخرى والخطوة الثانية لمشروع الاسلام في محوالامية الانسانية فقد كان محورا مختلفا واستراتيجية عمل اسلاميٍّ مغايرة ونوعيةٍ بهذا الصدد عن الخطوة الاولى !!.بل انها الخطوة التي شكلت روح الاسلام ورسالته للبشرية جمعاء وكيفما كانت حروفها ولغاتهاوانماط تفكيرها ومهما تعددت مشاربها وتقاليدها ، وتنوعت جغرافيتها واماكنها ، وتجالدت ازمانها وتطوراتها !!.انه محور وخطوة ووجهة : معالجة الامية الفكرية والروحية والقانونية والسياسية والحضارية والعلمية والنفسية ...للبشرية جمعاء !!.
ماهذه الامية الفكرية الانسانية التي ابتعث الاسلام ليكون معالجا لمشاكلها العالمية المستمرة قد يتسائل البعض ؟.وكيف لرسالة اسلامية خاتمه استطاعت ان تكون حرفا يزيل هذه الامية وهو يخترق الزمان والمكان البشري ؟.واين العلم والتجريب ، وكذا الفلسفة والعقل ودورها في ازالة هذه الامية البشرية ، حتى لايكون امامنا لازالة هذه الامية غير الاسلام وعقيدته ، او لايكون هناك دواء لهذه الامية الفكرية غير كلمة الاسلام القرآنية فحسب ؟!.
كل هذه اسألة اذا تأملنا قليلا بمشروع اقرأ الاسلامية ، سنكتشف ببساطة ملامح ومعالم مشروع السماء الاسلامي ، الذي جاء ليكون اخرالاديان لهذه البشرية المتعبة وطوق النجاة لمفكريها وعلمائها والباحثين فيها عن الحق والحقيقة من جهة وليكون لنا نحن المؤمنون بهذا الاسلام العظيم بوصلة تحرك ، ودعوة من خلالها ندرك ماهية مشروع الاسلام وكيفية طرحه جوهريا امام انظار العالمين ولماذا نصرّعلى ان الاسلام اخر عقيدة تشكل الفرصة الوحيدة لانسان قرننا الحاضر والمستقبل ان يتشبث بها ليصل الى برّ الامان والسعادة في هذا العالم ومابعده !.
إن الانسان في رؤية الاطروحة الاسلامية كماهو في باقي الرؤى العلمية والفلسفية والقانونية .....الخ هو مخلوق في طبيعته التكوينية والخلقية حاجات ومتطلبات متعددة ومتنوعة ومن الضروري اشباعها ليستطيع هذا الانسان ان يعيش حياته في هذا العالم بتوازن وطمأنينة واستقرار، فكما انه بحاجة الى فكر ورؤية وتصورات لسد حاجته العقلية والذهنية ، كذالك هو بحاجة الى قوانين لتنظيم حياته الاجتماعية ، كذالك هو بحاجة لماديات تسد جوع بطنه الطبيعي ، ولجنس يمارس من خلاله غريزته الحيوانية ولايختلف الامر كثيرا في حاجاته الروحية التي تطلب الايمان كأحد اهم قواعد الروح الانسانية المطمئنة وهكذا في نفس الانسان وحاجتها للاستقرار وعدم القلق والتدهور .... الخ !!.
كل هذه حاجات طبيعية وفكرية وروحية ونفسية وقانونية .... يحتاج الانسان لسد جوعتها وتهدأت صراخ حاجتها في داخله وفي خارجه ايضا ، واذا فرضنا فقدان الروح للايمان (اي ايمان وليس الديني فحسب) فمن الطبيعي لنا الشعور بوضوح بعدم توازن هذه الروح الانسانية التي فقدت اهم عناصر حاجتها الخلقية في هذا العالم ،وعندئذ ليس من المستغرب ان ندرك روحا تُعبر عن فقرها لحاجة وهي تتخبط وتضطرب بشكل ظاهر وكبيروخطير جدا ينعكس لامحالةعلى وجودالانسان ككل في سلوكه وفي انماط تفكيره وفي تطلعاته وتصوراته وتعامله مع الانسان والعالم وغير ذالك !!.هذا الفقر الروحي يسمى أمية !!.أُمية الروح هي فقرها وفقدانها ، وعدم ادراكها لحرف الايمان وقراءته ومعرفته ، وكيفية استقراره داخل الروح وملئه لحاجة هذه الروح الانسانية وافاضت الاطمئنان على داخلها وبعكس هذه الامية الروحية ندرك ماهية الروح العالمةوايجابية ايقاعاتها وتوازن خطواتها ، انها الروح التي اثقلها الايمان بالتوازن ، واشبع حاجاتها بمفرداته المتنوعة ، والهمها اليقين وصنع لها الرؤية والتصور والتطلع والطمأنينة في كل كيانه الانساني !!.
ولا تختلف الرؤية في فقدان الانسان للفكر والتصورات والفلسفة لعقله وذهنه ومادة تأمله في هذه الحياة ،فالانسان الذي يبقى اُميا في مجال الفكر والفلسفة والتصورات ، لايُتوقع منه ان يكون انسانا سويا او متطورا ومواكبا لايقاعات الحياة والمجتمع والكون والاشياء من حوله فكل هذه الاشياء هي بحاجة لعلم الفكروحروف وادوات التصورات وقواعد وانماط الفلسفات ليدرك الانسان من خلالها موقعه الصحيح في هذا العالم ويتخذ على اساسها الموقف الانساني المتوازن والكفوء !!.أما العكس في انسان لايستطيع ممارسة الفكرولا ادراك كيفيةاستخدامه واستعماله بسبب امية هذاالانسان لعلم الفكر والتصور والفلسفة فهو انسان حتما مأسوف على وضعه العقلي والفكري والتصوري والفلسفي لهذا العالم مما ينتج لامحالة اضطراب في شخصية هذا الانسان الفكرية والعقلية التي تفقده حيوية المواقف ودقة المعاملات ونجاحها وحنكتها وذكائها كذالك ، وبدلا من ان يكون انسانا متنورا وعالما فكريا يصبح لاميته مع الاسف انسانا ذيليا في قيادة الاخرين له ، فكريا وفلسفيا وتصوريا على طول خط الحياة ، وبدلا من ان يكون فردا واعيا قادرا على الانتخاب الفكري ومساهما في صناعة القرار واتخاذ المواقف يصبح مصنوعا لمالكي الفكر وعبدا لمقرراتهم ، وربما وقودَ حربٍ لمعاركهم التي لايُدرك من ماهياتها الفكرية والفلسفية اي حرف او معنى على الاطلاق فيضطر لاتباع الاخرين بدلا من مشاركتهم !!.
وهكذا يُقال في الجانب الاوسع من الفردية الانسانية ، عندما يفتقد المجتمع للقانون وحكمه والشعور باهميته ، فلا ينبغي ان يقال ان هذا المجتمع ساذجا وبسيطا ولم يزل يعيش حياة الفطرة وحكم الاعراف الاجتماعية وعدم تمكنه من التطوروالوصول لحكم القانون الاجتماعي العام ، بل يُقال له بانه المجتمع الاميُّ الذي لم يزل بعد غير مدرك لحروف القانون ومعرفة صياغته وكيفية امكانية نقل هذا المجتمع من ظلمة الجهل بالقانون الى نور العلم به ، وباهمية تعلمه وممارسته !!.
اذاً مقصودنا من الامية الفكرية ، او الامية الروحية ، او الامية النفسية وكذا القانونية ....... هو ان يبقى الانسان بعيدا عن امكانية وتمكن قراءة حروف العلم وادواته الاولية التي ترفع من امية الانسان وتمكنه من تركيب العلم ومعرفته ايا كانت هذه الامية وفي اي زاوية من زوايا الانسان المتعددة فلربما على هذا المبنى كان الانسان قارئافكريا وفلسفيا جيدا وعبقريا في بابه إلا انه في جانبه الروحي أُميا ، وفاقدا لعلم ومفاتيح الروح وادواتها الاقرائية والكتابية في الايمان وحاجة الروح لهذا الايمان والعكس صحيح عندما نرى انسانا مملوءا ايمانا وعالما بجميع حروف الروح وقراءاتها وكتاباتها الا انه في الجانب القانوني او الفكري هو لم يزل انسانا اُميا وغير مدرك لحرف من حروف علم الفكر والفلسفة والقانون والصناعة ... وغير ذالك فكل هذا يدخل في اطار معادلة : هل الانسان قارئ بالفعل بشكله المتكامل ؟.ام انه قارئ في جانب من جوانب حياته الانسانية واُميٌّ في الجوانب الاخرى المهمة من كيانه ؟!.
بهذه الرؤية والفكرة والتصور ، لموضوعة الامية الانسانية في جوانبها المتعددة وضرورة الرؤية للانسان القارئ على اساس انه الانسان المتكامل الذي ينبغي ان يكون قارئا بكل جوانب وجوده البشري وليس بجانب دون اخر دخل الاسلام ميدان ازالة الامية من الحياة البشرية بشكلها الكامل والمتكامل ليعلن انه المدرسة الاخيرةالتي وضعت فيها حروف ودروس كل مايحتاجه الانسان في تكامل شخصيته الانسانية ، سواء كانت فكرية فلسفية عقدية او قانونية اجتماعية او روحية او نفسية او علمية او حضارية او غير ذالك من خلال درسها الاول في (( اقرأ )) !!.
إن اختلاف الرؤية العلمية عن الرؤية الاسلامية ،وكذا اختلاف الرؤية الفلسفية او الحضارية عن هذه الرؤية الاسلامية إن تلك الرؤى لاتتمكن وليس بمستطاعها ولا من وظائفها خلق نوع من الانسان يتمتع بمواصفات ، تتمكن الاطروحة الاسلامية من خلقه وصناعته وايجاده في هذه الحياة ، فالمدرسة الحضارية مثلا لايمكنها ان تخلق الا انسانا متحضرا لاغير، وهذا التحضر اذا اردنا تحليله تحليلا علميا ماهوالا اجتماع اقتصادي صناعي لمجتمع الانسانية وغاية مايستطيع تقديمه هوآلات اوامكانيات اجتماعية تمكن الفردمن التعبيرعن طاقته المادية من الابداع فحسب اما ان اخذنا اي انسان من هذا الاجتماع المتحضر لنسأله عن علاقته بالانسان الاخر ورؤيته الفكرية او الروحية عن هذه العلاقة ، فلا يمكن لمثل هذا الانسان ، الذي يعيش في مجتمع متحضر اقتصادي ان يجيب بنوع من المعنوية الانسانية والاخلاقية الاجتماعية ليرتفع بتعريفه لهذه العلاقة بينه وبين الانسان الاخر الا على اساس المنفعة وتقنين القانون لها لاغير !!.والحقيقة اننا ايضا من الجانب الاخرلايمكننا مطالبة الحضارة باكثر من القيام بوظائفها النفعية والاقتصادية والتجارية البينية في المجتمع الذي تتحرك بداخله وتدير شؤون مجتمعه ، لالسبب معقد الا سبب ان التحضر لايمكن له ان يخلق انسانا متكاملا وقارئا في جميع ابعاده الانسانية ، وانما تختصر وظيفتها في صناعة الانسان التجاري !!.
وليس بعيدا القول نفسه في الرؤية العلمية وامكانياتها المتاحة في صناعة الانسان والمجتمع فبالتحليل نحن امام رؤية علمية لاتؤمن الا بكل ماهومادي ومخبري وتجريبي فقط واذاما فكرأحدنا ان ينقل الرؤية العلمية من حيزهاالقانوني الجاف والمتحرك بصلابة وبقانون ومن دون اي شعور ومرونه الى الحيز الاخلاقي او الحيز الفلسفي او الروحي .... ، نكون بذالك قد اسأنا للعلم من جهة واسأنا للانسان من جانب آخر ، فالعلم ورؤيته خلق ليقوم بوظيفة اكتشاف قوانين الكون والحياة والطبيعية من حول الانسان ، والانتفاع من هذه القانونية الثابتة في سبيل تطوير حياة البشر الكونية والطبيعية والاجتماعيةواي تلاعب بهذه الغاية للعلم او بالوظيفة التي وجد من اجلها العلم نكون بذالك قد قتلنا العلم وابداعه من جهة ، ونكون قد دمرنا الانسان كذالك الذي يختلف نمط وجوده وحياته بالسعة عن نمط وحيز تحرك العلم ورؤيته وحيزه في هذا العالم !!.فالانسان على اي حال ليس هو قوانين طبيعية او كونية ميتة فحسب لنأتي بالعلم لينظّر الى كيفية ادارة حياته ويقنن القانون الممتاز لهذه الادارة مع ان الانسان بالفعل يخضع جزء عظيم من وجوده للقوانين العلميةلكن الجزء الاخر من الانسان قوانينه مختلفة تماما عن مادية العلم وجفافه وقسوة وصرامة قوانينه فهنا نحن امام انسان حرّ ، ومختار ومعنوي واخلاقي وشاعر بماحوله من وجود ، ومتفاعل مع حركة هذا الوجود وماينعكس من هذه الحركة على الانسان نفسه ، وهذا المخلوق وقوانينه مختلف تماما عن قوانين العلم وحركتها لاغير !!.إن من الانصاف والاحترام للعلم اذا لم نحمله مالايحتمل من ادارة شؤون الحياة الانسانية المعقدة ، كما انه من الاحترام للعلم اذا لم نخرجه عن حيزه العلمي لننقله الى حيز هو ليس من اختصاص عمله اصلا ،كما انه من الرحمة بالانسان ان لانختصر وجوده المتنوع والواسع لنعتقله في دائرة العلم وقسوة قوانينه فحسب ، ومخطئ تماما من اعتقد ان بالعلم فقط يمكن ادارة حياة الانسان ، ليس لان العلم غير صالح للقيام بوظائفه العلمية المفيدة للانسان ، ولكن لان حيز العلم جزء من حيز حياة الانسان ولكنه عاجز عن تغطية السعة المتنوعة لحياة البشر التي منها اخلاقية ومعنوية وفلسفية وقانونية .... مختلفة تماما عن حروف وادوات العلم وصناعاته !!.
وكذا القانونو ورؤيته والفلسفةوتصوراتهاايضا لايختلف القول فيهماعن القول في الرؤية الحضارية والعلمية بالنسبة للانسان وادارة شأنه المتنوع ،فكل هذه العلوم والرؤى هي صالحة تماما لتشبع حيز من الوجود الانساني لكنها غير قادرة على اشغال وظائف غيرهامن العلوم الانسانية الاخرى فالفلسفة بامكانها اشغال الحيز الفكري والعقلي للانسان بكل طاقاتها المتاحة لتهب للانسان افكارا وتصورات وادراكات غاية في القوة والحكمة والروعة الا انها تموت وتضمر هذه الفلسفة والحكمة الراقية عند نداء القلب البشري وحاجته لحرارة ايمان مختلفة تماما عن حرارة ونداء العقل والفكر الانساني ،وربما اذا اقحمنا الفلسفة في عمل الروح والقلب ودفعناها لتعطينا رؤية لادارة قلب الانسان وروحه فبهذا نكون نحن من جمع نقيضين في حيزواحد لنخلق روح صراع بين ماتفرضه الفلسفة من عقل وادراك ،وبين مايطلبه قلب وروح من خيال ومعنويات واسطوريات ... كمفردات وحروف يفهمها كتاب العقل والروح لكن لايمكن لكتاب الفلسفة والعقل ان يقبل بها او يفهم كيفية قراءتها !.
أما في الرؤية الاسلامية فالموضوع مغايرٌ تماما لما تقدم من علوم واتجاهات ، فالاسلام عقيدة جمعت بين دفتيها كل مايحتاج له الانسان في دوائر حياته المتعددة المادية والمعنوية ، فهي رؤية تناغم روح الانسان وقلبه ، وتلعب على اوتارها وحروفها العميقة ، وفي الاخلاق والمجتمع ، ارتقت الرؤية الاسلامية بالاجتماع ، لتجمع بين التحضّر باعتباره اجتماع تقني واقتصادي لتضيف عليه روح المعنوية والالفة في الاخوة الانسانية ، وهكذا في الفلسفة رحبت الرؤية الاسلامية بالعقل ومداركه ورؤاه وتصوراته ، بنفس الوقت الذي اشبعت من نهم الفلسفة للسؤال والتطلع للمعارف ، وفي العلم دفعت الرؤية الاسلامية انسانها على الانفتاح على قوانين الافاق والانفس وقوانين الكون والسماء والطبيعة ، وقوانين المجتمع والتاريخ مع تنبيه هذه الرؤية لانسانها ان العلم في حيزه متحرك وفي ميدانه عبقري وغير مجارى !!.كل هذا جمعه الاسلام في رسالة وعقيدة موحدة وقدمها للانسان بشكل كتاب مفتوح ومقروء ودعاه للقراءة بكلمة (اقرأ)!.
إن الانسان بحاجة فعلية لازالة اميته الوجودية لرسالة وكتاب ورؤية ...تجمع له هذا الشتات المتفرق من حوله في العالم من اتجاهات لتصهرها في قالب موحد ومنسجم وغير متضارب في الادراكات ، كما انه من الجانب الاخر بحاجة جوّانية وداخلية ونفسية وروحية ، وعقلية للملمت هذا الشتات في داخله ، وترتيب رؤيته الداخلية للكون والعالم والانسان برؤية لاتكون فيها الاتجاهات متضاربة ، كما تصوّر لنا الكثير من الرؤى القاصرة ، والمختنقة من الفلسفات والعلوم والشطحات الانسانية عندما لاتقبل مثلا الرؤية العلمية الرؤية الروحية وتعتبرها خرافات وجهالات عفى عليها الزمن وتجاوز معطياتها الواقعية !!.وهكذا في صراع الفلسفة مع العلم وصراع الحضارة مع الاخلاق وتناقض الاقتصاد مع الاجتماع ،وغير ذالك فكل هذه الظواهر استطاعت الرؤية القرآنية الاسلامية ان تذيب من كل تناقضاتها ، لصياغة رؤية تتصالح فيها الفلسفة مع العلم والاخلاق مع التحضّر والقلب مع الجنس والمجتمع مع الفرد .... الخ ولترفع من ثمة اميتنا في كل جوانب ودوائرانسانيتنا المتعددة لتخلق منّا انسانا متكاملا او في طريقه للتكامل وهو يرى رؤيته وفكرته وفلسفته وعلمه وروحه وقلبه وفرديته واجتماعيته واخلاقه واقتصاده ....كلها في بوتقة واحدة تتحرك بانسجام وتناغم وتعاون وتعارف (( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ))!!.بعكس الانسان الذي لم يقرأ الاسلام ورؤيته ، ولم يتبنى القرآن وكلمته ، ولم يؤمن بوحي السماء ورسالته لينتمي الى جزء رؤية في هذه الحياة ، وليجد نفسه في قلق وصراع وتضارب وتناقض حتمي بين مايؤمن به من جانب وما يجهله ويرفضه ويتناقض معه من جوانب متعدد !!.
https://telegram.me/buratha