المقالات

التعايش السلمي ثورة لتوحيد المجتمعات

1045 15:18:00 2011-01-04

وليد المشرفاوي

امتلكت البشرية خطابها في التعايش السلمي البنّاء عبر مسيرة وجودها.. ولكنّ تلك المسيرة لم تخلُ من حالات تقاطعت مع قيم هذا الخطاب عندما كانت تظهر لغة التشدّد والتطرّف. والأصل في الحياة الإنسانية أن تأخذ بكل ما يدعِّم العلائق الإيجابية ويمنحها فرص الهدوء والاستقرار.. وهذا ما أكدت عليه الديانات والشرائع والقوانين، إذ نقرأ في النص المقدس"وخلقناكم قبائل و شعوبا لتعارفوا".. وفي مجال لغة التفاعل والتخاطب جاءت الآية الكريمة لتقول: "وجادلهم بالتي هي أحسن".. وها نحن نجابه اليوم عواصف التشدّد والتطرف تحيط بمسيرة العلاقات بين شعوبنا.. حيث تمارس العناصر القليلة والمجموعات الصغيرة الضيقة أفعالها, مستغلة قوانين الحريات العامة وإتاحة الفرص واسعة للتعبير لكي تدلي بخطابات تقع بين التشنج وعدم فهم الآخر وبين التحريض على الكراهية والعنصرية والدعوة لوقف الحوارات الوليدة للـّقاء والتفاعل الإيجابيين بين الثقافات البشرية المتعددة المتنوعة...تعتبر مفردة التعايش من المفردات المهمة لتواجد الأفراد في داخل المجتمعات بل هي المفردة الأسمى لتواجد بني الإنسان ضمن دائرة الإنسانية الواحدة القادرة على البناء الإنساني المتضامن. إن مفردة التعايش بما تحمل من معان هي بحد ذاتها ثورة لتوحيد المجتمعات... ثورة على الذات الرافضة للآخر , ثورة على الآخر الرافض للذات الإنسانية وهنا مصطلح الثورة نقصد به التحرك السريع لتوحيد المجتمع ضمن مفردة التعايش السلمي ولكن وكما هو معروف لدى المفكرين والمثقفين فان مفردة الثورة بحاجة إلى التحرك المتضامن مع التنظير فالتنظير يسبق هذه الثورة لضم أبناء المجتمع ضمن البناء الواحد وان مفردة التعايش لا تخص مجتمعا دون مجتمع آخر بل هي لكل المجتمعات والإنسان بطبيعته يكون متعايشا مع الآخرين ضمن مناهج الحوار...واليوم نحن في العراق نحتاج هذه المفردة وتطبيقاتها أكثر من أي وقت مضى حيث إن بلادنا فيها من الطوائف والاثنيات والعرقيات الشيء الكثير فإذا لم يكن هناك تعايش سلمي بين كل هذه الفسيفساء الجميلة في العراق فلن نضمن استقرارا مرتكزا في هذا البلد ومبنيا على معاني الصدق والإخلاص لأبنائه فالعراق متوزع وتكمن جمالياته في أطيافه المتعددة من سنة وشيعة وكرد وتركمان وصابئة وشبك وايزيديين ومسيح وغيرهم والعراق منذ الأزل بني على كل هذه الشرائح المهمة القادرة على بنائه من جديد بعد عصف الدكتاتوريات المتعاقبة والإرهاب الحالي.والتعايش قد يتعرض للانتهاك عندما تنعدم شروطه وتغفل مكوناته في المساواة والعدالة بالحقوق والواجبات لحد انعدام الثقة في قبول العيش مع الآخر,وفي علم السياسة والاجتماع يعني التعايش وجود نواة مشتركة لفئات متناقضة في محيط معين تقبل آراء بعضها البعض وتهضم الخلاف والاختلافات بين الآخر بعيدا عن مبدأ( ألتسقيط والتهميش-التسلط والأحادية والقهر والعنف من خلال الالتزام بمبدأ الاحترام المتبادل لحرية الرأي وطرق تفكيره وسلوكه,إن مفهوم التعايش في تطبيقه المتواضع يحسم أمور كثيرة من عقبات ومخلفات فكرية واجتماعية التي يمسك بها بعض المتزمتين بالطائفية والمذهبية والعنصرية وغيرها من الأمور المفتعلة التي تثير وتأجج الصراع.فالمسلم السني الذي لا يستطيع العيش مع المسلم الشيعي , فانه لن يتمكن أيضا من العيش المشترك مع نظرائه في الانتماء المذهبي والعكس,ولهذا نرى مفهوم التعايش السلمي مفهوما حضاريا , لا يؤسس للعلاقة بين التنوعات السياسية والثقافية في داخل المجتمع , فحسب,بل يؤسس للعلاقة السلمية في داخل الإطار الواحد أيضا, ومن اجل بناء السلم الأهلي والاجتماعي بشكل صحيح , ندعو لإعادة النظر في مفهوم الوحدة , ونفي الخصوصيات , كما ندعو لإعادة النظر في مفهوم العدو ومتواليا ته من التناحر والتقاتل والعداء المفتوح , حيث إننا بحاجة ان نحدد(من نحن ) و (من هم أعداؤنا) ,وذلك حتى يتسنى لنا صياغة ذاتنا الوطنية وتحديد أولوياتها ومشروعات عملها, فالآخر الذي قد نحسبه عدوا لأول وهلة , لو اقتربنا منه لربما علمنا انه صديق يشترك معنا في أكثر خصوصياتنا, لذا ينبغي ان ننظر لموضوع الحوار على أساس انه ممارسة إستراتيجية دائمة , لا عملا تكتيكيا مرحليا , فجميل أن نعرف من (نحن) , لنعرف من هو (الآخر) , فمن نظنه الآخر قد نكتشف انه يدخل في قائمة (نحن) , إن تحاورنا معه بالتي هي أحسن ! ويكفي أن نجلس مع الآخر ونتحاور معه ,ليتعرف كل منا على التصورات الصحيحة تجاه بعضنا البعض , فالله-عز وجل-خلقنا شعوبا وقبائل لنتعارف , لا لنتقاطع , ولا لكي يحمل كل منا الضغينة والحقد تجاه إخوته في الإنسانية , وأتصور إننا لن نعرف أنفسنا جيدا إن لم نتحاور مع الآخر,فالأصل في علائق الشعوب والمجموعات الدينية يكمن في التعاضد والتعاون والتعايش السلمي وكل ما يشذ عن ذلك تعالجه البشرية بالحكمة وبما لا يعرض تلك العلاقات للهزات أو التخريب أو حتى الفتور..فلا يمكن لما يشذ عن القاعدة الأصل أن يلغي الصواب في العلاقات أو يعطل الحكمة في إدارتها الأمور.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك