المقالات

قبل وبعد أزمة النص /

775 17:06:00 2011-01-01

حافظ آل بشارة

قبل وبعد أزمة النص / حافظ آل بشارةيواصل الكثير من النقاد مراقبة الادب الكلاسيكي وهو يحتضر ليسجلوا انتهاء عصره وليحتل منبره ادب جديد شكلا ومضمونا في موجة متصاعدة ، لم يعد هناك مضمون بالمعنى المعروف ، الشكل التأويلي يستحضر مضامين عديدة ، اكثر من مضمون في قراءة نسبية متوقفة على تداعيات الشكل وتجلياته ، اسلوب الحياة الجديد منذ سبعينيات القرن الماضي جلب معه اشكاله الابداعية ، كان الادباء يكتبون لاجل تذوق لذة البوح في اطار منظومة قيم واضحة وبسيطة مؤلفة من يقينيات ومسلمات ، والناس يقرأون تلبية للحس الجمالي وبحثا عن لذة المعرفة ، تغيرت ظروف ومعاناة ورؤية كل من المنتج للنص ومن يتلقاه فلم يعد منتج النص معبرا عن رؤية ، بل عن انطباعات نسبية يتخللها الكثير من الابهام بسبب عجز اللغة عن التعامل مع الانطباعات ، فيتحول النص الى هذيان لكن سحر الادب المسبق يجبر المتلقي على تذوقه فيجد فيه فرصة للتخلص من القيود التعبيرية فينشط التخيل غير المنضبط فتتحول طلاسم النص الى مفاتيح لاشراك القارئ نفسه في لعبة تشكيل المعنى ، فيكون القارئ مؤلفا ثانيا وتتحول المعاني الى رموز هلامية نسبية لا تنطوي على شيء محدد ، وهذا تحول مهم ومدهش ومخيف في وظيفة الادب ، حيث فقد قيمته التربوية واسهم في تعميق الواقع الذاتي ، فاختفت سلطة النص ، ومن يعيش هذا الجنون لا يستطيع العودة الى لغة المنطق ، كان الدين عبر العصور منتجا للقيم ، وفي العالم الاسلامي غالبا مايعيد الادب صياغة القيم الدينية ، نحن في عصر يشهد تيارات فكرية متمردة تتولى تغذية الالحاد والتنظير للانغماس في الملذات الحسية التي تقود الناس تدريجيا الى البهيمية المنفلتة وفي ظل هذا التحول تنشا حضارة اللذة الحسية برؤيتها ومنتجها المادي والمعنوي ، الحلقة الاهم في هذا التحول سقوط رمزية المرأة - الانثى وابتذالها ، بينما كانت تتسامى فتتحول الى شأن مقدس ، عصر الجنس اسقط الرومانسية ليحولها الى حس غرائزي محدود ، كما اختفت قيم الفروسية ، لمعان السيف ، الشجاعة والجراح النازفة وروح الاقتحام ومواجهة الموت صبرا ، هذه قيم خلاقة صنعت ادبها شعرا ونثرا ، لكن عندما تتحول الحرب الى طائرات تقصف عن بعد وصواريخ يتم تحريكها عبر الشاشة وقنابل ابادة تترك الناس نياما ، يتغير كل شيء ... الجنس يشطب الحب ، والتكنلوجيا تشطب الفروسية ، والانطباعات المطلسمة تلغي الافكار المنطقية ، فيظهر النص الانطباعي المنتج للهذيان ليتحول المتلقي الى شريك لمنتج النص ، فيكون النص بلا رسالة بل هو تجسيد للعبثية ، وتتوثق العلاقة بين تيار الالحاد وادب الهذيان ، اخلاقيا يستعد العبد لينصب نفسه سيدا والمخلوق ينازع الخالق سلطانه مستغلا حلمه ، هذا الانقلاب له آدابه ، اذ تتحول الحكمة الى هذيان ويصبح القارئ مؤلفا . الأزمة في اصلها أزمة دينية ، انقلاب الموازين ومخالفة نواميس الوجود الخالدة ، في التاريخ تجارب قديمة مماثلة لم يتوقف اثرها عند الانحراف الثقافي بل استدعت التاديب الالهي الذي يعني الفناء .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك