المقالات

قبل وبعد أزمة النص /


حافظ آل بشارة

قبل وبعد أزمة النص / حافظ آل بشارةيواصل الكثير من النقاد مراقبة الادب الكلاسيكي وهو يحتضر ليسجلوا انتهاء عصره وليحتل منبره ادب جديد شكلا ومضمونا في موجة متصاعدة ، لم يعد هناك مضمون بالمعنى المعروف ، الشكل التأويلي يستحضر مضامين عديدة ، اكثر من مضمون في قراءة نسبية متوقفة على تداعيات الشكل وتجلياته ، اسلوب الحياة الجديد منذ سبعينيات القرن الماضي جلب معه اشكاله الابداعية ، كان الادباء يكتبون لاجل تذوق لذة البوح في اطار منظومة قيم واضحة وبسيطة مؤلفة من يقينيات ومسلمات ، والناس يقرأون تلبية للحس الجمالي وبحثا عن لذة المعرفة ، تغيرت ظروف ومعاناة ورؤية كل من المنتج للنص ومن يتلقاه فلم يعد منتج النص معبرا عن رؤية ، بل عن انطباعات نسبية يتخللها الكثير من الابهام بسبب عجز اللغة عن التعامل مع الانطباعات ، فيتحول النص الى هذيان لكن سحر الادب المسبق يجبر المتلقي على تذوقه فيجد فيه فرصة للتخلص من القيود التعبيرية فينشط التخيل غير المنضبط فتتحول طلاسم النص الى مفاتيح لاشراك القارئ نفسه في لعبة تشكيل المعنى ، فيكون القارئ مؤلفا ثانيا وتتحول المعاني الى رموز هلامية نسبية لا تنطوي على شيء محدد ، وهذا تحول مهم ومدهش ومخيف في وظيفة الادب ، حيث فقد قيمته التربوية واسهم في تعميق الواقع الذاتي ، فاختفت سلطة النص ، ومن يعيش هذا الجنون لا يستطيع العودة الى لغة المنطق ، كان الدين عبر العصور منتجا للقيم ، وفي العالم الاسلامي غالبا مايعيد الادب صياغة القيم الدينية ، نحن في عصر يشهد تيارات فكرية متمردة تتولى تغذية الالحاد والتنظير للانغماس في الملذات الحسية التي تقود الناس تدريجيا الى البهيمية المنفلتة وفي ظل هذا التحول تنشا حضارة اللذة الحسية برؤيتها ومنتجها المادي والمعنوي ، الحلقة الاهم في هذا التحول سقوط رمزية المرأة - الانثى وابتذالها ، بينما كانت تتسامى فتتحول الى شأن مقدس ، عصر الجنس اسقط الرومانسية ليحولها الى حس غرائزي محدود ، كما اختفت قيم الفروسية ، لمعان السيف ، الشجاعة والجراح النازفة وروح الاقتحام ومواجهة الموت صبرا ، هذه قيم خلاقة صنعت ادبها شعرا ونثرا ، لكن عندما تتحول الحرب الى طائرات تقصف عن بعد وصواريخ يتم تحريكها عبر الشاشة وقنابل ابادة تترك الناس نياما ، يتغير كل شيء ... الجنس يشطب الحب ، والتكنلوجيا تشطب الفروسية ، والانطباعات المطلسمة تلغي الافكار المنطقية ، فيظهر النص الانطباعي المنتج للهذيان ليتحول المتلقي الى شريك لمنتج النص ، فيكون النص بلا رسالة بل هو تجسيد للعبثية ، وتتوثق العلاقة بين تيار الالحاد وادب الهذيان ، اخلاقيا يستعد العبد لينصب نفسه سيدا والمخلوق ينازع الخالق سلطانه مستغلا حلمه ، هذا الانقلاب له آدابه ، اذ تتحول الحكمة الى هذيان ويصبح القارئ مؤلفا . الأزمة في اصلها أزمة دينية ، انقلاب الموازين ومخالفة نواميس الوجود الخالدة ، في التاريخ تجارب قديمة مماثلة لم يتوقف اثرها عند الانحراف الثقافي بل استدعت التاديب الالهي الذي يعني الفناء .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك