المقالات

ما حدث في قصر الطاغية ؟

1368 14:31:00 2010-12-15

مصطفى الهادي

وصل ركب أسرى آل رسول الله (ص) إلى الشام ، ودخلوا مدينة دمشق عاصمة الخلافة الإسلامية ، ومقر خليفة المسلمين ، ثم أدخلوهم من باب يقال له : باب توما ، ثم أتي بهم حتى وقفوا على درج باب المسجد حيث يقام عادة السبي وإذا شيخ قد أقبل حتى دنا منهم وقال : الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم وأراح الرجال سطوتكم وأمكن أمير المؤمنين منكم ! فقال له علي بن الحسين : يا شيخ هل قرأت القرآن ؟ فقال : نعم قد قرأته ، قال : فعرفت هذه الآية (( قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى )) قال الشيخ : قد قرأت ذلك ، قال علي بن الحسين رضي الله عنه : فنحن القربى يا شيخ قال : فهل قرأت في سورة بني إسرائيل (( وآت ذا القربى حقه )) قال الشيخ : قد قرأت ذلك ، فقال علي رضي الله عنه : نحن القربى يا شيخ ، ولكن هل قرأت هذه الآية (( واعلموا أنما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى )) قال الشيخ : قد قرأت ذلك ، قال علي : فنحن ذو القربى يا شيخ ولكن هل قرأت هذه الآية (( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )) قال الشيخ : قد قرأت ذلك ، قال علي : فنحن أهل البيت الذين خصّصنا بآية التطهير . قال ك فبقى الشيخ ساعة ساكتا نادما على ما تكلمه ثم رفع رأسه إلى السماء ، وقال : اللهم إني تائب إليك مما تكلمته ومن بغض هؤلاء القوم ، اللهم أني أبرأ إليك من عدو محمد وآل محمد من الجن والأنس . ثم جلس يزيد بن معاوية ودعا أشراف أهل الشام فأجلسهم حوله ثم دعا بعلي بن الحسين وصبيان الحسين ونساءه فادخلوا عليه والناس ينظرون . وكان الصبيان والصبيات من بنات رسول الله كانوا موثقين في الحبال . ثم التفت علي بن الحسين إلى يزيد بن معاوية ، فقال له : يا يزيد ما ظنك برسول الله لو رآني في غل ؟ فقال يزيد لمن حوله : حلّوه . وكان حبر من أحبار اليهود جالسا في مجلس يزيد ، فسأل يزيد عن هذا الغلام الأسير ممن هو ؟ فقال : هذا ، صاحب الرأس أبوه .قال الحبر : ومن هو صاحب الرأس يا أمير المؤمنين ؟ قال : الحسين بن علي ابن أبي طالب ، قال : فمن أمه ؟ قال : فاطمة بنت محمد (ص) .فقال الحبر : يا سبحان الله هذا ابن نبيكم قتلتموه في هذه السرعة بئس ما خلّفتموه في ذريته والله لو خلّف فينا موسى بن عمران سبطا من صلبه لكنّا نعبده من دون الله وأنتم إنما فارقكم نبيكم بالأمس فوثبتم على ابن نبيكم فقتلتموه سوءة لكم من أمة ! قال . فأمر يزيد بكرّ في حلقة ، فقال الحبر : إن شئتم فاضربوني أو فاقتلوني أو قرّروني ، فأنى أجد في التوراة أنه من قتل ذرية نبي لا يزال مغلوبا أبدا ما بقي ، فإذا ما يصليه الله نار جهنم . فتوح ابن أعثم ج 5 ، ص 246 .ـ وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه من أن اليهود والنصارى كانوا يملئون ديوان يزيد بن معاوية ـ ولربما علم هذا اليهودي من توراته بأن سبط النبي سيُقتل بجانب نهر الفرات ، إضافة إلى تأكيد النبي من أن في التوراة نصا يذكر قتل الحسين (ع) ، وقد أكد كعب الأحبار وغيره من اليهود نبأ مقتل الحسين (ع) مؤكدين بأن وصفه موجود في التوراة التي لديهم ، وقد وجدنا إشارة وردة في التوراة بأن هناك قتيلا سيسقط بالقرب من نهر الفرات ، كتبها الكاهن الأكبر (( إرميا بن حلقيا )) وكانت على شكل نبوءات والنص هو : (( في الشمال بجانب نهر الفرات عثروا وسقطوا ... لأن للسيد رب الجنود ذبيحة في أرض الشمال عند نهر الفرات )) . إرميا 46 : 6 ـ 10 . والذبيحة هو المذبوح في أرض كربلاء .وليس هذا الحبر الوحيد الذي ذكر قضية الإمام الحسين مستندا إلى التوراة ، بل سبقه الكثير من الأحبار الذين يفهمون من رموز توراتهم الكثير من التنبؤات ، ومن ذلك ما ذكره ابن سعد في طبقاته عن رأس الجالوت عن أبيه قال : ما مررت بكربلاء ، إلا وأنا اركض دابتي حتى أخلف المكان ، قال : قلت : لم ؟ قال : كنا نتحدث أن ولد نبي مقتول في ذلك المكان وكنت أخاف أن أكون أنا ، فلما قُتل الحسين قلنا : هذا الذي كنا نتحدث ، وكنت بعد ذلك إذا مررت بذلك المكان أسير ولا أركض .فالتوراة تُشير إلى أن هذا المذبوح يقع على شاطئ الفرات ، ورأس الجالوت يروي بأنهم كانوا يروون بأن ولد نبي يُقتل في هذا المكان من شاطئ الفرات . وروى ابن كثير الدمشقي قال : مرّ علي (ع) على كعب فقال : يُقتل من ولد هذا رجل في عصابة لا يجف عرق خيولهم حتى يردوا على محمد (ص) الحوض ، فمر الحسن (ع) فقالوا : هذا ؟ قال : لا ، فمرّ الحسين (ع) فقالوا : هذا ؟ قال : نعم .روى هذا الحديث : ابن كثير وطبقات ابن سعد ، وتاريخ بن عساكر ، وتاريخ الإسلام للذهبي وغيرهم من المؤرخين .وقد اتضح كفر يزيد علنا أمام الخاص والعام خصوصا عندما ، جيء له برأس الحسين (ع) حيث أخذ يتمثل بأبيات ابن الزبعري : ليس أشياخي ببدر شهــدوا ــــــــــــــــــ وقعة الخــزرج من وقــع الأسل قد قتلنا القرن من ساداتهم ـــــــــــــــــ وعدلـــنا مــيل بــــدر فاعــــتدل ثم زاد على هذه الأبيات : لعبت هاشــم بالملك فــــلا ـــــــــــــــــــ خبر جـــــــاء ولا وحـــي نــزل لست من خندف إن لم انتقم ـــــــــــــــــ من بني أحمــد مــا كان فــــــعل لقد كان الحسين حتى في مماته آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر ، ولولا مقتله لما تم فضح الطغمة الأموية وفضح ألاعيبها ، حتى أن أهل الشام كانوا فرحين بالسبي الوارد عليهم ، ضنا منهم أنهم من أعداء الدولة الإسلامية ، أو من ا لخوارج ، ولكن رأس الحسين حين دخوله الشام مع السبايا ، بدأت فضائح البيت الأموي تترا حتى خشي يزيد من الفتنة .وقد كانت عوامل الخوف عند يزيد تزداد يوما بعد يوم وذلك أن يزيد بدأ يرى أن أهل الشام بدءوا يعلمون حقيقة هؤلاء الأسرى ، ومن ذلك : أن أحد الشاميين قال لأصحابه وهو في مجلس يزيد بن معاوية : أن هؤلاء الأسرى ليسوا من سبايا الروم أو الديلم وأن سيمائهم ليس سيماء أناس عاديين ، فأنا الآن أكشف لكم حقيقة هذا السبي إن كانوا من المسلمين أو من غيرهم : فقام هذا لرجل إلى يزيد وقال له : يا أمير المؤمنين هب لي هذه أتخذها أمة ! وأشار إلى فاطمة بنت الحسين (ع) ، فقالت له زينب : كذبت والله ولؤمت ، ما ذلك لك وله فغضب يزيد فقال : كذبت والله أن ذلك في ولو شئت أن أفعله لفعلت .قالت : كلا والله ما جعل الله ذلك لك إلا أن تخرج من ملتنا ، وتدين بغير ديننا ، فغضب يزيد واستطار ثم قال : إيّاي تستقبلين بهذا إنما خرج من الدين أبوك وأخوك ، فقالت زينب : بدين الله ودين أبي ودين أخي وجدّي اهتديت أنت وأبوك وجدك .قال : كذبت يا عدوة الله قالت : أنت أمير مسلّط تشتم ظالما وتقهر بسلطانك ، فسكت يزيد وكأنه استحيى ، فعاد الشامي إلى قوله : فقال : يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية ، قال : أعزب وهب الله لك حتفا قاضيا .فعلم أهل الشام حقيقة هؤلاء السبايا من خلال رد زينب على يزيد ، ومن خلال سؤال أهل الشام لهم .عن جعفر بن محمد عن أبيه ( عليهما السلام ) قال : لّما قدم على يزيد بذراري الحسين (عليه السلام ) اُدخل بهن نهارا مكشفات وجوههم 0 فقال أهل الشام الجفاة : ما رأينا سبيا أحسن من هؤلاء ، فمن أنتم ؟ فقالت سكينة بنت الحسين : نحن سبايا آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) .البحار ، ج 45 ص 169 .وكان ركب السبايا يوضح للناس وأينما توجه حقيقة الظلم الذي أصابهم من طغمة آل أبي سفيان ، وكان الإمام علي بن الحسين (ع) يعلم أن أهل الشام يجهلون حقيقة هذا السبي فكان (ع) يبين للناس ما جهلوه .ومن ذلك أن شيخا دنا من ركب السبايا وهم على باب المسجد ، وقال : الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم وأراح الرجال سطوتكم وأمكن أمير المؤمنين منكم ! فقال له علي بن الحسين : يا شيخ هل قرأت القرآن ؟ فقال : نعم قد قرأته ، قال : فعرفت هذه الآية (( قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى )) قال الشيخ : قد قرأت ذلك ، قال علي بن الحسين رضي الله عنه : فنحن القربى يا شيخ ...الخ حيث أوردنا هذه الرواية فيما مضى من البحث .وقد كان لخطبة الإمام زين العابدين علي بن الحسين في الشام وقع كبير على قلوب الشاميين ، حيث بين الإمام الحقيقة التي خفيت عليهم وعلى أثر ذلك قرر يزيد إرجاع السبايا إلى المدينة تخلصا من انقلاب الرأي عليه .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك