المقالات

تعلموا من الحسين(ع) كيف تموتوا في مملكة الجلادين

1141 13:51:00 2010-12-02

وليد المشرفاوي

بعدما حاول الأمويون إخماد النور المحمدي , سطع نور في الظلام ومن بين ركام الإسلام المتداعي وأضاءت للملأ ملامح أمل جديد في دياجي ذلك الظلام المطبق مبدأ للعالم إنسان يخط على التراب بدمه, انه الحسين بن علي بن أبي طالب وفاطمة بنت محمد سبط ذلك الرسول (عليهم صلوات الله) الذي هاجر من مكة ليثرب قبل ستين عاما لأجل رسالته وإنقاذها من الشرك والوثنية ومرة ثانية وفي ظروف لعلها أسوأ على الإنسانية والرسالة من الظروف التي خرج فيها جده من قبل لإنقاذ البشرية مما كانت تعانيه من تعسف وجور واستغلال خرج من بيت محمد وعلي البيت الذي وسع التاريخ كله فكان اكبر منه خرج غاضبا مصمما على الموت كان في صدره إعصارا هو في طريقه إلى الانطلاق ,خرج لأجل الرسالة التي هاجر لأجلها جده الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله) من قبل يتلفت من حوله وحيدا اعزل يرى الرسالة وآمال الفقراء والمستضعفين التي جاهد من اجلها جده العظيم تساق إلى قصر الخضراء في دمشق لا يملك سلاحا غير الشهادة التي يراها زينة للرجال كما تكون القلادة زينة للفتاة وهاجر للحصول عليها على هدى وبصيرة وشبحها ماثل نصب عينيه يتطلع غالى تربة كربلاء مع ركبه بصبر وصمود وهو يقول:(( خط الموت على ولد ادم مخط القلادة على جيد الفتاة أفلا ترون إلى الحق لا يعمل به والى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا)).لقد هاجر من مدينة جده إلى مكة ومنها إلى العراق بعد أن رأى رسالة الإسلام تتعرض للانهيار ومصير الإنسان يوم ذاك أسوء من مصير إنسان الجاهلية نافضا يديه من الحياة لا يملك في مقابل عدوه سوى سلاح الشهادة وفي كل مرحلة كان يقطعها وهو يحث السير إليها كان يشير إلى أنصاره الذين رافقوه في تلك الرحلة بالهدف السامي الذي هم عليه والى أهل بيته الذين هم كل ما يملكه من الحياة إلى هؤلاء جميعا كان يشير ويكشف لهم عن معاني الشهادة وأهدافها ومعطياتها ويشهد العالم بأسره بأنه قد أدى للإنسانية كل ما يقدر عليه, وقد خيرهم بين البقاء والثبات معه أو اتخاذ الليل جملا وهم في حل من بيعته.لقد كان سيد الشهداء يدرك ويعي أهمية الرسالة الملقاة على عاتقه ويعلم بأن التاريخ ينتظر شهادته وإنها ستكون ضمانا لحياة امة وأساسا لبناء عقيدة وهتكا لأقنعة الخداع والظلم والقسوة وأداة لترسيخ القيم وغرزها في الأذهان وإنقاذا لرسالة الله من بين أيدي الشياطين والجلادين , وهذا هو الذي كان يعنيه بقوله لأخيه محمد بن الحنفية وهو يلح عليه ويتململ بين يديه باكيا حزينا ليرجع إلى حرم جده :( لقد شاء الله أن يراني قتيلا وشاء أن يرى حرمي وعيالي سبايا).لقد أعطى الحسين للعالم كله بشهادته دروسا مليئة بالحياة غنية بالقيم وروعة الجمال وأصبح هو ومن معه من طفله الرضيع إلى إخوته وأنصاره القدوة الغنية بمعطياتها للعالم في كل زمان ومكان يعلمون الإبطال كيف يموتون في مملكة الجلادين الذين ذهبت ضحية سيوفهم آمال أجيال من الشباب وتلوت تحت سياطهم جنوب النساء وأبادوا وأجاعوا واستعبدوا رجالا ونساء ومؤذنين ومعلمين ومحدثين.لقد ترك الحسين وإخوته وأصحابه دروسا سخية بالعطاء والقيم مليئة بالعبر والأهداف السامية التي تثير العقول وتبعث في النفوس والقلوب قوة الإيمان بالمثل العليا والمبادئ السامية التي دعا إليها وضحى بكل ما يملك من اجلها ولا تزال الأجيال تستلهم منها كل معاني الخير والنبل والفضيلة وسيبقى الحسين وأنصاره مثلا كريما لكل ثائر على الظلم والجور والطغيان إلى حيث يشاء الله.إن ثورة الإمام الحسين ليست دراما إلهية كما يحلوا لبعض الفنانين الذين يعشقون الحسين (ع) إطلاقها على تلك الثورة الغنية بالقيم السامية والروح الثورية العالية ولم تكن ثورة تقليدية كما يسميها ثوار الفنادق , بل ثورة الإمام الحسين كانت وسيلة لتحقيق هدف أنساني شريف وأخلاقي لا يعترض عليه إلا من لا يعرف قيمة الإنسان , إن أنصار الثورة الحسينية ذوو عطاء بلا حدود وعزيمة لا تعرف الملل أو الكلل , وهذا واضح على مر الزمان فكلما حشد أحفاد بني أمية إعلامهم للنيل من أتباع الحسين ازدادوا إصرارا على مواصلة دربه والتمسك بالأهداف التي جاد في سبيلها الإمام الحسين (ع) ,لقد عبا المنهج الحسيني جماهير الأمة للوقوف بوجه الطواغيت واقتلاع حقوقهم من براثن ومخالب أولئك الظالمين.لقد هاجر الحسين(ع) من مدينة جده إلى ارض الشهادة والخلود(كربلاء المقدسة) ليقدم دمه الزكي ودماء إخوته وأنصاره الخالدين ثمنا لإحياء شريعة جده الرسول الأعظم (ص) وإنقاذها من مخالب الكفر والانحراف , ولكي يضع حدا لسياسة البطش والتنكيل وإراقة الدماء وليعلن بصوته المدوي الذي لا يزال صداه يقض مضاجع الظالمين إن الإسلام فوق ميول الحاكمين وان المثل والقيم فوق مستوى مطامعهم الرخيصة وان الحرية والكرامة من حقوق الإنسان في حياته ولا سلطان للحكام والطغاة عليها.اجل إن رسالة الحسين(ع) كانت ولا تزال امتدادا لرسالة جده وجهاده امتدادا لجهاد جده وأبيه أمير المؤمنين بطل الإسلام الخالد الذي تم الإسلام وانتشر بسيفه وجهاده.وكما خيبت هجرة الرسول مساعي المتآمرين على قتله بخروجه من مكة إلى يثرب بعد أن فداه ابن أبي طالب الإمام علي(ع) وبات في فراشه ليدرأ عنه خطر الأعداء ويفديه بنفسه من مؤامرة أبي سفيان وحزبه كذلك خيبت شهادة سبطه الثائر العظيم آمال بني أمية وأتباعهم ومما يطمح إليه حفيدها يزيد بن معاوية من تحطيم الإسلام وعودة الجاهلية والأصنام آلهة آبائه وأجداده وسجلت انتصارا حطم أولئك الجبابرة الطغاة ودولتهم الجائرة العاتية التي قابلها الحسين وقضى عليها بشهادته ودمه الزكي الطاهر.هكذا تحكي لنا قصة استشهاد الحسين نهاية الحياة الفانية إلى الخلود الأبدي لأحد أهم أبطال هذه التراجيديا الثورية الخالدة , وهي تؤشر على البعد الإنساني الحميم في واحدة من أبشع معارك العرب , حيث قتل فيها ابن بنت نبيهم بطريقة وحشية مثيرة للاشمئزاز وسبيت نساء آل النبي بشكل مهين على يد جيش ما يدعون ((الخلافة الإسلامية)) بقيادة رفيق طفولة الحسين , عمر بن سعد . إن دماء الحسين ليست ملك لطائفة معينة , نحن هنا أمام قصة إسلامية عربية محكومة بمنظومة القيم التي جاء بها محمد بن عبدا لله(ص) والتي أراد لها البعض أن تكون تلك القيم والمبادئ تصب في مصلحته الخاصة من خلال تحريفه لتلك القيم والمبادئ . وينسى البعض إن الحسين لم يكن ضحية ولم يكن مظلوما , بل كان قائدا إصلاحيا ثوريا لم يهادن الظلم ولم يركع للطغيان ولم يقف بجوار الفاسدين , فقد رفض بيعة يزيد الذي كان البعض يراه أميرا للمسلمين , لكنه فضل الموت على تلك البيعة , لأنه خرج رافعا أهداف إصلاحية إستراتيجية للأمة ( إني لم اخرج أشرا ولا بطرا.......) وقد رأى الإمام (ع) من الواجب الشرعي والتكليف الإلهي مواجهة ذلك الفساد للحفاظ على الإسلام كما ورثه عن آبائه , وليس الإسلام كما أريد له أن يكون ضيعة في أيدي ملوك الجور وسلاطين الطغيان . في ذلك المقطع الزمني قرر الحسين(ع) أن يكون مصلحا , وكشأن المصلحين في العالم ,المدفوعين بالشعور بالمسؤولية , لم يكن الحسين خائفا أو مرعوبا أو مضطرا , كان مصمما وصاحب عزيمة وحامل رسالة إلهية.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك