ابراهيم احمد الغانمي
في بلد مثل العراق يمتاز بتنوع نسيجه الاجتماعي والسياسي، لايمكن ادارة وتوجيه شؤونه بنجاح من دون مشاركة حقيقية من كل الاطراف السياسية التي تعكس ذلك التنوع وتعبر عنه بصورة صحيحة، وتترجمه على ارض الواقع.والعراق ليس البلد الوحيد في العالم الذي يحمل ميزة التنوع، فهناك بلدان اخرى تحمل نفس الميزة مثل سويسرا وبلجيكا وهولندا والولايات المتحدة الاميركية واستراليا وكندا ولبنان وايران ونيجيريا وغيرها.والبعض من هذه الدول نجحت في التوصل الى صيغ مناسبة وملائمة لاستيعاب وتوظيف ميزة التنوع واستثمارها بالشكل الصحيح للتقدم الى الامام وترسيخ الديمقراطية والحرية والعدالة والنهوض والازدهار، والبعض الاخر منها اخفقت في ذلك وفشلت لتعيش في دوامة الصراعات والنزاعات والحروب والفقر والمرض والتخلف.والنموذج الاول سار في الطريق الصحيح من خلال تبني النظام الديمقراطي الذي صهر كل المكونات في بوتقة واحدة، وضمن حقوقا للجميع مثلما رتب واجبات على الجميع، ووفر فضاء واسعا لكل المكونات لكي تشارك مشاركة حقيقية وفي كل المستويات بأدارة شؤون البلد، لذلك نجد ان الحروب والصراعات الداخلية والمشاكل السياسية الحادة والاحتقانات التي تعطل مسيرة البناء، وتهدد مصالح الناس ليس لها حيز في الواقع العام، على العكس تماما من النموذج الثاني الذي اعتمد النظام الديكتاتوري الشمولي الاستبدادي، الذي يقوم على حكم وتسلط اقلية قومية او دينية او اثنية على مقدرات وشؤون البلاد واقصاء وتهميش كل المكونات الاخرى واعتماد منهج القمع والتنكيل بحق الاخرين، بحيث تغيب كل مظاهر المعارضة والرأي الاخر حتى وان كان طابعه سلميا لايشكل تهديدا حقيقيا للسلطة والنظام. والعراق في عهد نظام البعث الصدامي المقبور مثل النموذج الاسوأ للانظمة الديكتاتورية، فهو قمع الاكراد في الشمال، والشيعة في الجنوب والفرات الاوسط، والسنة في الموصل والرمادي وتكريت، والتركمان في كركوك، والمسيحيين في اماكن مختلفة، ولم يكن يمثل مكونا بعينه، ولم يدافع ويحمي مكونا بذاته، رغم انه كان يحاول دائما الايحاء بأنه يمثل طائفة معينة في مقابل طائفة اخرى، وقومية مقابل قوميات اخرى.وبعد زوال النظام الديكتاتوري كان من الممكن للعراق ان يكون نموذجا صالحا وحسنا للديمقراطية في بيئة اقليمية تعاني التخلف والقصور وضعف الثقافة السياسية الديمقراطية ، وشيوع ثقافة التسلط والقمع والاقصاء، ومازال ذلك الامر ممكنا ومتاحا رغم الكم الكبير من المشاكل والتحديات التي واجهها ويواجهها العراق من الداخل والخارج على حد سواء.تكريس مبدأ المشاركة الوطنية الحقيقية هو الخطوة الاولى لجعل العراق نموذجا صالحا وحسنا للانظمة الديمقراطية في المجتمعات التعددية، والمشاركة الحقيقية كمبدا لابد ان يقترن بوجود دستور دائم يحظى بالقبول والاحترام ويكون هو المرجعية السياسية والقانونية لشركاء الوطن، ولايكون عرضة للمساومات والصفقات السياسية التي تضمن مصالح طرف او اطراف معينة لكنها تهدد مصالح البلد برمتها وتجعلها في مهب الريح.الشراكة الحقيقية والدستور المصان والمحترم احد ابرز اعمدة وركائز نجاح التجربة الديمقراطية في العراق.
https://telegram.me/buratha