حسن الهاشمي
العلاقة التي تربط بين الإنسان المؤمن والمرجعية الرشيدة هي علاقة إيمانية مبنية على أسس لا يستمرؤها إلا من امتحن الله قلبه للإيمان، ووطن نفسه لإتباع السبل التي توصله إلى ساحل النجاة وهو بذلك يخوض عباب المشاكل والمعوقات بكل ثقة وبكل رباطة جأش، لأنه يستند إلى حيث الشرع المقدس في تصرفاته ولاسيما المصيرية منها، ومن هذا المنطلق فإن المرجعية المتوفرة فيها شرائط التقليد هي التي تبين شرع الله بما أوتيت من ملكات علمية وإيمانية وأخلاقية ولا تخاف في ذلك لومة لائم، ولا تهاب أي قوة في الأرض سوى الله سبحانه تعالى، أما إذا ما رأت المصلحة في السكوت عن بعض الحالات فإنما تلجأ إلى ذلك لأنها تشخص إن السكوت أنفع للأمة والدين من الكلام والتحرك، وهي وحدها التي تشخص المصالح والمفاسد وهي وحدها القادرة على أن تأخذ بأيدينا في زمن الغيبة إلى طريق النجاة.
ومن تلك الفتاوى التي أطلقها علماء الدين حفظا للأمة من الانهيار والسقوط والإسفاف، وردعا للظالمين من التمادي في ظلمهم وغيهم، وترسيخا للوحدة الإسلامية التي تذوب في بوتقتها كل القوميات والمذاهب والإثنيات، وتوثيقا لأواصر الثقة والمحبة والألفة والأخوة بين الشعوب لمواجهة الطغاة، ورعاية لحقوق كل من ينتمي إلى أمة الإسلام أو الذي يعيش في ربوعه ويستظل تحت فيئه، فإننا نلمح تلك الفتوى المعروفة التي أصدرها سماحة آية الله العظمى السيد محسن الحكيم (قدس) في حرمة مقاتلة الأكراد في شمال العراق عام 1964 م عندما قامت حكومة عبد السلام عارف القومية في العراق بقتلهم بلا رحمة، فكانت فتوى السيد محسن الحكيم بتحريم دمائهم ردا على إرهاب الدولة المستبدة؛ لأنّهم مسلمون، تجمعهم مع العرب روابط الأُخوّة والدين.
فالسيد الحكيم بفتواه تلك ضرب أروع الأمثلة في التمازج القومي والإثني والمذهبي ضد التعسف والظلم والاستبداد، وإن الإسلام لا يفرق بين جنس أو مذهب أو قومية فالكل سواسية أمام القانون ولهم حق الحياة والتعلم والرفاه ما داموا يستظلون بظله الوارف، دونما يطال أحد المسلمين أو من يلوذ بهم من أقليات أي أذى وأي حيف أو ظلم أو انتهاك، وهكذا ظل السيد الحكيم حكيم في تصرفاته لا يقبل الظلم ولا يحابي الظلمة، وكان وقع وفاته عظيما على جميع المؤمنين وفي شتى أصقاع العالم ولاسيما في العراق من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه لأنه كان يمثل القيم والإنسانية قبل أن يمثل طائفة أو جماعة معينة.
نعم تُوفّي (قدس سره) في السابع والعشرين من ربيع الأوّل 1390ﻫ / 1971م، واستغرق تشييعه من العاصمة بغداد إلى النجف الأشرف مدّة يومين بموكبٍ مهيب، حضره مئات الآلاف من المؤمنين حتى كاد أن يتحول ذلك التشييع إلى انتفاضة صارخة ضد النظام البعثي في العراق، ودفن (قدس سره) بمقبرة خاصة له إلى جوار مكتبته في مدينة النجف الاشرف، ليكون قبره منارا يلوذ به الأحرار، ومنتجعا يتدثر به العلماء على مر الدهور.
https://telegram.me/buratha