حافظ آل بشارة
أضافت عمليات القتل الجماعي العشوائي للمدنيين في بغداد أخيرا مشهدا جديدا للتيار التكفيري وهو يرسم صورة منكرة للاسلام في عيون العالم ، ومع ان فريق التشدد وفريق الاعتدال موجودان منذ فجر الاسلام ويسيران في خطين متوازيين لكن التكفير لم يحقق يوما هيمنة في الساحة بهذا المستوى ، وتقف وراء هذا التحول ترسانة كبيرة من الأموال والامكانيات البشرية وجذب قطاع كبير من الشباب للانضمام اليه مستغلا الحقد الواسع على الحكومات ، مستغلا الأزمة النفسية التي يمر بها شباب المنطقة بسبب الاحباط وفقدان الهوية والبطالة والذل والشعور بالظلم والتهميش ، فهو يلبي لديهم رغبة الانتقام واثبات الذات ومعالجة مشاعر الهزيمة ، من جانبها قامت بعض الحكومات باستغلال هذا النهج لخدمة نفوذها في المنطقة اذ حولته الى قوة ضاربة تستخدمها لتحقيق مكاسب سياسية وللضغط على الخصوم الاقليميين ، وعندما ظهرت الموجة التكفيرية الحديثة وأخذت تريق الدماء وتدمر العمران وتهدد الحياة شعر العالم انه بحاجة الى الضد النوعي اي الاسلام المعتدل الذي يفترض ان يكون قويا وقادرا على الوقوف بوجه الموجة وابطالها ، لكن فوجئ العالم بالضعف والخواء والعجز يهيمن على النوع الثاني أو الاسلام بنسخته الاصلية والذي يقال عادة انه معتدل ويدعو الى علاقات انسانية مبنية على الحوار والتعايش والتعددية والسلام ، فهو ضعيف ومحدود وغائب عن الساحة بعد ان تم استخدامه رسميا كجزء من المؤسسة القمعية ويسبغ عليها الشرعية من خلال وعاظ السلاطين . تبدو المعركة كأنها تجري بين جبهة التكفير وبين العالم كله الذي اصبح في موقع العدو المحارب المتهم بالكفر ومعه المخالفون من المسلمين . ربما هناك عقوبة الهية تنتقم من اصحاب الموجة العلمانية الوجودية الالحادية التي عمت العالم الاسلامي منذ خمسينيات القرن الماضي تقليدا لاوربا فدعت الى طرد الدين من الحياة وفصله عن المجتمع سواء كان معتدلا أو متطرفا ، كما انتشرت موضة السخرية من الكتب السماوية والوحي والعلماء والمتدينين وتزامنت الموجة مع بطش الحكام بدعاة الاسلام الأصيل من الطائفتين بالقتل والسجن والتهجير والتشويه الاعلامي فلم يعد لهم وجود ، ذلك لان قوى الهيمنة العالمية ومن يتبعها كانوا يخشون عودة الاسلام و الأمة الاسلامية الى الصدارة فحاربوا دين الله الذي هو رحمة للعالمين ، الامر الذي اضعف الاتجاه الديني المعتدل المتحضر الذي كان قادرا على استيعاب تطلعات الشعوب ورعاية التحولات الايجابية في حياة البشرية و التجدد ومواجهة التيارات الباطلة ، وجريا على السنن التأريخية التي لاتخطئ أبدلهم الله بقوم لا يفهمون سوى لغة الدم والفتك ، وكان ممكنا لهذه القوة الهائلة ان تكون ذات دور ايجابي لكن حالفها الخذلان وسوء العاقبة فهي مثلما تستهدف الطواغيت واذنابهم تذبح المستضعفين والفقراء والعزل وتتقرب الى الله بدمائهم وكفى بذلك خسرانا مبينا !
https://telegram.me/buratha
