حميد الشاكر
ربما الكثير من العراقيين ،وحتى ربما على المستوى القيادي في اجهزة الامن العراقية ، لايدركون من ماهية الارهاب الا قشوره الخارجية وظواهره الاخبارية التي تطرحهاوسائل الاعلام امام انظارهم وتدحرجها الى مثاقب اذانهم ليعرفوا الارهاب على اساس : (انه ذالك الانتحاري الارهابي الهمجي القادم من عمق الصحراء والجاهلية ليلتحف حزاما ناسفااو يقود شاحنة مملوءة بقنابل مخلفات الجيش العراقي السابق ليفجر نفسه ويفجرها في احد الاسواق او قرب مقعد لعمال خرجوا لالتقاط رزقهم في صباح يوم ما ، او قرب مدرسة او مسجد او كنيسة او حسينية .... وهو مملوء ومشحون حقدا طائفيا او دينيا وبتوجيه ومساندة طبعا من صداميين داخل العراق ) !!!.
والحقيقةان هذه الرؤيةللارهاب تنتمي بالفعل للقرن المنصرم من فعاليات العمل الارهابي في افغانستان اوفي باكستان اوالمملكة السعوديةوهي ايضا الرؤية نفسها التي تسيطرعلى عقلية العمل الامني العراقي الذي يعجزعن فهم الظاهرة الارهابية بكل ابعادها التقنية والبشرية الحديثةوكذا هي الرؤية التي تجعلنافي العراق بحالة ضعف وعجزكبير لادراك المشهدالارهابي وتقييمه بواقعية ومن ثم التعامل معه بمستوى اعلى للانتصار والتفوّق عليه من جهة واستباقه بخطوة لاجهاض عمله من جانب آخر!
نعم اذا فهمنا الارهاب الضارب في العراق على اساس هذه الرؤية الحجرية والقديمة والبدائية فاصبح لزاما علينا ان نتخلف عن ركب الحركة والسرعة والعقلية الارهابية العاملة بتقنية وتخطيط عالي المستوى داخل العراق وحتى خارجه ، ولوجدنا انفسنا في كل مرّة كعراقيين وكأجهزة أمن وسياسيين نعيد ونكررنفس السؤال الفاشل عندما تحرق اطفالنابالقنابل او تهدم دور عبادتنا او تذبح نسائنا وشيوخنا في الطرقات ويدمر بلدنا بكيف حصل هذا ؟، واين العجز والخلل ؟، ولماذا هذا العجز لاجهزتنا الامنية ؟، وهل هناك مؤامرة بين الارهاب واجهزة الامن داخل العراق ؟.... الخ ، بينما يكون المفروض بنا كعراقيين لا أن نعيد الاسألة والاستفهام كلما حدث عمل ارهابي وانما نعيد كل رؤيتنا وتصوراتنا للعمل الارهابي وللظاهرة الارهابية ، ونبحث في الياته التي استخدمها هذه المرّة بشكل مختلف عن المرّة السابقة ، ولماذا ومن اين وكيف ... طوّر عمله الارهابي بينما نحن بقينا كعراقيين نلاحق فقط ذالك الارهابي الانتحاري القادم عبر الحدود ،لينتحر داخل العراق ليقتل نفسه ويقتل الاخرين ولنلقي كل لوم الارهاب وظاهرته على هذا التافه الذي هو مجرد حلقة صغيرة وتافهة في العمل الارهابي العالمي اليوم !!.
إن الارهاب في العالم كله ، وليس في العراق فقط تطوّر في عمله الاجرامي بشكل لايستطيع القارئ لنبضات حركته الا أن يلتقط ثلاث مفاصل رئيسية في معرفة ، وادراك وتقييم ظاهرته المتحركة على الارض، وبنيته التي تميز ملامح شخصيته من شخصية باقي الظواهر البشرية الاخرى ، وهذه المفاصل هي :اولا : العقلية العلمية الاكاديمية الحديثة لقيادته.ثانيا : رفد رأسمال تجاري متحرك ومنتج لدعم الارهاب ومستلزماته !.ثالثا : استخدام احدث التقنيات التكنلوجية الحديثة لاغراضه واهدافه وغاياته الارهابية !!.
وكما يرى القارئ فللوهلة الاولى يعتقد اننا نتحدث عن جامعة هي موجودة في بريطانيا او الولايات المتحدة او في طهران اليوم ولانتحدث عن ظاهرة ارهاب تعيش في جبال تورابورا الافغانية او داخل عشش الفقراء في قرى ونجوع افغانستان !!.
لكنّ ليعلم القارئ العزيزان تصوير الاعلام العالمي الغربي والاسلامي والعربي لظاهرة الارهاب على اساس انهاظاهرة تعيش في القرون الوسطى وتقف خلفه اجندات سياسية شيئ ، وحقيقة الارهاب المتحرك والفاعل والذي يحصد ارواحنا في العراق كل يوم وباساليب لايعرفها الا الذي مطلع عليهاشيئ مختلف تماما عن ما يرّوج له الاعلام الخبري السياسي العالمي والمحلي في الواقع والويل كل الويل لقادة امنيين او سياسيين او جماهير شعب ما تُصدق مايُقال في الاعلام ولاتدرك الاحداث بعقلية مستقلة وقارئة للاحداث والظواهر ، ومنها بطبيعة الحال ظاهرة الارهاب وكيف تدار وماهي مبادئها ومنتهاها ؟!!.
نعم في مرحلة من مراحل العمل الارهابي كان يعتمد على البدائية في عمله في افغانستان مثلا ، وفي باقي مناطق العالم الواسعة ويكون ربما عامل التخطيط والاخذ على غرّة مثل اختطاف طائرة ، او زراعة عبوة ناسفة في احد الشوارع ربما لاتنفجر لاسباب فنية كل هذا بالفعل كان مرحلة من مراحل العمل الارهابي العالمي ولكن بعدان اصبح قادة الارهاب من حملة الشهادات الاكاديمية العليا كأبن لادن المعماري والاخر الدكتور ايمن الظواهري المصري ، فعندئذ لايمكننا الا ان نتعامل مع قيادة الارهاب على اساس انها قيادة بعقلية علمية اكاديمية وان تزّيت بزي فقراء الافغان وركبت الحصان ولم تأكل بملاعق اوربا النظيفةلكنّ على اي حال لايتمكن الانسان من التخلص من اساليب تفكيره في العمل الذي نشأ عليها من الصغر ، وابدع ونجح وتعبقر فيها بالكبر كما هو حاصل بالفعل اليوم لقيادة الارهاب في العالم لأبن لادن وايمن الظواهري وعصابات المافيا السياسية في اسرائيل والمخدرات في المكسيك ، وجمهرة دوائر التطرف والعنصرية في عموم الغرب وفي اليسار الاوربي الراديكالي .... وهكذا !!.
إن من الخطأ التعامل مع الارهاب في داخل العراق وقراءة عقلية قياداته التخطيطية على اساس انها قيادات لاتحمل من العبقرية العلمية الاكاديمية التخطيطية الشيئ الكثير ،كما انه يبدوا اذا وضعنا عقلية اكاديمية كعقلية الدكتور ايمن الظواهري التي وظفّت عقليتها للعمل الارهابي المسلح ،وأسندناها بعقلية اجرامية مخابراتية صدامية ادارة البلد لمدة ثلاثين سنة سياسية وامنية وأتينا في المقابل بعقلية امنية عراقية اليوم تحمل شهادة اكاديمية متدنية علميا بكثيرعن عقلية الدكتوراه لايمن الظواهري فلاريب اننا سنلمس التفوق الكبير في التدقيق والتخطيط والتركيز للعمل الارهابي على العمل الامني داخل العراق ،باعتبار التفوق الاكاديمي والعلمي للعمل الارهابي ، والتدني والترهل للعمل الامني وهكذا مانراه اليوم كظاهرة بارزة للعيان في العراق عندما يتفوّق العمل الارهابي تخطيطا وتطبيقا وتنفيذا على العمل الامني تخطيطا وتنفيذا وتطبيقا فلاينبغي السؤال عندئذفي الزواياالخاطئة بل ينبغي علينا الذهاب لرأس المشكلة ونغيّرمن رؤية راس القيادة الامنية لتواكب عبقريةراس القيادة الارهابية من الجانب الاخروالا بغير ذالك فلايمكننا رؤية تفوق حقيقي للعمل التخطيطي الامني ،والمخابراتي والسياسي على العمل التخطيطي الارهابي داخل العراق اليوم !.
أما في المفصل الاخر للارهاب وهو المفصل الاقتصادي ، فكذالك على العراقيين ان يدركوا ان الارهاب اليوم يموّل نفسه بنفسه وليس هو ذالك الارهاب التقليدي الذي تعودنا على تصويره اعلاميا الذي يعتمد على تبرعات المحسنين ، او على اهل الخير في مخابرات الدول المجاورةفحسب بل هو ارهاب تحوّل بالفعل الى مؤسسةقائمة في الاسواق اكثر من قيامها في اي حيز من الحياة آخر ، وما ظاهرة استمراريته ودعمه لنشاطه بشكل آلي الا دليل على ان الارهاب ،بالفعل تحوّل الى مؤسسسة اقتصادية ومالية متحركة ونشطة في جميع الاسواق العالمية ، وهذا يعني بالنسبة للعراقيين ان يهيئوا انفسهم لحرب مقننة اقتصاديا مع الارهاب الضارب لبلدهم ولايبنوا خططهم الامنية على مجرد ملاحقة مصادرالتمويل لهذه او تلك من خلايا الارهاب المنتشرة داخل العراق مع انه بالفعل شيئ مهم ،ضرب منابع ومصادر التمويل الاقتصادية للارهاب اليوم ، ولكن وبجانب ذالك على قادة التخطيط داخل الادارة العراقية ان يضعوا تصوراتهم على اساس ان للارهاب اليوم سوقه بل وربمامصالحه المتشابكة مع شركات واسواق نفط وبورصة وسلاح عالمية كفيلة بتمويل مؤسسة الارهاب القائمة في العالم اليوم !!.
وعلى هذا الاساس يجب على العراقيين ان يدركوا بوصلة معركتهم مع الارهاب وان لايستهينوابقدرات الارهاب الماليةوليتعاملوا معه باعتباره دولة حقيقية قائمة في الاسواق لكن بدون اعلان لشخصيتها الارهابيةوربما هناك الكثيرمن شركات راسمال سوف لن تسمح بتهديدمصادر التمويل الارهابية في العالم باعتبارها وبدورةالسوق اصبحت من ضمن المصالح الراسماليةالكبرى التي ترتبط بشبكة معقدة من المصالح الاقتصادية العالمية الرسمية والشرعية في عالم اللاشرعية الجديد !!.
أما المفصل الاخير لملامح الشخصية الارهابية العالمية ، بصورة عامة والعراقية بصورة خاصة ، وهو مفصل : استخدام تقنية التكنلوجية العالمية المتطورة في العمل الارهابي داخل العراق فيكفي هنا ان اضرب مثلا واحدا على التقنية الارهابية المستخدمة في العمل اليوم ، وكيف ان عقلية القيادة الارهابية الاكاديمية منعكسة على هذا الاستخدام التكنلوجي والتقني والعلمي الحديث!.
وطبعا هنا لااريد ان استخدم وسائل الارهاب الاعلامية كمثل على استخدام تقنية الكمبيوتر المتطورة في عملهم فهذامايركز عليه الاعلام العربي بصورة تافهة ،لكن اريد ان اتحدث عن مادة متفجرة يستخدمها العمل الارهابي القاعدي اليوم ، وهي نفس المادة المتفجرة التي ارسلت هذه الايام بطرود من اليمن الى كل السفارات في اوربا ،ولم تكتشف من خلال اجهزة الكشف في المطارات العالمية وهي نفسهاالمادة التي دخل بها الارهابي عبدالله حسن العسيري على الامير محمدبن نايف نائب وزيرالداخلية السعودي ليفجر نفسه بدون ان تدرك اجهزة الكشف هذه المادة المتفجرة ، فياترى ماهذه المادة المتفجرة التي يستخدمها هذه الايام تنظيم القاعدة ؟.وكيف ان جميع اجهزة المطارات الاوربية الحديثة لم تستطع اكتشافها الا صدفة عندما بلغت المخابرات السعودية دول اوربا بان هناك طرود مفخخة ارسلت اليهم ، وهذا طبعا من خلال عناصر للمخابرات السعودية مخترقة لتنظيم القاعدة ؟.
الجواب : المادة تسمى بي أي تي أن ((p.e.t.n. )) وهي مادة اقوى تفجيرا من ال((تي ان تي )) بمرات كثيرة ويكفي منها مئة غرام لتدمير شاحنة كبيرة وصهرها بالتمام ، لايمكن لاي جهاز اكتشاف هذه المادة الا اجهزة معدودة مزودة :اولا : بموجات كهرومغناطيسية ، ولايوجد في كثير من اجهزة فحص المتفجرات العالمية هذه التقنية الكهرومغناطيسية .ثانيا : او اجهزة مزودة بالاشعة السينية .ثالثا : او اخذ نفس هذه المادة او شيئ قريب منها وفحصه خارجيا باجهزة مخصصة لكشف هذه المادة .
الان كيف توصلت القاعدة معرفيا وعلميا الى خطورة هذه المادة المتفجرة وتمويهها على جميع اجهزة كشف المتفجرات لولا ان هناك عقلية علميةتقنية تفكرمن داخل القاعدة الارهابية اومن خارجها لنوعية المتفجرات التدميريةالتي تستخدمهاهذه المؤسسة الارهابية الجهنمية ؟.
ثم الا ينبغي على السياسيين والامنيين العراقيين ان يدركوا اشكالية هذه النوعية المتفجرة المستخدمة قاعدياوالتي جميع اجهزة المطارات الغربية الحديثة لم تكتشفها فكيف باجهزة تافهة يقبض عليها عسكري امني أمي في سيطرة تعبانة ان يكتشف جهازه المضروب هذه النوعية من المتفجرات التي يزود القاعدة فيها انتحارييه وسياراته المفخخة داخل العراق وخارجه ؟.
هذا هو المثل البسيط الذي اردت ذكره امام انظار قوى السياسة والامن في عراقنا الجديد ليدركواعقلية الارهاب التقنية ويتعاملوا معها بنفس المستوى التقني والعلمي اوبخطوة اعلى منه علميا وتقنيا ليتفوقوا عليه وان لاينشغلواويستهلكواكل وقتهم بملاحقة معتوه انتحاري يريدان يقتل نفسه لاغير ويعتبرونه مظهرا اصيلا من مظاهرمؤسسة الارهاب الدولي هذا اليوم بل هذا الانتحاري وغيره وتجهيز سيارة مفخخة بمخلفات قنابل الحرب العراقية الايرانية ، وما الى ذالك ، كلها اصبحت اليات مكشوفة وبالامكان السيطرة عليها من خلال ادوات كشف متفجرات بسيطةاما ما نريد الوصول اليه امنيا في العراق هو التفكير الاكاديمي والتخطيط العلمي لقيادات الامن العراقيةورصد الاموال الكافية لدعم تكنلوجيا قادرة على التفوق على التكنلوجيا والمعرفة العلمية الارهابية بداخلها ، مضافا الى انشاء مؤسسة علمية مختصة بتحليل المواد ،والعناصر الكيمياوية الداخلة في عمليات الاستخدام الارهابي المتطور عالميا ، ليتمكن الامن العراقي من خلال البحوث العلمية مواكبة تطور هذه المواد في تطويرها وآلية التصدى والوقاية منها !.اي ان للقاعدة اليوم مواد متفجرة مستخدمة ارهابيا ادركنا خطورتها ، والعالم بصدد صناعة اجهزة تكنلوجية كاشفة لهذه المادة لكن لايعتقدن احد ، ان قوى الارهاب العالمي سوف تقف عند هذه المادة المتفجرة فحسب ، لتعجز عن الابتكار في اساليب العمل الاجرامي في التخطيط وفي الوسائل وفي التنفيذ كذالك ؟!.كلا بالطبع فمؤسسةالارهاب العالميةلديها من الامكانيات الفكريةوالاقتصاديةوالعلمية الشيئ الكثيرالذي بامكانه البحث والتطوير وتوظيف مراكز بحوث عالمية لصناعة وتطوير كل ماهو جديد في العمل العسكري والارهاب العالمي ولا احد بمنأي عن الارهاب التقني غير الدولة او البلد ، او اجهزة الامن او الشعب الذي يستطيع ان يقيم مراكزه المستقلة ، ومفكريه الكبار وكوادره العلمية الناهضة لحماية نفسه ونظامه وبلده وشعبه من كوارث الارهاب الجديد !!.
https://telegram.me/buratha
