حكمت مهدي جبار.
امتاز الاسلام بمنهجه الفكري القائم على اسس وقيم جاءت لتشيد صرح دنيوي وتقيم اعظم مؤسسة انسانية الغاية منها اعادة ترميم الأنسان وتضميد جراحه التي عانى منها خلال الفترات التي سبقت بزوغ فجر الأسلام وما قاسى فيها من ظلم وضياع فكري في العصور التي اضطهدته بالحديد والنار وهي تغرق بالألحاد والشرك ..وتواصل ذلك المنهج الانساني العظيم منذ ان كلف محمد النبي العربي (ص) بحمل الرسالة السماوية الى البشرية جمعاء منطلقا من ارض العرب الى الشعوب والأمم على امتداد المعمورة..غير ان الأمة العربية والأسلامية قد مرت بظروف وتقلبات كما هو الحال مع الأمم الأخرى بعد وفاة النبي محمد(ص) حيث ارتد بعض المسلمين عن دينهم وحصول الأنقلاب على الأعقاب في الدين كما قال تعالى (أفأن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم...) عمران 144 فنال ال بيت النبي وأصحابه ورجاله من القيادات حملة الرسالة الأوائل ما نالو ا من المصائب والمحن حيث سعى المرتدون على طمس آثاراولئك الرجال وبالتالي طمس هوية العروبة والأسلام..والغريب في ذلك ان حالات الأرتداد في الأسلام تواصلت وفعلت فعلها في الجسد الأسلامي رغم انتشارعقيدته في كل ارجاء العالم بلا استثناء. ثم ان المؤلم في هذا الأمر ان تلك الأرتدادت كانت من داخل البيت الأسلامي بل ومن نفس (القبيلة والعشيرة)!!! فالكل آمنوا بوحدانية الله وبنبوة محمد ورسالته وساروا على منهجه من خلال تنفيذ مفردات العبادة والفرائض والطقوس. الا انهم قد اصيبوا بحالة من التمرد على امور اخرى, لذلك جاءت تلك الأنقلابات ليس على جوهر الفكرة السملوية المقدسة. انما كانت تعترض على اليات التتنفيذ على الأرض لاسيما في بداية نشوء الأسلام كدولة ومؤسسات وكمفهوم سياسي ديني.فوقعت الأخطاء التي كان ثمنها غاليا .ونتيجة لتلك الأخطاء تعرض اهل بيت الرسول واصحابه الأوائل الى المشقة والقساوة بل والظلم الذي وصل الى سفك الدماء عبر مراحل التأريخ الأسلامي.فبدأت المشاكل ووقعت الأضطرابات حتى تحولت الى مواقف فكرية ومذاهب .وظهرت تسميات على اثر تلك المواقف والأحداث .فأساءت المؤسسة الأسلامية السياسية الفهم مع المؤسسة الأسلامية الدينية لاسيما مع المقربين من النبي وأصحابه . ونظرت المؤسسة الدينية المقربة من النبي الى الدولة الجديدة بأنها مؤسسة سياسية غمطت حق المقربين من آل البيت والصحابة في السلطة.وهنا بدأت المشاكل , لتنشأ بعدها الأتجاهات الفكرية والدينية والسياسية لتكون فرقا ومذاهبا يذهب بها اتباعها الى ما حيث يذهبون وما يروه صحيحا .علما ان كل تلك الفرق والمذاهب ترجع الى سنة الرسول ومباديء رسالته!!! وأمتدت سلسلة من الحلقات الفكرية على طول امتداد التأريخ الأسلامي لتشكل نموذجا للفكر الأسلامي الحي المتجدد في كل زمان ومكان وهي تواصل بريقها رغم التقلبات والمشاكل والمواقف على مختلف اشكالها.وكانت من اهم تلك الحلقات الفكرية هي التي ظهرت في مابين نهاية فترة حكم الدولة الأموية في حوالي منتصف القرن السابع الميلادي 750وبين بداية حكم الدولة العباسية على يدالأمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام) الملقب بـ(جعفر الصادق) والذي تمكن من ان ينشر مباديء الأسلام على حقيقتها وبلا زيف متحديا الظروف والتقلبات حتى شع نور الدين الأسلامي بفكره العظيم وعقيدته السامية بفضل الله وبفضل علمه وسياسته ومنهجه الأنساني .فكانت الفترة التي عاش فيها رغم اضطراباتها السياسية هي فترة عصر النهضة الأسلامي الكبير من خلال تأديته لواجبه في بث العلوم والمعارف والمناهج والعقيدة التي توحد المسلمين حتى اتخذه المسلمون قبلة لهم .حتى عبر عن تلك الفترة المتميزة السيد حسن مكي الخويلدي بكتابه (اهل البيت) (بأنها تعتبر افضل فترة استطاع فيها الامام جعفر الصادق وأصحابه من المسلمين من تنفس الصعداء) وأن ينشر علوم اجداده وآبائه الطاهرين وأن يبين احكام الأسلام , كما استطاع من تبيين العقائد الحقة وأبطال العقائد الفاسدة وكشف الأمور وتعرف الناس بسببه على حقيقة الأسلام ومنهجه في الكتاب والسنة .أوضح الأمام جعفر الصادق (ع) للناس في تلك الفترة المهمة والحاسمة في حياة العرب المسلمين حيث نهايات الدولة الأموية وبدايات الدولة العباسية اوضح الكثير من فروع الدين المهمة ونفض عن قلوبهم غبار الشبهات وشوائب التفرقة الطائفية ووحد المسلمين .ان العظيم في الفكرة (الجعفرية) هو سمة التجديد وخلق الحيوية والنشاط في الفكر الأسلامي . اذ اتسمت الفترة التي ظهرت فيها (الجعفرية) كحلقة فكرية كبيرة في تأريخ الأسلام بالممارسات (الديمقراطية) من خلال وجود الحرية في القول وحرية المناقشة وأبداء الآراء بل حرية (النقض) في شأن الحقائق الدينية.ولقد ازدحم طلاب العلم على ابواب الامام جعفر الصادق حتى تخرج من بين يديه 400 اربعمائة فقيه , كلهم اسسوا قواعد وأرسوا دعائم الفكر لينتشر في ارجاء الدنيا تحت عنوان واحد هو (الفكر الأسلامي) والذي وقف وراءه الأمام العظيم جعفر الصادق (ع) والذي انبثقت من فكره كل المذاهب والأتجاهات الأسلامية والتي رغم اختلافاتها وتباين آراءها فأنها تصب في مجرى واحد.حتى تشرفت بأسماءها في وحدة تنوع فكري عظيم( مذهب جعفر الصادق) او (المذهب الجعفري) أو (الجعفرية) تيمنا بدور الأمام الذي قام به في تلك الفترة..
https://telegram.me/buratha