التقارير

التغييرات بالمناصب الادارية تشمل الجميع باستثناء مدراء الهيئات.. ثبات طويل يثير شبهات


رغم التغييرات الواسعة التي أجرتها الحكومة العراقية في مناصب المدراء العامين ووكلاء الوزارات خلال السنوات الأخيرة، إلا أن مديري الهيئات المستقلة والجهات غير المرتبطة بوزارة ظلوا بمعزل عن موجة الإصلاح الإداري، حيث بقي أغلبهم في مواقعهم منذ أكثر من ثلاث أو أربع سنوات، وبعضهم منذ دورتين حكوميتين متتاليتين.

هذا الثبات غير المبرر يثير تساؤلات حول مدى التزام الحكومة بتطبيق معايير الشفافية وتكافؤ الفرص وتدوير المناصب التي نصّ عليها الدستور والقوانين العراقية. 

هيئات أنشأها الدستور وتحكمها السياسة

نصّ دستور العراق لعام 2005 على إنشاء عدد من الهيئات الوطنية المستقلة إداريًا وماليًا لتحقيق أهداف محددة بمعزل عن تأثير السلطتين التنفيذية والتشريعية وتتمتع هذه الهيئات بالشخصية المعنوية واستقلال وظيفي ويُحدد القانون مهامها وصلاحياتها. 

كما توجد هيئات أخرى أُنشئت بقوانين خاصة بعد 2003 ترتبط إداريًا بمجلس الوزراء لكنها ليست ضمن تشكيلات الوزارات (تُعرف بالجهات غير المرتبطة بوزارة). ومنها: ديوان الوقف الشيعي وديوان الوقف السني وديوان أوقاف الديانات المسيحية والايزيدية والصابئة ومؤسسة الشهداء

ومؤسسة السجناء السياسيين وهيئة الأوراق المالية والهيئة الوطنية للاستثمار وهيئة المنافذ الحدودية والهيئة العليا للحج والعمرة. 

أُنشئت الهيئات المستقلة بموجب الدستور أو قوانين خاصة وتتمتع بحصانة من التدخل التنفيذي، وتكون خاضعة لرقابة مجلس النواب أو القضاء او رئاسة الوزراء. هذه الجهات تتمتع أحيانًا باستقلال مالي أو شخصيات معنوية مستقلة بحسب قوانين تأسيسها لكنها تظل ضمن نطاق إشراف واستجواب إحدى السلطات. 

ومن هذه الهيئات والجهات، مجلس الخدمة العامة الاتحادي والمفوضية العليا لحقوق الإنسان والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وهيئة النزاهة الاتحادية وديوان الرقابة المالية الاتحادي والبنك المركزي العراقي وهيئة الإعلام والاتصالات والهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة (هيئة اجتثاث البعث)

الهيئات المصنفة مستقلة دستوريًا (المادة 102) هي مؤسسات لا تتبع أي سلطة تنفيذية بشكل مباشر، وتخضع فقط لرقابة مجلس النواب، لضمان النزاهة والحياد.

 الهيئات المستقلة ماليًا وإداريًا (المادة 103): تتمتع بحرية تنظيم ميزانياتها وإدارتها، لكنها قد ترتبط إداريًا بمجلس النواب أو مجلس الوزراء.

الهيئات غير المستقلة تمامًا مثل مؤسسة الشهداء تخضع لسياسات الحكومة التنفيذية لكنها أُنشئت بقوانين خاصة لتقديم خدمات لفئات مجتمعية معينة. 

ولا يتحدد عدد الهيئات في العراق بقانون، إذ إنّ دستور البلاد أقرّ وجودها، لكنه لم يحدّد عددها صراحة. وخلال الحكومات التي مرّت على العراقيين، تمّ استحداث أكثر من هيئة. كما ارتفع عدد الهيئات في العراق ليصبح أكثر من عدد الوزارات، إذ بلغ عددها أخيراً أكثر من 25 هيئة. 

وتخضع جميع هذه الهيئات للمحاصصة الحزبية والتقاسم بين الكتل السياسية، في وقت تصل موازنة بعضها إلى ضعف موازنة الوزارات الدائمة في البلاد.

 ولا تلقى الدعوات السياسية لتحديد عدد الهيئات وتحجيم أعمالها بالإضافة إلى إبعادها عن الأحزاب، آذاناً صاغية، إذ إنها لا تتعدى الدعوات الفردية. وما يثير استغراب العراقيين أنّ معظم الهيئات في البلاد تدار بـ"الوكالة" عبر الأحزاب. كما يتمّ توزيع الهيئات المستقلة بحسب الحصص الطائفية والقومية.

 ثبات مديري الهيئات.. ثغرة في الإصلاح الإداري

من أبرز مظاهر الخلل أن معظم مديري الهيئات لم يتغيروا منذ أكثر من ثلاث سنوات، وبعضهم تجاوز فترتين حكوميتين متتاليتين. ويعود ذلك إلى غياب آلية قانونية واضحة تحدد مدة شغل المنصب أو تفرض تقييم أداء دوري، على عكس المناصب الوزارية التي تتغير بتغير الحكومة أو يتم استبدالها بقرارات مجلس الوزراء. 

وإن استمرار المدراء في مواقعهم لسنوات طويلة – بحسب مراقبين - دون تقييم أو تداول يؤدي إلى تآكل الشفافية وضعف الأداء المؤسسي، ويخلق بيئة خصبة للفساد الإداري والمالي. ويشار الى ان البعد السياسي يلعب دوراً محورياً في بقاء مديري الهيئات في مواقعهم. 

خلال العامين الماضيين، أجرى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني حملة تغييرات واسعة شملت مئات المدراء العامين ووكلاء الوزارات في إطار مساعيه لإصلاح الجهاز الإداري للدولة. لكن مراقبين لاحظوا أن هذه الحملة لم تطل مديري الهيئات المستقلة، وهو ما فسّره البعض بأنه "تجنب للصدام السياسي" أكثر مما هو "استثناء قانوني". 

وبحسب باحثين في الشأن العراقي، فإن "تغيير مدير هيئة يعني عملياً سحب نفوذ من جهة حزبية ومنحه لأخرى، لذلك تتجنب الحكومات فتح هذا الملف خشية تفجير أزمات سياسية داخل الائتلافات الحاكمة".

 ويقترح خبراء الإدارة والحوكمة جملة من الإجراءات، من بينها، تحديد مدة قانونية لإدارة الهيئات المستقلة لا تتجاوز أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، وتفعيل آلية تقييم الأداء السنوي للمدراء عبر لجان مشتركة من البرلمان وديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة، وكذلك إبعاد الهيئات فعلياً عن المحاصصة السياسية، إضافة الى نشر تقارير سنوية شفافة عن أداء كل هيئة وميزانيتها أمام الرأي العام. وأخيراً تشريع قانون موحد ينظم شؤون الهيئات المستقلة والجهات غير المرتبطة بوزارة لتحديد الصلاحيات وآليات الرقابة.

 ويرى مختصون أن تطبيق هذه الإجراءات سيؤدي إلى تحقيق مبدأ تداول المسؤولية وتحصين المؤسسات من الفساد، كما سيسهم في تعزيز الثقة العامة بالإدارة الحكومية. 

وفي النهاية يمكن القول إنّ بقاء مديري الهيئات المستقلة في العراق دون تغيير لسنوات طويلة يكشف عن خلل إداري وسياسي عميق في بنية الدولة، ويُعد مؤشراً على غياب المساءلة الحقيقية وتغليب المصالح الحزبية على المصلحة العامة.

 وفي وقت تسعى فيه الحكومة العراقية إلى استعادة ثقة المواطنين عبر حملات الإصلاح ومكافحة الفساد، يبقى ملف الهيئات المستقلة واحداً من أكثر الملفات تعقيداً وإلحاحاً، لأن إصلاحه يمثل المدخل الحقيقي لبناء إدارة رشيدة تقوم على الكفاءة لا الولاء، وعلى الاستحقاق لا المحاصصة. 

كما إن تدوير المناصب وإعادة هيكلة الهيئات وفق معايير مهنية شفافة هو الطريق الوحيد لضمان أن تبقى هذه المؤسسات أدوات رقابة وطنية لا مراكز نفوذ حزبي، وأن تُستعاد منطق الدولة في مواجهة منطق الحصص.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك