التقارير

القضاء يشكك بالتوقيت بعد إغلاق الصناديق.. تصريح فائق زيدان يفتح جدلا دستوريا حول شرعية الانتخابات


لم يكن تصريح رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي فائق زيدان، الذي قال فيه إن تحديد موعد الانتخابات في الحادي عشر من تشرين الثاني الجاري "مخالفة صريحة للدستور"، مجرد ملاحظة إجرائية. بل بدا وكأنه يفتح واحداً من أكثر الملفات حساسية في تاريخ النظام الديمقراطي العراقي بعد 2003: العلاقة الملتبسة بين القانون والسياسة، حين تتقاطع النصوص الدستورية مع الإرادات الانتخابية.

فقد أوضح زيدان أن الموعد الدستوري الصحيح لإجراء الانتخابات يجب أن يكون في الرابع والعشرين من تشرين الثاني 2025، أي بعد انقضاء المدة الكاملة للدورة النيابية المحددة بأربع سنوات تقويمية وفق المادة (56) من الدستور. لكن هذا التصريح الصادر عن أعلى سلطة قضائية في البلاد، جاء قبل أقل من أربعٍ وعشرين ساعة على بدء الاقتراع العام، ليضع العملية برمّتها في منطقة رمادية قانونياً، ويثير موجة من التساؤلات عن مدى دستورية النتائج التي ستصدر لاحقاً.

الخبير القانوني والمستشار سالم حواس، يرى أن القضية ليست في "النية السياسية" بقدر ما هي في "التفسير الدستوري" الذي لم يُحسم منذ أول انتخابات جرت في العراق. يقول حواس بإيضاح، إن "تحديد موعد الانتخابات قبل انتهاء المدة الدستورية يُعد مخالفة صريحة لأحكام الدستور، خصوصاً لما ورد في المادة (56) التي حدّدت عمر المجلس بأربع سنوات تقويمية كاملة".

ويضيف أن "بيان مجلس القضاء الأعلى لا يترتب عليه بطلانٌ تلقائي للعملية الانتخابية، إذ يبقى البطلان رهناً بقرارٍ تصدره المحكمة الاتحادية العليا بعد النظر في الطعون المقدمة بشأنها"، مبيناً أن "عدم ترتب البطلان على المخالفة لا يعني إباحتها، بل يجعلها من قبيل المخالفات الشكلية التي تستوجب المعالجة السياسية أو القانونية دون إسقاط كامل للعملية الانتخابية".

لكن حواس يذهب أبعد من ذلك، محذّراً من "السيناريو المعاكس" الذي قد ينتج عن أي حكمٍ بالبطلان، إذ سيقود البلاد إلى مخالفة أخرى، لأن إعادة الانتخابات ستكون حينها بعد المدة المحددة دستورياً، مما "يخلق تناقضاً في تطبيق النص"، على حد قوله. ويشير إلى أن "هذا التداخل بين مخالفة التقديم ومخالفة التأخير يعكس الحاجة إلى تفسيرٍ دقيق من المحكمة الاتحادية، أو إلى تعديلٍ تشريعي يُنظّم فترات الحل والانتخابات بشكل أوضح، رغم أن النص الدستوري الحالي واضح بذاته".

في المقابل، يرى محللون سياسيون أن ما يجري يتجاوز حدود القانون إلى حقل السياسة. فالمحلل السياسي غالب الدعمي وبلقاء متلفز، يعتبر أن "تصريح رئيس مجلس القضاء الأعلى قد يكون تمهيداً لإلغاء نتائج الانتخابات المقبلة"، مرجحاً أن "المحكمة الاتحادية قد تمتنع عن المصادقة على النتائج بدعوى أن العملية أُجريت في توقيتٍ غير دستوري".

بالنسبة لكثيرين، فإن هذا الجدل يكشف عن مأزقٍ مزمن في التجربة العراقية: كل دورة انتخابية تنتهي بجدلٍ حول الشرعية، إما بسبب تأخر النتائج، أو الطعون، أو موعد الاقتراع نفسه. وبينما يُفترض بالدستور أن يكون صمام الأمان، تحوّل النص في حالات كثيرة إلى ساحةٍ للتأويل والمساومات السياسية.

من الناحية الإجرائية، لا يعني وصف الانتخابات بـ"المخالفة الدستورية" بطلانها الفوري، لأن هذا القرار لا يصدر إلا عن المحكمة الاتحادية بعد النظر في الطعون. غير أن هذا الوصف يضع الحكومة والبرلمان المقبلين في وضعٍ ملتبس، إذ يمكن الطعن بشرعية العملية لاحقاً، بما في ذلك صلاحية التشريعات والقرارات التي تصدر عن مجلسٍ قد يراه البعض "ناقص الشرعية".

وفي بلدٍ عانى من تكرار الفراغات الدستورية وتأخر تشكيل الحكومات، يُخشى أن تفتح هذه الإشكالية الباب أمام أزمة جديدة لا تقل تعقيداً عن أزمات الحل والتمديد التي عرفها العراق سابقاً.

يشير بعض الباحثين القانونيين إلى أن الإشكال المتكرر في تحديد موعد الانتخابات يعود إلى غياب نص تفصيلي يربط بين حلّ البرلمان وانتهاء مدته، وإلى الصمت الدستوري إزاء الفترات الانتقالية بين الحل وإجراء الانتخابات. ومع أن الدستور حدد سقفاً زمنياً عاماً، إلا أن الواقع السياسي ظلّ يفرض مواعيده الخاصة.

ولهذا، يرى حواس أن "التداخل بين مخالفة التقديم ومخالفة التأخير يعبّر عن خللٍ بنيوي في صياغة النص، أكثر مما يعبّر عن سوء نية سياسية"، داعياً إلى "تفسيرٍ موحد من المحكمة الاتحادية أو تعديلٍ تشريعي يُغلق هذا الباب نهائياً".

في النهاية، يبدو أن العراق يقترب من لحظة اختبار جديدة لدستوره، حيث لم يعد الجدل حول النصوص، بل حول من يملك تفسيرها ومتى. وبين قول فائق زيدان وقراءة سالم حواس وتحذيرات غالب الدعمي، تتجسد معضلة النظام السياسي العراقي: دستور وُضع لضبط السياسة، فتحوّلت السياسة إلى أداة لتطويع الدستور.

وحتى تصدر المحكمة الاتحادية قرارها الحاسم، تبقى الانتخابات قائمة على أرضٍ قانونية رخوة، تعكس حقيقة أن الشرعية في العراق لا تُمنح بالنص فقط، بل بالقبول السياسي الذي يليه.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك