واشنطن كذبت على العالم بشأن ما حصل ، في الوقت التي كانت أجهزة استخباراتها تراكم التقارير والمعلومات السرية عن إنتاج”السارين” من قبل “جبهة النصرة”!؟
في تحقيق جديد له ، هو الأول عن سوريا منذ بداية الأزمة، أكد صحفي التحقيقات الأشهر في العالم، سيمور هيرش، أن إدارة الرئيس الأميركي أوباما وأجهزة الاستخبارات الأميركية، وبخلاف ما أعلنته في حينه ولاحقا، لم يكن لديها أية قرائن ومعطيات يعتد بها تدين النظام السوري بارتكاب “مجزرة الغوطية الكيمائية” في 21 آب / أغسطس الماضي، وأخفت معلومات خطيرة تتعلق بامتلاك “جبهة النصرة” إمكانية علمية ولوجستية لارتكاب المجزرة بغاز السارين.
في تحقيقه المطول الذي نشرته مجلة “لندن ريفيو أوف بوكس” اليوم الأحد، بعد أن رفض نشره عدد من كبرى الصحف الأميركية، بما فيها مجلة”ذي نيويوركر” التي اعتاد التعاون معها لسنوات طويلة حتى ظنه الناس أحد أفراد هيئة تحريرها، قال هيرش إن أوباما ، وحين قرر شن العدوان على سوريا في أيلول/ سبتمبر الماضي، لم يبلغ العالم القصة الحقيقية والكاملة لموضوع “المجزرة الكيماوية”، وأخفى معلومات هامة بشأنها ، وقدم للرأي العام افتراضات على أنها حقائق. وأكد هيرش أن أوباما كذب على العالم حين لم يعترف بما هو معروف لدى أجهزة الاستخبارات الأميركية، وهو أن الجيش السوري ليس وحده على الساحة السورية من يستطيع استخدام الأسلحة الكيميائية، لاسيما غاز السارين وغاز الأعصاب، بل جهات معارضة أيضا، لاسيما”جبهة النصرة”. وكشف هيرش، استنادا إلى وثائق أطلع عليها ومقابلات أجراها مع مسؤولين أميركيين، أن وكالات الاستخبارات الأميركية، وخلال الأشهر التي سبقت المجزرة، أنتجت سلسلة من التقارير السرية للغاية التي تؤكد أن “جبهة النصرة” التابعة لـ”القاعدة” لديها إمكانيات تقنية لإنتاج غاز السارين، وكانت قادرة على تصنيعه بكميات ، لكن الرئيس الأميركي وإدراته كذبا على العالم حين أخفيا ذلك وأبعدا عن الشبهة، واكتفيا بالاعتماد على اتصالات هاتفية بين عسكريين سوريين لا يمكن أن تكون قرينة على تورط النظام السوري في المجزرة من أجل تبرير عدوان على سوريا.
وفي سياق فضحه تواطؤ الإعلام الأميركي مع البيت الأبيض على هذا التضليل، كشف هيرش أن صحيفة”واشنطن بوست” لم تنشر في 29 آب / أغسطس الماضي سوى جزء ضيل جدا من أصل 178 صفحة من وثائق المخابرات الأميركية التي حصل عليهاعميل وكالة الأمن القومي الأميركية “جورج سنودن” (اللاجئ في روسيا الآن)، والتي تحتوي معلومات مهمة من شأنها أن تلقي الضوء على ما حصل فعلا في “مجزرة الغوطة”، لاسيما ما يتتعلق منها بحقيقة الاتصالات بين مكتب بشار الأسد وضباطه الميدانيين في تلك الليلة وما قبلها وبعدها.
ونقل هيرش عن مسؤول كبير في مكتب الاستطلاع القومي قوله إلى المخابرات الأميركية زرعت مجسات استشعارية بالقرب من أماكن تخزين الرؤوس الحربية السورية المزودة بأسلحة كيميائية في سوريا، بحيث تعطي إنذارا مبكرا للأميركيين والإسرائيليين إذا ما حاول النظام السوري تذخير صواريخه بهذه الرؤوس استعدادا لاستخدامها. لكن أيا من هذه المجسات لم يرسل أي إنذار يفيد بأن النظام السوري أقدم على تذخير تلك الصواريخ في تلك الليلة. وكانت هذه المجسات عملت في كانون الأول / ديسمبر الماضي، وأرسلت إنذارا للأميركيين، لكن تبين أن الأمر يتعلق بمناورات تقليدية للجيش السوري شبيهة بأي مناورات أخرى يجريها أي جيش آخر. ويومها أعلن الرئيس الأميركي، دون أن يعرف العالم سبب إعلانه ذاك، أن “استخدام السارين أمر غير مقبول على الإطلاق”.
وحين وقت المجزرة، ينقل هيرش عن أحد المسؤولين الأميركيين قوله، كانت الإدارة الأميركية وأجهزتها الأمنية آخر من يعلم، وكان علمها عن طريق وسائل النشر والأشرطة و وسائل الإعلام، وليس عن طريق مجساتها و وسائط تسسها. ويلاحظ هيرش التناقض الفاضح في أرقام الضحايا. ففي الوقت الذي تحدثت فيه الإدارة الأميركية عن 1429 ضحية، بينها 400 طفل، تحدثت جماعات حقوقية عن 502 ، أما “أطباء بلا حدود” فلم تتحدث سوى عن 355، بينما تحث التقرير الفرنسي الرسمي عن 281 فقط. ولاحظ هيرش أمرا لافتا هو ما نقلته صحيفة”الديلي ميل” البريطانية عن تقرير للمخابرات البريطانية يتحدث عن أن الاستخبارات الأميركية كانت تعلم بأمر المجزرة قبل حصولها بثلاثة أيام . والسؤال الآن : إذا كانت مجسات استشعارها المزروعة بالقرب من ترسانات الأسلحة السورية لم تعطها إنذارا بأن النظام يحرك أسلحته الكيميائية لاستخدامها، فما هو مصدر معلوماتها عن المجزرة قبل حصولها بثلاثة أيام؟ أولا يعني أنها كانت تراقب ترسانة النظام، بينما كانت هناك أسلحة كيميائية أخرى غير مراقبة (في جهة أخرى) يجري استخدامها!؟
ويتوقف هيرش في تحقيقه عند تقرير خبراء الأمم المتحدة الذين أعدوا تقريرا ميدانيا عن المجزرة، لاسيما نوع الصواريخ / القذائف المستخدمة فيها. ويستند هيرش في تحليله وتفنيده للتقرير ومغالطاته على البروفيسور “ثيودور بوستول” ، أستاذ التكنولوجيا والأمن القومي في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، والمستشار العلمي لرئيس العمليات البحرية في البنتاغون ، ليقول إن القذائف المستخدمة ـ وبخلاف ادعاءات تقرير الأمم المتحدة الذي يتحدث عن أن مداها حوالي 9 كم ـ هي من صنع محلي، ولا تطير أكثر من 2كم. كما أن زاوية طيرانها يشير إلى أنها لم تطلق من مواقع النظام.
وبالعودة إلى المعلومات التي أخفتها الإدارة الأميركية، يشير هيرش إلى أن البيت الأبيض كان أنكر أن تكون جهات سورية معارضة قادرة على استخدام أسلحة كيميائية. وهذا كذب، بالنظر لأن الإدارة الأميركية كانت تملك ترسانة من التقارير السرية التي تؤكد أن “جبهة النصرة” قادرة على إنتاج السارين، وكانت تتواجد في “الغوطة الشرقية”، أي المنطقة التي وقعت فيها المجزرة. ويكشف هيرش عن وثيقة للمخابرات الأميركية أعدت أواسط الصيف الماضي وتتعلق بـ”زياد طارق أحمد” ، خبير الأسلحة الكيميائية السابق في الجيش العراقي، الذي انتقل إلى سوريا للعمل مع المنظمات الأصولية”السنية”. وينقل هيرش عن مستشار بارز في الاستخبارات الأميركية قوله إن “زياد طارق أحمد” هو المسؤول الأول لدى “جبهة النصرة” عن تصنيع الأسلحة الكيميائية، وله سجل حافل في تصنيع غاز الخردل في العراق، فضلا عن شخص آخر اضطلع في استخدام السارين. وبحسب المستشار، فإن زياد طارق أحمد “هدف رفيع المستوى للجيش الأميركي”.
وينقل هيرش عن المستشار الاستخباري قوله إن نائب مدير استخبارات الدفاع الأميركية ، ديفيد شيدDavid R. Shedd، حصل في 20 حزيران / يونيو الماضي على خلاصة تقرير سري من أربع صفحات حول قدرات “جبهة النصرة” على إنتاج غاز الأعصاب.
ويختم هيرش تحقيقه بتسجيل مفارقة مذهلة : في الوقت الذي يستمر فيه النظام السوري في تدمير ترسانته الكيميائية تحت إشراف الأمم المتحدة، تستمر “جبهة النصرة” في مراكمة خبرتها وإمكانياتها لإنتاج السارين، لينتهي الأمر على الأرجح بأن تكون الطرف الوحيد في سوريا الذي يمتلك الأسلحة الكيميائية!
ترجمة الحقيقة
رابط الخبر الأصلي:
http://www.lrb.co.uk/2013/12/08/seymour-m-hersh/whose-sarin
Share on facebookShare on twitterShare on emailShare on pinterest_shareMore Sharing Services
15
14/5/131210
https://telegram.me/buratha