يشفق السوريون على بعض الكيانات السياسية والأحزاب وحتى المنظمات الدولية ممن صدقوا مزاعم "ائتلاف الدوحة" بأنه يمثل أحدا في سورية في وقت يقف فيه هذا الائتلاف عاجزا عن تمثيل نفسه ويفشل بإيجاد معرفة واحدة بين زحمة النكرات التي أتخم نفسه بها ليذهب إلى جنيف ويشارك في اجتماع دولي الغرض المعلن منه مساعدة سورية على الخروج من الأزمة وإيجاد حل لها.
وعندما تتمثل العقدة الأساسية في عقد هذا الاجتماع في "تشتت من أطلقوا على أنفسهم المعارضة السورية وعجزهم عن تحديد من يمثلهم فيه" حسب قول سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي فإن المهم أن نعلم لماذا تعجز المعارضة عن تمثيل نفسها ومن يقف وراء ذلك وما الدافع .. وببساطة يجيب مصدر قريب من الوفد الروسي الذي أجرى مباحثات مع وفد أمريكي في باريس بالقول إن دول الخليج تقف وراء كل ذلك في حين أن الولايات المتحدة وبلدان الغرب الأخرى توافقها في هذه الخطوات الموجهة لإجهاض عقد المؤتمر حول سورية".
المصدر أوضح أن "موسكو ترى في تقديم مشروع قرار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان يلقي كامل المسؤولية عن إراقة الدماء في سوريا على الحكومة السورية ورفع الحظر على توريدات الأسلحة إلى المعارضة السورية من قبل الاتحاد الأوروبي خطوات المراد منها إجهاض عقد المؤتمر الدولي حول سوريا".
الموقف الروسي بني على الوقائع فلم يكد ينفض الاجتماع الوزاري الأوروبي في بروكسل حتى انبرت الخارجيتان الفرنسية والبريطانية للتنصل مما تم الالتزام به أوروبيا بعدم تسليح المعارضة قبل نهاية حزيران القادم لإعطاء فرصة لمؤتمر جنيف وصرحتا بشكل متزامن "أنهما غير ملزمتين بأي موعد زمني لتسليح "المعارضة السورية" أو عدم تسليحها وتحتفظان بحقهما في إرسال الأسلحة في أي وقت" وهذا الموقف لقي تأييد وتشجيع الولايات المتحدة التي تدعي أنها شريك لروسيا في السعي إلى حل سلمي ولكنها لا تمانع أن يدفع إحباط أتباعها في أوروبا بمساعي السلام إلى الوراء دون أن تتحمل هي المسؤولية.
وبالعودة "للمعارضة" فإنها لا تكاد تخرج من مأزق حتى تدخل في آخر حتى باتت تتعامل مع إهانات أسيادها ببلادة واضحة فهاهم دعاة السيادة والكرامة يتقبلون وصف عملهم واجتماعاتهم "بأنها حيض" حسب قول السفير الأمريكي السابق في سوريا عندما كان حاضرا إحدى جلساتهم قبل أن يغادر القاعة وكما أن المتهمين بالحيض لم يردوا الإهانة كذلك لم يشغل بالهم السؤال الذي طرحه السوريون "ماذا يفعل فورد في الاجتماع أصلا".
وبات واضحا أن المعارضة لا تعرف كيف يفكر الشعب السوري ولا تملك أي اتصال به وهذا أيضا أكده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بقوله "المعارضة السورية في الخارج لم تلمس معاناة الشعب السوري ومعظمها يعيش في الخارج" ليختصر بجملة معبرة انفصال المعارضة عن الواقع وعدم قدرتها على تفهم حاجات الشعب السوري فهي لا تعيش معه ولا تعلم ما يريد بالفعل.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد فانكشاف ما يسمى /المعارضة/ لم يقتصر على الأوساط الدبلوماسية بل امتد إلى الأوساط الإعلامية وها هي وكالة الصحافة الفرنسية تلخص حال الائتلاف البائس في تقرير لها قالت فيه "بعد اسبوع من المحادثات الماراثونية التي تجريها /المعارضة السورية/ بهدف اتخاذ موقف مشترك من المشاركة في المؤتمر المقرر عقده لإحلال السلام في سورية لا تزال هذه المعارضة منقسمة أكثر من أي وقت مضى بحيث تتنازعها القوى الإقليمية وتفقد شعبيتها على الأرض".
ويبدو اختلاف الهوى لدى المعارضة مرتبطا بمن يملأ جيبها بالمال ويدها بالسلاح فعندما اختلف دافعو النفقة كان طبيعيا أن يختلف مستلموها وهذا ما حصل في اسطنبول فمشايخ السعودية وقطر حضروا المؤتمر ومعهم دفاتر شيكاتهم وعلى من يريد الحصة الأكبر أن يصدع بما يؤمر فانقسم العربان وضاعت بوصلة المؤتمر الذي كان ينتظر العالم منه أن يخرج بإعلان ممثليه المشاركة في المؤتمر الدولي.
الوكالة نقلت عن بعض المشاركين في المؤتمر قولهم "إن التقدم في الاجتماع توقف تماما بسبب المحاولات الحثيثة للتأثير على المعارضة من قبل السعودية التي تريد خفض الدور القوي لجماعة /الاخوان المسلمين/ في الائتلاف وقطر التي ترغب في حماية قوة حركة /الاخوان المسلمين/ المتنفذة" ليتضح أن القرار اتخذ أم لم يتخذ فهو قرار سعودي قطري بالتنسيق أوالاختلاف ولا علاقة لمن يسمون معارضين به.
"الأمر مستحيل .. لن يتم التوصل إلى اتفاق مطلقا" يقول معارض ليضيف آخر "الضغط السعودي هائل فهي تريد أي السعودية السيطرة على الائتلاف وتهدد بقطع إمدادات الأسلحة للمسلحين في حمص" والشرط السعودي واضح هنا فهي تريد امتلاك القرار في الائتلاف مقابل تقديم السلاح الذي يقتل به السوريين ويبدو أن هذا "المعارض" شعر بالحرج فلم يذكر المال واكتفى بالسلاح.
ويسأل مراقبون ماذا تريد السعودية وقطر من تعطيل اجتماع الائتلاف ليأتي الجواب "لا نريد مؤتمر جنيف" فمن يرد جنيف فلا يتحدث عن التسليح أقله خلال هذه الفترة ويدفع باتجاه اللقاء ولكن السعودية وقطر تعلمان أن اللقاء قد يمهد لحل والحل سيجعل كل استثمارهم المالي والسياسي والطائفي يذهب أدراج الرياح ولذلك تريدان عرقلة المؤتمر وتشترك معهما تركيا صاحبة الضيافة فهي قادرة على التأثير الإيجابي في المجتمعين كما أثرت فيهم سلبا على مدى عامين ولكنها تملك نفس هواجس السعودية وقطر.
"نحن تحت حصار" هكذا وصف أحد المشاركين في اجتماع اسطنبول موضحا أن "الأمراء السعوديين سيأتون إلى الفندق وهم أكثر نفوذا من وزارة الخارجية نفسها".
وتتساوق السعودية وقطر وتركيا في محاولاتها تعطيل امكانية الحل السياسي وإفشال مؤتمر "جنيف2" مع فرنسا وبريطانيا اللتين فرضتا على الاتحاد الأوروبي التخلي عن حظر السلاح المفروض على المعارضة والالتفاف على رفض الشركاء الأوروبيين لهذا الإجراء بأن يترك الأمر لكل دولة لتقرر بمفردها في سابقة خطيرة تمس بمصداقية الاتحاد وقدرته على اتخاذ قرار جماعي.
والمثير للشك حول نوايا الأوروبيين الحقيقية أنهم يعترفون بأن سياستهم السابقة تجاه سورية زادت التطرف وحفزت مئات الإرهابيين على التوجه إلى سورية من دول أوروبا وان الخوف يكمن في عودتهم وهنا يبدو مهما الإشارة الى التحذير الأخير لوزير الخارجية الروسي الذي أطلقه أمس من "أن هناك تدفقا متزايدا للمقاتلين الأجانب القادمين إلى سورية من شمال أفريقيا ودول أوروبا" فهل سمع الأوروبيون ذلك أم أنهم يريدون الخلاص من حثالتهم فيرسلونها إلى سورية لتقتل أو تقتل ولا فرق عندهم أيا تكن الضحية.
ومما تقدم يمكن القول إن المعارضة المنضوية داخل "ائتلاف الدوحة" هي أغرب معارضات العالم أطوارا وأشدها انفصاما عن الواقع.. تعيش في الخارج وتتكلم باسم الداخل.. تدعي الوطنية وتطالب بالتدخل الخارجي.. ترى السوريين يموتون بالسلاح فترسل لهم المزيد منه وكارثة الكوارث أنها تدعو إلى الحل والحوار فتستفتي السعودية وقطر وكأنها تريد الاستفادة من خبراتهما في الديمقراطية وانهما أصلا تفتقدان الى الخبرة في ممارسة الديمقراطية، وفاقد الشيء لا يعطيه.
.................
4/5/13531/ تح:علي عبد سلمان
https://telegram.me/buratha