محرَجون ومربَكون الأعراب، تحديداً الخليجيون منهم، والأتراك والأوروبيون من التطورات السورية التي تحقّق فيها الدولة الوطنية السورية انتصارات استراتيجية هامة،
وأكثر من يبدو مرتاحاً في الجبهة العالمية من التطورات الميدانية هي روسيا، بعد أن أيقن كل حلف أعداء سورية أن فلاديمير بوتين أكثر وأشد صلابة بتحالفه مع دمشق مما كانوا يتوقعون، ولهذا بدأ دبلوماسيون وموفدون ومخابراتيون من الدول العربية، خصوصاً الخليجية، يتوافدون بعيداً عن أي ضوء إلى موسكو، ليعرفوا على وجه الدقة ماذا يحدث في المنطقة، وحتى ما هو مصيرهم.
الأوربيون بدورهم صار “حجّهم” إلى الكرملين شبه دائم، فهم يرون أن الأميركيين لا يصارحونهم بالوقائع، ولا بحقيقة الأوضاع، بل يجرّونهم كأتباع ليدفعوا كامل الغُرم، ليكتشفوا أنهم أمام شخصية روسية نادرة، فيها الكثير من اندفاعة بطرس الأكبر وأحلام كاترين الثانية، وصلابة يوري أندروبوف.. كما فيها الكثير من ايفان الرهيب.
الخلاصة العامة لكل هذا هو أن سيد الكرملين داهية ومحنّك، ومحاوِر من الطراز الرفيع، ويعرف كل تفاصيل الخارطة العالمية جغرافياً وسياسياً وتاريخياً.. واقتصادياً أيضاً.
كل هؤلاء الموفدين والرسل والاستخباراتيين كانوا قد “حجّوا” مرات ومرات إلى واشنطن، لكنهم لم يفهموا ماذا يريد سيد البيت الأبيض المهموم بأزماته السياسية والاقتصادية الخانقة.. ببساطة، اكتشفوا أن واشنطن عاصمة الضباب السياسي، ولهذا كانت هرولتهم إلى الكرملين الذي اكتشفوا أنه يعرف تماماً ما يريد، من دون كثير ضجيج، ولهذا كثيرون بدأوا يتوجهون نحو دمشق، وآخر المعلومات تفيد أن ثلاث دول أوروبية هامة هي ألمانيا وإيطاليا وبلجيكا بدأت اتصالاتها مع عاصمة الأمويين، وعلى الطريق دول أخرى بدأت تبحث عن السبل الموصلة إلى أول عاصمة في التاريخ.
حتى الفرنسيين بدأ السؤال عندهم: إلى أين قادهم هؤلاء الرؤساء الهزيلون والضعفاء، وحتى الجبناء؛ من جاك شيراك، إلى فرنسوا هولاند، وبينهما تلك الشخصية المتسللة إلى التاريخ الفرنسي من مواخير الصهيونية وعنَيْنا به نيكولا ساركوزي.
دبلوماسي فرنسي محنَّك يتحدث بألم وسخرية فيرى أنه “ليس غريباً أن يورّط الأميركيون الأوروبيين في معاركهم ومشاريعهم، ثم يتخلون عنهم ويبيعونهم، وهي ليست المرة الأولى التي يحصل فيها ذلك، فمنذ يالطا في مطلع أربعينيات القرن الماضي حتى اليوم، وما بعد، سيدأب الأميركيون على ذلك”.
الخلاصة أيضاً أن هؤلاء الأعراب والأوروبيين الذين هرولوا نحو موسكو، اكتشفوا الحقيقة المذهلة: ما دام بوتين رابضاً بقوة في الكرملين، فبشار الأسد قوي لا يتزحزح ولا يتنازل، لا بل يتقدم نحو النصر.
وهنا يتندّر أحد الدبلوماسيين الروس البارزين، حينما خاطبه موفد عربي “بأنكم تعادون معظم دول العالم إكراماً لبشار الأسد”، فجاء رد الأخير الحاسم الحازم بتعداده أسماء خمسين دولة في المحور المعادي لسورية، لا يبلغ تعداد سكانها حي من أحياء العاصمة الصينية بكين، لافتاً نظر هذا الموفد إلى أن “عدد سكان الصين والهند لوحدهما أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية، فماذا لو أضيفت روسيا، وجنوب أفريقيا، والبرازيل، وإيران، وغيرها الكثير من الدول التي تتميز بالإنتاج وبالشعوب الحية التي تمسك قراراتها بأيديها وعقولها، بعكس الكثير من الدول المعادية لسورية، التي لا تمتلك حتى قراراتها وقيادة قواتها المسلحة، سائلاً هذا الموفد: من يقود أسراب الطائرات الحربية في بلاده؟ وما إذا كانوا من الأميركيين أم لا؟
بشكل عام، فإن الدولة الوطنية السورية بعد أن سلّمت الأمم المتحدة لوائح بأسماء إرهابيين خطيرين من 28 دولة عربية وأجنبية، بدأ القلق يسيطر على العواصم الأوروبية، وبدأت الانتقادات على المستوى الرسمي والشعبي توجَّه إلى الدول الداعمة للإرهاب في سورية، كما بدأت الأسئلة تُطرح حول الأنشطة القطرية والسعودية في أوروبا، وإن كانت تحت أسماء الاستثمار، أو تمويل الأندية الرياضية، أو حتى النشاط السياحي..
ببساطة، بدأت الحسابات المتولدة من رحم الخوف..
ماذا بعد؟
تؤكد المعلومات أن الروس والصينيين أفهموا الأوروبيين والأعراب بأن سورية لن تسير في غير الاتجاه الذي تريده الدولة الوطنية، وأعلموهم بأن الأميركيين فهموا على الكرملين جيداً، وبدقة، وبالتالي فإن تأجيل مؤتمر جنيف الثاني لم يأت صدفة، لأن البيت الأبيض بحاجة ماسة إلى تهيأة الرأي العام عنده لهضم تحولاته نحو التسوية من جهة، وانتصار بشار الأسد من جهة ثانية.
فالصورة هنا باتت واضحة: الجيش السوري قرر الحسم، ليس في القصير وحسب، بل في أكثر من مكان، ولا تفاوض أبدأ قبل حسم عدد من الجبهات.
موسكو أفهمت الحلف الأطلسي أن طائراته ستسقط فوق سورية إن حاولت التحليق، والأميركيون اقتنعوا بذلك، ولعل ما عبرت عنه صحيفة “لو فيغاردو” الفرنسية قبل أيام يوضح الصورة تماماً، حيث أكدت “أنه لم يعد أمام أميركا إلا العودة إلى الخيارات الروسية، بسبب صلابة موقف موسكو، وتقدُّم الجيش السوري على كل الجبهات”.
عودة إلى الدبلوماسي الفرنسي الذي تحدث عن بيع الأميركيين للأوروبييين، حيث يقول عن المعارضات السورية: “لو أن الأسد أراد اختراع معارضة تناسبه، لما وجد أفضل من هذه التي تقاتله.. إنهم باختصار (أي المعارضات) مهووسون بجمع المال.. والمال والمال.. والسلطة على حساب بلادهم وجماجم شعبهم، لهذا فهي خيّبت الآمال بصراعاتها وأطماعها، وبالتالي تقدّمت “القاعدة”، التي كانت أحلام أوروبا وأميركا معقودة عليها.. أحلام الخيبة واليأس.. لقد هزمنا بشار الأسد، لكن لا نعلم تماماً متى الإعلان الحاسم”.
10|5|13523/ تح: علي عبد سلمان
https://telegram.me/buratha