أنطوان الحايك
من السياسة إلى الأمن، انتقلت الاهتمات الرسمية والشعبية، وبين مدينة القصير السورية وطرابلس اللبنانية، تنقل الحدث الأمني ليرخي بظلاله الثقيلة على الوضعين الاقليمي والمحلي في ظل تطورات ميدانية متسارعة وغير مفاجئة، باعتبار أنّ الحديث عن حسم معركة القصير ليس جديداً، والتحضيرات لها معروفة منذ حوالي الشهر، كما أنّ التشنج الأمني بين جبل محسن وباب التبانة بات مرتبطاً كلياً بالصراع بين النظام السوري ومعارضيه.
وإذا كانت المعارك المندلعة، بين باب التبانة من جهة وجبل محسن من جهة ثانية، استأثرت بالاهتمام الأمني المحلي، وشكلت محور المتابعات خشية امتداد نيرانها إلى جبهات أخرى، فإنّ المعارك الدائرة في مدينة القصير وصلت بتداعياتها إلى عواصم القرار الدولي، حتى أنّ الدبلوماسية الشرقية رأت فيها بداية لفرض معادلات جديدة، لا سيما أنها تشكل بداية أكيدة لاستعادة النظام المبادرة كاملة من أيدي المعارضة والدول العربية والغربية الداعمة والحاضنة لها.
وفي هذا السياق، يعتبر دبلوماسي شرقي أنّ سوريا، وبدعم من إيران وروسيا، تمكنت من فرض نفسها رقماً صعباً في أيّ تسوية مقبلة، بيد أنه يذهب إلى حد القول بأنّ الطريق إلى جنيف تمر حكماً بريف حمص وبنتائج القتال الدائر هناك، فنجاح الجيش السوري باعادة القصير وريفها إلى سيطرته يعني إنه حسم معركة حمص بكاملها لمصلحة النظام، وأسس إلى حسم معارك ريف دمشق، وبالتالي فأنه يكون قد تمكن من اعادة ترتيب الأوراق التي يتحكم بها خصومه، وضمنهم واشنطن واسرائيل التي فشلت في اقناع موسكو بالحد من دعمها المطلق لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، والتخفيف من حدة تشنجها حيال أي قرار يمكن أن يتخذه مجلس الأمن في حال انعقاده للنظر بالأزمة السورية.
انطلاقاً من هذه المقاييس، تدرج الدبلوماسية المذكورة معارك القصير في خانة التأسيس لتكريس الدور الايراني – الروسي في الشرق الأوسط، لا سيما أنها كانت محضرة تحت أنظار واشنطن والدول العربية الداعمة للمعارضة المسلحة ولجبهة "النصرة" الإسلامية، بحيث أن أحداً منهم لم يستطع تأجيلها أو حتى دعم المسلحين بشكل يمكنهم من الصمود والمقاومة لتغيير المعادلة، بدليل التقدم السريع لجيش النظام من المحاور كافة في ظل قصف مدفعي وغارات جوية لم يتمكن الغرب من ايقافها أو حتى الحد من مفاعيلها ونتائجها.
غير أن ما طرح أكثر من علامة استفهام، بالنسبة للمصدر، هو الصمت العربي والتركي في مقابل التهديدات الاسرائيلية المباشرة، وما اذا كان هذا الصمت نتيجة عجز واستسلام أم أنه حصيلة ضغوط أميركية وروسية مباشرة، لا سيما أن هناك من يعتقد بأن مسار الأحداث السورية ما زال في دائرة الضبط الدولي، ولم يصل إلى حد تهديد السلام الاقليمي أو حتى السلام العالمي، وبالتالي فإن كل ما يحصل راهناً هو ترتيبات ربع الساعة الأخير. وذلك في ظل مؤشرات لا بد من التوقف عندها أبرزها: عجز واشنطن على اقناع موسكو بالتخلي عن الرئيس الأسد حتى ولو استمر النظام برموزه غير المتشددة، فضلا عن عجز موسكو على اقناع المعارضة بالجلوس إلى طاولة حوار تضم الرئيس الاسد، ناهيك عن الإحراج الذي تتخبط به واشنطن لعدم قدرتها على الوفاء بالتزامات قطعتها لتركيا ولدول الخليج العربي باسقاط الأسد ونظامه، اضافة إلى قرب الوصول إلى المواعيد المفصلية التي تحتاج للكثير من اعادة خلط الأوراق والتأسيس عليها لرسم حجم الأدوار.
ويخلص الدبلوماسي إلى الاعتبار أن معركة القصير أعادت خلط الأوراق بكل ما للكلمة من معنى، ففضلاً عن التوظيفات السياسية هناك واقع لا بد من التوقف عنده، وهو أن نجاح السوري في حسم المعركة لصالحه أعطاه الكثير من الكسب المعنوي، كما اعاده إلى دائرة جديدة تسمح له بخوض المزيد من معارك الاستنزاف ضد جبهة "النصرة" المدرجة أساساً على لائحة الارهاب.
3/5/13520
https://telegram.me/buratha