منذ أن كشف النقاب عن اتفاقية سايكس بيكو والاستعمار الغربي ينفذ سياسة فرق تسد والاتفاقية المذكورة جزأت الوطن العربي إلى دويلات وأقامت حدوداً مصطنعة فيها ولم تكتف بذلك بل إنها عمدت إلى الاحتلال المباشر لهذه الدول التي صنعتها ثم بدأت بخطوة ثانية هي تقسيم هذه الدول أو الأقاليم إلى دويلات متناحرة وحين أخفقت في ذلك عمدت إلى سلخ أجزاء منها وإعطائها إلى دول أخرى وكأنها إرث لها.
من هنا نقرأ جريمة فرنسا الكبرى بسلخ لواء اسكندرون وتقديمه إلى تركيا, ويوماً بعد يوم تتبين الأسباب القريبة والبعيدة لهذا التصرف الأرعن الذي اقتطع جزءاً من أرض سورية الغالية وقدمه لتركيا.
يقول هاشم عثمان في كتابه "تاريخ سورية الحديث" الصادر عن دار الريس عام 2012 إنه عندما فاحت في الجو رائحة الاتفاق الذي تم بين تركيا وفرنسا وإعلان بدء استفتاء أهالي الاسكندرون بتاريخ الثالث من أيار مايو 1938 أعلنت سورية احتجاجها بإضراب كبير جرى يوم الأحد الخامس من حزيران/يونيو 1938.
وأبدت الحكومة اهتماماً خاصاً بهذه القضية فعقد مجلس الوزراء جلسات طويلة ومتعددة وأرسلت برقية إلى باريس وجنيف تعلن فيها وجهة نظرها في القضية ورفضها للاتفاق, وتشكلت لجنة للدفاع عن الاسكندرون من مختلف الهيئات السياسية وجهت هذه اللجنة دعوة عامة لحضور الاجتماع في مكتب الكتلة الوطنية الساعة السابعة والنصف مساء الاثنين السادس من حزيران للبحث والمذاكرة في موضوع جمع الأموال للواء الاسكندرون وتقرر في الاجتماع تأليف أربع لجان لجمع الأموال هي: لجنة التجار ولجنة الأطباء والصيادلة ولجنة المحامين ولجنة الموظفين ونقابات العمال.
وفي الوقت الذي كان اجتماع لجنة الدفاع عن الاسكندرون منعقداً في مكتب الكتلة الوطنية كان اجتماع آخر يعقد في النادي العربي بهيئة عامة يبحث موضوع جمع الأموال لعرب اللواء.
وعقد اجتماع آخر في التاسعة حضره ممثلو لجنة الدفاع عن الاسكندرون ورئيس النادي العربي الدكتور سعيد فتاح الإمام نوقشت فيه فكرة تنظيم اجتماع شعبي كبير من بعد ظهر الجمعة العاشر من حزيران 1938 في صالة مقهى "اللونابارك" في شارع بغداد تقرر أن يشرف على الاجتماع الدكتور سعيد فتاح الإمام عن النادي العري وخالد الشلق عن الشباب الوطني وشفيق سليمان عن عصبة العمل القومي ورفيق رضا عن الحزب الشيوعي ورشاد الداوودي عن نقابات العمل.
كما تقرر أن تعد 50 ألف شارة توزعها فتيات طوال ثلاثة أيام وتوضع الأموال التي تجمع من ثمنها في 50 صندوقاً.
وفي السابع من حزيران أذاعت لجنة الدفاع عن الاسكندرون بياناً على الشعب جاء فيه:
"أيها السوريون تبرعوا إلى صندوق لجنة الدفاع عن لواء اسكندرون, أيها العامل والتاجر والصانع والطالب والفلاح والمزارع والملاك والطبيب والمحامي والموظف والكاتب ساعد أخاك العربي في اللواء على مقاومة الاستعمار تبرع قم بواجبك الوطني والإنساني, يجب أن نؤمن لإخواننا في اللواء المصاريف اللازمة:
1- لأجل تسفير أبناء اللواء الساكنين في المدن السورية واللبنانية إلى مراكز التسجيل في اللواء.
2- لأجل نقل من يريدون تسجيل أنفسهم من قرى اللواء إلى مراكز التسجيل.
3- لأجل تنقلات الشباب في سبيل الدعوة للتسجيل.
4- لأجل طبع ونشر البيانات في اللواء بعد تعطيل الجرائد العربية فيه.
5- لأجل مقاومة الدعاية الكمالية.
6- لأجل إعانة عائلات وأطفال ضحايا الاضطهاد في اللواء.
تبرعوا, تبرعوا واحفظوا كرامة أمتكم العربية".
وفي الخامس من تموز 1938 احتلت تركيا اللواء عسكرياً وأقامت مجلساً نيابياً من 40 عضواً منهم 22 من الأتراك و 18 من العرب.
وهكذا أسدل الستار على قضية اللواء نهائياً.
ومع الأيام تكشفت الأسباب الحقيقية لضم اللواء إلى تركيا, فقد سأل صحفي فرنسي الجنرال ويغان: لماذا تخلت فرنسا عن لواء الاسكندرون لتركيا؟ فأجاب: إن وجود تركيا قوية على حدود بلاد العرب يخفف من حماسهم ويعرقل تطورهم وتقدمهم.
وعلق أحد الباحثين الفرنسيين على المعاهدة التي تخلت فيها فرنسا عن اللواء إلى تركيا بقوله: هذه المعاهدة قبر دفنا فيه حلم الامبراطورية العربية.
14/5/13518
https://telegram.me/buratha