الموسم الرمضاني لصيف هذا العام تميز بغليان سياسي وأمني في سورية وعدد من دول المنطقة لكن موسمه الدرامي كان ساخناً في الجدل الذي دار حول مضمونه منها ما هو زوبعة في فنجان ومنها ما يؤسس لتعميم الفكر المتطرف بين المشاهدين العرب خدمة لمصالح سياسية وذلك عبر دس سموم الطائفية في عسل الترفيه الذي غالبا ما يجتمع عليه أفراد العائلة العربية.
وقد كان من اللافت في رمضان هذا العام إطلاق دعوات من قبل كتّاب سعوديين لتوظيف الأعمال الدرامية في الصراع بين السنّة والشيعة، ففي مقال نشرته جريدة ( الجزيرة ) السعودية قال الكاتب محمد عبد اللطيف آل الشيخ " الأعمال الدرامية لا بد وأن تُوظف في هذا الصراع من الفريقين سواء منا أو منهم ، وعندما نرفض أن نوظف الدراما في هذا الصراع كما يُطالب البعض، فهذا يعني حُكماً أننا منحنا لإيران تفوقاً نوعياً علينا للدعاية إلى مذهبها الصفوي، ومن ثم الترويج لمشاريعها التوسعية ، وبقينا (متكلسين) خلف مواقف مُتزمتة لا تمت للعصر ولا للأدوات العصر ولا لمنطق العصر بصلة."
ويكمل آل الشيخ رأيه" ترك الدراما لهم يتحكمون بها سيشوه شخصيات الصحابة أيّما تشويه.
وعلى صعيد متصل، حذفت قناة "ام بي سي" مقطعاً من مسلسل فرقة ناجي عطا الله يشيد فيه بطل المسلسل ناجي، والذي يقوم بدروه الفنان المصري عادل امام بحزب الله.
وفي المقطع يقول عادل إمام ما يشيد بدور المقاومة اللبنانية وصمودها أمام المحتل الاسرائيلي.
ظاهرة توظيف الدرما لتأجيج الحرب الطائفية كانت موضوع مقال الكاتب عبدالسلام بنعيسي الذي رأى أن الحرب الطائفية بين السنة والشيعة التي تنفخ في نيرانها المستعرة أمريكا وإسرائيل والغرب عموما قد وصلت إلى مجال المسلسلات التلفزيونية. لم تعد الحرب منحصرة في الإطار السياسي والإعلامي والتجاري والاستخباراتي الراهن.. لقد انتقلت الحرب الطائفية بكل بشاعتها إلى مرحلة توظيف الموروث التاريخي المشترك للمسلمين، هذا المورث الذي يكادون يجمعون على أنه كان نتاجا لعصر ذهبي تفوقوا فيه على ما سواهم من الأمم والشعوب المغايرة لهم بتمسكهم بشريعتهم السمحة وبتلاحمهم وتضامنهم.
رحم الله ذلك الزمان الذي كان يقال فيه للجمهور إن الغرض من إنتاج أعمال فنية مستمدة من وقائع تاريخنا الإسلامي العريق هو توظيف هذا التاريخ بشكل إيجابي لإنعاش ذاكرة الأجيال الحالية بأمجاد أجدادها وتضحياتهم وبطولاتهم وتضامنهم في ما بينهم كمسلمين وذلك في أفق حث هذه الأجيال على العمل من أجل تجاوز الخلافات التي تفتك بالدول الإسلامية، لإعادة روح التضامن بين مكوناتها من أجل استرداد القدس وفلسطين وتحرير جميع أراضي المسلمين التي لا تزال قابعة تحت الاحتلال، وتحقيق الوحدة الإسلامية للتصدي لكل المخاطر التي تحدق بهذه الأمة ذات التاريخ المجيد، ولكي تكون لها مكانتها اللائقة بها بين باقي أمم الأرض وشعوبها.
ذلك زمن ربما قد ولى. فالعدو على ما يبدو لم يعد كما كنا نتصور هو إسرائيل. العدو يراد له أن يكون، خصوصا من طرف الخليجيين هو إيران.
ويأتي الكاتب على ذكر مسلسل، أنتج وبث للتصدي لإيران الدولة المسلمة الجارة التي كانت علاقات دول الخليج، وأساسا منها السعودية، معها في عهد الشاه المخلوع سمنا على عسل، رغم أن إيران كانت وقتها أيضا دولة شيعية وكانت متحالفة مع إسرائيل ضد العرب وتحارب العراق بواسطة أكراده إلى أن أجبرته على توقيع اتفاقية الجزائر التي شكلت أساس كل المصائب التي حلت بالمنطقة لاحقا، بدءا من حرب الثماني سنوات، مرورا بغزو الكويت، إلى احتلال العراق...
الكاتب علاء الخطيب يرى أن الدراما الطائفية ستكون شريكا في الدمار المستقبلي واستشهد بمقولة شهيرة
تنسب لابي المسرح الروسي ستانسلافسكي او شكسبير هي( أعطني خبزا ًومسرح أعطيك شعباً مثقفاً ).
وتابع يقول:
ولم يَدُر في خلده ان تتحول الدراما الى وسيلة للطائفية يتحكم بها رجال السياسة وتتبدل مقولته الى ( أعطني دراما وفضائية أعُطيك شعبا طائفياً).
فبعد حرب المنابر والفتاوى، وسباق القنوات الطائفية في نشر الفتنة. جاء دور الدراما لتقول كلمتها في تأجيج نار الحرب الطائفية، وتتحول جوقة المثقفين والفنانين الى مجاميع راديكالية دون ان يشعروا ، فبعد ان كان هؤلاء محاربين للطائفية والراديكالية الدينية اصبحوا جزءاً منها، بل من المروجين لها عبر أدواتهم الابداعية.
حرب الدراما الطائفية، هذا الوجه من الحرب الذي إنقلب فيه الفن الى أداة لبث روح العداء بين الشعوب له مردود سلبي على بناء الذاكرة الشعبية للمسلمين، نعم نحن نعترف ان هناك خلافاً طائفياً ولكن على المثقفين أن لا يدفعوا به نحو الصراع.
وقد يقول البعض هل علينا أن لا نستحضر التاريخ وكل الأمم تفخر بتاريخها ورجالاتها؟
نعم يحق لنا ان نفخر بعظمائنا، ولكن شريطة أن يكون الاستذكار إيجابياً غير مسيس، فعندما نسيس الفن والدين نكون قد كرسنا ثقافة الحاكم، ووقعنا في شراكه وحبائله.
أذاً ماهو الفرق بين من يحرض على الطائفية في المساجد وبين من ينتج عملاً درامياً يؤدي الغرض نفسه. وماهو الفرق بين من الارهابي وبين من يدافع عن الارهاب ويتبناه؟
أن منتجي الدراما الطائفية يشاركون في الدمار المستقبلي وسيكونون يوماً ما وقوداً للحرب الطائفية القادمة. فكل ما حولنا يشير الى وقوعها، والله الساتر.
لعقود طويلة ظل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي قبلة صلوات العرب والمسلمين لكن من "نعم" التطرف الذي أسس له آل سعود وممارساتهم الدخيلة على العروبة والاسلام ها هي البوصلة تتغير، تجذبها صراعات بين المسلمين، أوقدها المتأسلمون الوهابيون كرامة لأمن الكيان الاسرائيلي، وضمانا لاستمرار دوامة هذا الصراع، يستدعي النظام السعودي خطابه الطائفي حتى في الدراما والاعلانات وبرامج تزرع الحقد في قلوب الصغار قبل أن تؤثر أكاذيبها في الكبار.
14/5/823
https://telegram.me/buratha