أين هي الحكومة مما يجري في الساحة الأمنية؟
هل الحكومة موجودة أصلاً؟
هل هي مهتمة بقتل الشيعة الذي يجري من قبل العصابات الطائفية التكفيرية والبعثية؟
وأين هو الائتلاف العراقي الموحد من كل ذلك؟
هذه أسئلة يعبر عنها الكثيرين ويمكن معها تلمس حجم الغصة التي تقف وراء ألسنتهم الحائرة في طرح معاناتها.. ولكن هذه الأسئلة التي لا يشك أحداً في مرارة من يطرحها هل يمكن لها أن تعبر بشكل جدي عن الواقع بحيث يمكن أن نتصور غياب الحكومة هذه الطريقة!!
لاشك ولا ريب إن النفي المطلق هو مثل الاثبات المطلق في هذا المجال، أي من يقول أن الحكومة ليست موجودة في هذه الأحداث هو نفسه الذي يقول بأن الحكومة موجودة في كل هذه الأحداث... لذلك دعونا نبتعد عن التعميم وتعالوا لنرى الصورة الحقيقية كما هي وأتحدث هنا لكوني أكثر من شاهد على أحداث كثيرة، فعادة ما أرى الأمور ولا أكتفي بالمشاهدة وإنما أحاول قراءة خلقياتها وما يقف وراءها من حيثيات.
وأنا في الوقت الذي يهمني فيه أن أدافع عن الحكومة لا لغرض الدفاع، بل لأنها تستحق هذا الدفاع على الأقل في الوقت الراهن، فلا خيار لنا أمام هجمة الأعداء إلا أن نصطف في صف واحد ولا نمارس سياسة الهدم التي يحاول عدونا بكل جهده أن يربينا عليها تحت ضغط الأحداث، ولأن الفارس لا يستبدل جواده في أرض المعركة كما يقال في المثل.
ولكن هذا لا يعني ـ أي دفاعي عن الحكومة ـ أن أكون أعمى عن مشاهدة الواقع كما هو لكي انقله إلى الكثير من المسؤولين الذين أبلغونا بطرق متعددة أنهم يراقبون ما يكتب في وكالة أنباء براثا باستمرار، وهؤلاء ـ وللدقة وللأمانة ـ ليسوا من الشيعة فقط، وإنما الكثير منهم من غير قائمة الائتلاف، بل أخبرنا مباشرة وغير مباشرة بأن الكثير من قائمة التوافق تقرأ ما في الوكالة يوميا، أقول: لكي أنقله لجميع هؤلاء بكل صدق ودقة.
في البداية دعونا نشير إلى قاعدتين أساسيتين من قواعد الحكم المعاصرة:
الأولى: إن أدوات التنفيذ في عهد المجرم صدام كانت ترتهن على وسائل الارهاب والقمع، وهذه الوسائل مع انها كانت من الوحشية والقسوة بمكان إلا إنها كانت تجبر دوائر الدولة ـ بحق وبباطل ـ على أن تنفذ أوامر الطغيان وفق آليات القمع المعروفة، في الوقت الذي ترتهن دولتنا الحالية نفسها بسبل العدالة ومحاولة تطبيقها بما يمكن رغم وجود خطأ هنا وخطأ هناك، ولذلك بقيت سبل التنفيذ وآلياته مختلفة تماما لا سيما وأن الكثير من منفذي اليوم هم نفسهم منفذي الأمس، ومن ثم فإن هذا الانتقال يمثل للكثير منهم مرحلة فوضوية، تتيح لهم عدم اجراء وتنفيذ الأوامر والقرارات بتلك الروح السابقة التي كان يعني فيها الأمر الواحد إلزام التنفيذ لأن الاعدام من ورائه، وهذا لا يعني حسناً في الديكتاتورية ولا قبحاً في العدالة ولكن من يريد أن يبني ليس كمن يهدم، فإذا كان اسقاط الديكتاتورية تم بالطريقة المعروفة، فإن بناء الديمقراطية أمر مختلف تماما ويحتاج لعقود من الزمن في تصوري.
ودعوني هنا ان أعقد مقارنة ما بين الحكمين، ففي الحكم السابق يحتاج صدام لأن يتفوه فقط لكي يتحول قراره إلى أمر يلزم كل دوائر الدولة، لأن من لا ينفذ (يول أقط راسو قط هو واللي خلفو) بتعبير اولاد العوجة!! ... أما رئيس الوزراء الحالي حين يقرر قرارا واحداً فإنه يحتاج لأن يعبر ما يقرب من ثلاثين دائرة تعمل ككابح ومعرقل للقرارات على ما نقل عن الدكتور عادل عبد المهدي ابتداء من الأمريكيين الذين يزجون آنوفهم في كل شيء، مرورا بكل الكتل السياسية والوزراء، إلى الارهاب بكل طوائفه وأنماطه، إلى الفساد الإداري، والفساد السياسي، إلى الجهل في القوانين، إلى الطائفية... إلى آخر السلسلة وكل واحدة من هذه تحتاج إلى جهد كبير فما بالك ب30 منها؟ ولك من بعد ذلك أن تتصور كيف يكون التنفيذ؟
والثانية: إن التغيير الحاصل لم يكن عبر ثورة شعبية تمسك بكل مقاليد الأمور، وبالتالي تضع أنساق السلطة جميعها بيد القوة التغييرية الجديدة، وإنما تم التغيير بيد الأمريكيين ولهذا ظلت كل الحكومات التي جاءت لو صح تسمية حكومة علاوي والجعفري بأنها حكومات لقصر الفترة ولظروف البلد، أسيرة في الكثير من الأحيان بيد العرقلة الأمريكية التي جاءت لكي تفرض موازين التغيير ضمن مقاساتها لا ضمن مقاسات الشعب، وهي إن لمست رغبة لدى الشعب في أن يمسك بأمر الحكم في الانتخابات فهذا لا يعني إن العملية التغييرية قد أصبحت بيد الشعب، بلى صورتها قد أصبحت بيد الشعب ولكن حقيقتها تبقى مرتهنة بكثير من أدوات العرقلة لدي اللاعب الأقوى في معادلة السلطة والتغيير الذي يستطيع ان يعرقل الجهود وبطرق مختلفة تماما لا سيما مع وجود الكثير من العوامل المساعدة التي ترغب في عملية العرقلة هذه، ولهذا حينما تحس بوجود تناغم ما بين قوى ارهابية أو حاضنة للإرهاب مع الأمريكيين فإنها في واقع الحال يجب أن تفهم من هذه النقطة ومن هذا المدخل بالذات وبالتالي يمكن فهم لماذا يكون هناك بعض العمليات المضادة للأمريكيين؟ والكثير الكثير من العمليات ضد الشعب من نفس هذه العناصر.
بناء على ذلك أنا أعتقد إن الحكومة تقوم بجهود اكثر من استثنائية لا سيما مع وجود ثوابت لا يخالف فيها عاقل ومن جملتها:
أ ـ الإخلاص الذي لا شك فيه لدى الكثير من القيادات الفاعلة في هذا الميدان، سواء في ميدان التنفيذ أو الرقابة، فما من شك لا مجال للشكل في أمثال الدكتور عادل عبد المهدي والدكتور نوري المالكي كقوة عليا في التنفيذ، وبأمثال السيد عبد العزيز الحكيم والشيخ همام حمودي والشيخ الصغير والأستاذ هادي العامري والأستاذ علي الأديب والدكتور حيدر العبادي وغيرهم الكثير.
ب ـ إن فرض الاخلاص ذاك يتعاضد مع حقيقة موضوعية أخرى هي أن هؤلاء حين وضعوا أنفسهم في الواجهة فإنهم يتصدون لأعتى الهجمات وبالتالي لا يمكن تصور انهم يقفون مكتوفي الأيدي على الأقل لكي تلحق بهم هذه الهجمات وتأكل أوصالهم أو أوضاعهم.
ج ـ إن تلك الحقيقة مشفوعة بحقيقة موضوعية ثالثة هي إن هؤلاء الذين تصدوا للعملية السياسية، إن تناسينا تلك الحقيقتين وأغفلناهما بل لو اسقطناهما فإننا لا يمكن ان نسقط حقيقة أن هؤلاء يهتمون لمصداقيتهم لأنهم تصدروا وبالنتيجة يريدون أن ينجحوا إن لم يكن لشعبهم ولمسؤولياتهم الشرعية والتاريخية والوطنية فعلى الأقل لأشخاصهم.
بعد هذه المقدمات أعتقد إن من الصحيح بمكان ان نعود للساحة ونراقب حقيقتين أساسيتين:
أولهما: إن أعداء العملية التغيرية كثيرون جدا وهم راغبون باستئصال كل ما تريد هذه العملية تنفيذه في أرض الواقع.
ثانيهما: إن الراغبين بعرقلة مسار التغيير لضبطه في مناخات أخرى وضمن أنساق اخرى هم كثيرون.
ولكن مع كل ذلك نلمس أن إرادة التغيير هي التي تتقدم، وأن الأوضاع رغم مخاضاتها العسيرة والمريرة لا توحي بجو التشاؤم الذي ينطلق منه سؤال : أين هي الحكومة مما يجري؟
بلى يمكن لمن يرى حادثة ارهابية أو أكثر في السيدية على سبيل المثال: أن يقول ذلك، ولكن هل أن الحكومة مضطلعة بالأمن في هذه المنطقة بالذات دون بقية المناطق؟
هل إن بقية المناطق تتم فيها الأوضاع بنفس الطريقة التي تجري فيها في هذه المنطقة أو تلك؟
وهل إن الحكومة بالفعل لا تريد أن تحل هذه الأزمات أو أنها عاجزة؟
ولو كانت عاجزة هل إن عجزها ذاتي أم مصطنع من قبل أعدائها؟
كمراقب أقول بأن العجز الذاتي لا وجود له، فنحن نعلم إن القوى الأمنية رغم مشاكلها الذاتية الكثيرة، ورغم شراسة الاعتداءات التي نفذت ضدها، ورغم الحرص الأمريكي على أن لا تبلغ القوى الأمنية الجاهزية المطلوبة، إلا إنها لم تنكسر أمام الارهاب مرة واحدة حتى بل كانت دائما هي المتفوقة، ولكن هذا لا يعني إن لديها القدرة بسبب ظروف موضوعية على ان تمتد لكل شارع، وإلى كل منطقة، وإلى كل زاوية، فهذا ما ليس في قدرتها قطعا، وهي لها أولويات في مجابهة الارهاب وفي تنظيم قدراتها وأعتقد أن المستمع لكثير من أحاديث البرلمان يتلمس مثل هذه الحقائق ويستيطع أن يستوعب ذلك.
فإذا ما أضفنا إلى كل ذلك حجم الاختراق الأمني الحاصل في بنية هذه القوى والممانعة الأمركية والطائفية والمحاصصاة السياسية المستمرة عن إزاحة المفسدين، لأن بنية هذه القوى تمت بصياغة أمريكية وضمن توجهات حكومة أياد علاوي التي حرصت على إعادة البعثيين إلى هذه الدوائر، فماذا يمكن لك ان تحصل على نتائج؟
أنا أعتقد أن إرادة التغيير جازمة وهي تتقدم والقوى الممانعة للتغيير تتحاصر وإلا لكان القضاء على الائتلاف وقواعده من أسهل ما يكون، فما باله غاية لا تدرك؟
محسن الجابري
وكالة أنباء براثا (واب)
https://telegram.me/buratha