رأي في الأحداث

لغة العراقي يتقدم في موسوعة غينس: يا يمة ابشري عاد الفرس بلا خيّال (حديث في أتون السباق الحكومي)

11603 17:39:00 2010-10-13

لمدة تزيد على السبعة أشهر انقطعت عن الكتابة كما انقطع البرلمان عن نفسه وكما انقطعت الحكومة عن التشكيل ليسجلوا أكبر رقم قياسي في التاريخ العالمي فلقد دخل العراق موسوعة غينس للأرقام القياسية باستحقاق وبلا رشوة وضغوط وفقاً لمبدأ (العراقي يتقدم) وها هي النسخة العراقية للتقدم تشهد يوماً من بعد آخر المزيد من تحطيم الأرقام القياسية وهي وثابة حتى لو إن عملية تكسير الأرقام قد اقترنت بتكسير رأس العراقي من ضجيج الساسة وتصريحاتهم، وبتكسير رأس الاقتصاد العراقي الذي يشهد خمولاً يحسد عليه، ومن تكسير واقع الخدمات على رأس ابن الخايبة المسمى بالمواطن العراقي، ومن تكسير الواقع الأمني على رأس اللي يسوه واللي ما يسوه لأن الحكومة حكومة الانجاز الأمني ويجب ان لا تتزحزح عن كراسيها خشية ان يتحطم هذا الانجاز رغم إنه تحطم منذ عام 2009 بتحطيم وزارة الخارجية والمالية، وحتى لو ادى كل ذلك إلى تكسير رأس الدستور والذين كتبوه والذين قبلوه واللي خلفوهم ومن سيلحق بهم.. فهذه لغة تحطيم الأرقام القياسية، والتي تعاضدت مع سرعة كبيرة ومذهلة في العداء العراقي المسمى بفساد المسؤولين، فها نحن على موعد مع بطلنا القادم لتحطيم الرقم القياسي العالمي بالرغم من إن عدّاءنا المذهل قد استطالت رقبته على غالبية دول العالم، ولكن ثمة دولة أو دولتين بقيتا لم يطالهما العداء المنتفخ و(يا يمة ابشري) تره عدّاءنا مو سهل، وراح يحطم الرقم القياسي بعون الله وبهمة الشباب! مع إن بطلاً آخراً اسمه انتهاك القانون يجري بشكل مذهل نحو اعتلاء المنصة القياسية، ولكن لا يراه إلا من له قدرة المتابعة في دولة كل سياسييها يضعون شارة القانون على جباههم وأعناقهم ورقابهم ورؤوسهم ووحده هو القانون (ملعون الوالدين) وضع أحذية الجميع على رأسه فهو بطل وإن لم ينتمي إلى عالم البطولات القياسية، فالوصفة العراقية تقول: (العراقي يتقدم) والتقدم لا زال جاريا والعداد في تصاعد والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه احد سواه!

أكثر من سبعة أشهر بين مقالي هذا ومقالي الأخير ولا زال الحال كما كان في المقال يراوح في مكانه، والأوضاع لا زالت تنبأ بأن الوقت لا زال طويلاً أمام تشكيل الحكومة، بالرغم من إن التحالف الوطني سمّى مرشحه بعد انتظار ماراثوني كبير بالرغم من تحفّظ المجلس الأعلى الإسلامي على هذا المرشح، ومن باب الإنصاف فإنه ليس التحفّظ الأول للمجلس فلقد سبقه تحفّظ آخر هو إن المجلس هو الجهة الوحيدة التي تحفظت على التحالف الوطني، لأنها رأت إن صيغة التحالف التي بنيت ليست حقيقية، وإنما هو إلى الشكل أقرب منه إلى المحتوى، وسرعان ما أثبتت الأيام إن كلامهم كان دقيقا، فالكتل السياسية المنضوية فيه خاصة دولة القانون ظلت تبحث عن المنصب المنشود مرة بطلاق غير معلن ومسعى باتجاه الخيار الأمريكي ومرة بالمجاهرة ومسعى باتجاه العراقية، ثم بطلاق رجعي وآخر بالمناكفة، وكانت رؤية المجلس الأعلى قائمة على نتائج التجربة السابقة، فالتحالف لا يبتنى على أساس المنصب، وإنما يبتنى على أساس وحدة البرنامج والصدق في الالتزام به، وقد أثبتت الأيام إن التحالف حتى حينما طرح مرشحه فقد كانت غاية الموقعين هو المنصب، أما البرنامج فليبق إلى وقت آخر ضمن ساحة عرفت بكثرة طيران الوعود والعهود كما تتطاير اللافتات في يوم تهب فيه عاصفة رملية على اجواء العاصفة، ولهذا لم يك ينظر إلى التحالف ـ بصورته التي تشكّل بها ـ إلا إنه الخنّاق لمشروعه السياسي، فالتحالف قائم على أساس عدم السماح له بتنفيذ هذا المشروع، ولهذا كان متحفّظاً منذ البداية/ ولم أستغرب صراحة موقفه الأخير لأن النتيجة التي خرج بها التحالف هي عين ما كان يراه المجلس الأعلى منذ اليوم الأول لاعلانه.

وأعجب العجب الموقف الصدري الذي أصعد المالكي أولاً ثم ذبحه ثانياً ثم عاد ثالثاً ليتراجع عن موقف رفضه، ولا شك إن صفقة في البين، ولكن هو نفس المالكي الذي عقد الصدريون معه الصفقة السابقة، والتي قالوا بأنه نقضها، فما حجم الصفقة؟ لا شك إن تحالفاً بهذه الطريقة لا يمكن أن يستديم، فلا المالكي يثق، ولا الصدريون يثقون، وبينهما اللاعب الأمريكي الذي سيحدد خيارات الطرفين فيما يريدون وفيما لا يريدون.

ولربما يلوح للمتابعين إن الطاسة قد ضاعت بين الجميع، ولكنني أعتقد إن الأمور واضحة للغاية، ودعوني أذكر المواقف بشكل مفكك لنجمعها بالأخير، فالسياسة ملف متشابك، وما لم يعمل المرء على تفكيك قضاياها فإن الأجدر بالطاسة أن تضيع، ولكن قبل كل ذلك دعونا نثبّت مفهوماً أساسياً لكي نرجع إليه، وهذا المفهوم ينطلق من طبيعة جواب السؤال التالي: أي حكومة نريد؟ هل نريدها حكومة للجميع أو لطرف دون آخر؟.

ومما يهوّن الخطب إن الجميع يتحدّث عن إنه يريد حكومة للجميع، وبمشاركة وطنية واسعة، لأن المشاركة في القرار كلما توسعت كل ما كانت قوة التنفيذ أكبر، وكل ما ضاقت كل ما كانت قوة التنفيذ أقلّ، مع تزايد في سرعة السير نحو الديكتاتورية، ولعل من المناسب هنا أن أذكر الذين كانوا يرددون بأن الحكومة بهذه الطريقة سوف تكون ضعيفة لأن رئيس الوزراء سيكون ضعيفاً لأن من سيأتي من الوزراء ليس بقراره، وإنما هو بقرار كتلته السياسية، وهذه الشبهة التي رددها السيد رئيس الوزراء الحالي كثيراً سرعان ما وجدناه نقضها بشكل كبير، وإلا لما تشكلت قائمته من (16 وزيرا) وعدد لا يحصى من الوكلاء والمدراء هم غالبيتهم من كان يقول بأنه اجبر عليهم!!

ولكن حكومة الجميع بعد التجربة التي مرت لن تكون هذه المرة مجرد كلمة يرددها السياسيون في مجالات المزايدة الإعلامية والسياسية، فالتجربة السابقة كانت قد أوجدت جداراً هائلاً من الشك والريبة بين هؤلاء، وكان نصيب المالكي وحزبه هو الأكبر لأنه كان الأكثر مناداة بهذا الشعار، والأقل عملاً بالتزامات الشراكة، بل الأكثر تنكراً لها، وموقفه من التيار الصدري والمجلس الأعلى هو خير دليل على طبيعة إيمانه بالمشاركة، ولقد كنت قلت في مقال سابق: إن المالكي أكفأ شخصية سياسية عراقية في خسارة الأصدقاء والتنكّر لهم http://burathanews.com/news/81233.html

حكومة الجميع يعني ان يشترك الجميع ضمن استحقاقاتهم،، وهذا حينما يجري بعيداً أني أحب هذا أو ذاك، فالحب والكره لا معنى له في عالم واقعيات السياسة، بل السياسي الناجح هو الذي يوفّق بين من يكرهونه من السياسيين، إذ السياسة بنت الواقع وأرقام الانتخابات تفرض بشكل جدي مشاركة كاملة للقوائم الفائزة سواء أحببت العراقية أو لم أحبها أو أحببت دولة القانون أو لم أحبها أو أحببت المجلس الأعلى أو لم احبه وهكذا البقية، بمعنى إن وجود 163 صوتاً يمنح لرئيس الوزراء لن يكون حلالاً بمفرده للمشكلة، وإنما لا بد من تأمين توافق سياسي كامل بين الأطراف الفائزة، والتوافق الذي نحتاجه يجب أن يؤمّن أمران، الأول مشاركة كل المكونات الأساسية في المجتمع (الأكراد والسنة والشيعة) والثاني تأمين أصوات رئاسة الجمهورية والتي تحتاج في البداية إلى ثلثي الأصوات، وقد يبدو للبعض إن هذا الأمر يمكن تجاوزه عبر المرحلة الثانية التي تريد نصف الأعضاء أي (163) ولكن الحقيقة التي لا مراء فيها إن عدم التوافق سلفاً على المناصب الثلاثة لا يمكن أن يؤمّن أي نهاية لجلسة البرلمان المفتوحة بطريقة قياسية تجاوزت حتى غينس وحساباته، ولهذا اعتقد إن الجميع يجب ان ينصت لصوت المنطق الرياضي في السياسة، فهذا المنطق في عالم التجريد قاس وصارم جداً، ولكنه مرن جداً في السياسة، وهي المرونة التي جعلت المالكي صاحب ال11 صوتاً في البرلمان السابق ثم انحساره إلى ثمانية أن يكن هو رئيس الوزراء، وهذا الصوت ترجمته الواضحة إن من يتم التوافق عليه هو سيكون صاحب الرقم الأعلى، وليس العكس، وإني أتعجب وبصدق من المالكي كيف لم يلتفت إلى هذه القاعدة فعمل خلال الفترات التفاوضية بلغة الطرد لا الجذب مع الأطراف السياسية، فهو يريد المنصب حتى لو سقطت كل الستر ـ وأي ستر أعز على شخص ينتمي إلى حزب الدعوة من الإسلام وقد خلعه ليتعلمن هو وحزبه ـ ولكن المنصب لا يتأمّن من خلال التحدث عن جلوس العراقية في المعارضة، ولا تهديد المجلس الأعلى وتوعّده بأنه سيحوّلهم إلى منظمة مجتمع مدني (وكأنه لم يحاول سابقاً وفشل)، فهذه سياسة طرد لا سياسة جذب، وقطعاً فإن آخر من يتحدث عن شعارات المبدئية وما إلى ذلك هو نفس المالكي فلا يعتذر من إنه يعمل بناء على ثوابته الوطنية، فقد أصبحت مثل هذه الحكايات مملولة وممجوجة لكثرة تدنيسها وتشويهها.

  وتعالوا لكي نتحرى المواقف بشكل أكثر تفصيلاً:

أ: القائمة العراقية: من الواضح إنها حينما اتحدت مع مكونات المكوّن السني شكلت قائمة كبيرة هي من حيث الأرقام البرلمانية الأكبر من نوعها، ولكنها تواجه أكثر من مشكلة أساسية في مهمة سعيها لتولي منصب رئاسة الوزراء، فهي تعلم إنها لن تستطيع ان تصل إلى هذا المنصب لأسباب عديدة، ولكنها وضعت جملة من الثوابت الأساسية في طيات عملها، وكان الثابت الأول هو رفض المالكي لتولي منصب رئاسة الوزراء بل ربما بعض التصريحات عممت الموقف لكل حزب الدعوة، ولم تفلح كل العروض والضغوط الأمريكية في ثنيها عن هذا القرار، وقد تمكنت بهذا الثابت أن تحفظ وحدتها (وهي التي كانت مهددة بالتفكك) وكان العذر دوماً إن المالكي لا يفي بتعهداته، ولا يحترم ما يتم التعاهد عليه، وبعيداً عن دقة هذا الكلام وعدمه فإنها تمكنت من أن تصد الضغوط الكبيرة التي تسلطت ليها من جانب الجانب الأمريكي، أما الثابت الثاني فهو حصتها الأساسية في تشكيل الحكومة القادمة اعتماداً على أرقام الاستحقاق الانتخابي، وهذا هو الآخر مكّنها من أن تثبت أكثر لأن هناك من ينتظر أن ينال حصته من السباق الانتخابي، أما الثابت الثالث فهو تفكيك التحالف الوطني الذي من دونه لن يكون ثمة كتلة أكبر منها، وكان أول من ابتلع الطعم هو دولة القانون التي أشغلوها ولمدة 4 أشهر بمفاوضات كادت أن تصل إلى نتيجة لولا العائق الأول، فهي لا تثق بالمالكي وبالنتيجة لن تستطيع أن تؤمّن اتفاقها معه، بالرغم من إن المالكي قد عرض عليها ما لا تحلم أي كتلة من أن تناله من حليفها بما فيها الملف الأمني بغالبية تفاصيله، ولكن عدم ثقتها جعلها تردد ما يعطيه المالكي باليد اليمنى يأخذه باليد اليسرى ما دام رئيسا للوزراء ولهذا رفضت كل العروض، وهي في موقع من جهة رابعة يتمتع بقوة، فالأكراد لن يذهبوا بعيداً عنهم إذ لا حكومة مشاركة بدونهم، وكذا المجلس الأعلى ولمدة كان التيار الصدري يتشبث بهذا المبدأ، والذي أشك أن يتراجع عن موقفه هذا حتى بعد أن تحالف مع المالكي، إذ لا يعقل أن تتشكل أية حكوومة بدون مشاركة سنية حقيقية، ولا مشاركة سنية حقيقية بدونها، وقد كان المالكي قد أقنع أطرافاً كثيرة بأنه بمجرد اعلان التحالف الوطني عن ترشيحه سوف ينسحب أكثر من (40 نائباً) من العراقية باتجاهه، ولكن حسابات الحقل خالفت حسابات البيدر بالرغم من نصائح الكثيرين له بأن المبالغة في ذلك ضرب من الخيال.

 ب: التحالف الكردستاني: لو ابتعدنا عن تشريح التحالف الكردستاني وطبيعة مواقف الحلفاء فيما بينهم، فإن وضعهم لعله هو الأفضل وهو الأصعب في نفس الوقت، فكونهم بيضة قبان أساسية يجعل أوراقهم التفاوضية رابحة، ولكن لا يمكنهم ان يبتعدوا عن لغة التوافق، حتى لو اضطروا لتقديم بعض التنازلات، إذ إن مشكلة الأكراد على ما يبدو لي مشكلة مطلبية وليست مشكلة جوهرية، ولكنها في مبدأ التوافق جوهرية، ولهذا لا تستطيع أن تبتعد عن العراقية حتى مع وجود الأصوات المعادية لهم كأسامة النجيفي وعمر الجبوري ونظائرهم، ولا يمكنها أن تبتعد عن المكوّن الشيعي بنفس القدر، فهي تبحث عن التوافق لأنها لا تستطيع ان تؤمّن مصالحها من دون هذا المبدأ، ودعوني اوضّح لكم خلفية ذلك بشكل أكبر:

أتذكر وتتذكرون ما سمي بتجمع 22 تموز الذي تشكّل في البرلمان السابق والذي كان قد وحّد بين مواقف المعارضين للمطالب الكردية في شان قانون الانتخابات، وكان التجمع في عدده البرلماني كافياً لكي يمرر المشروع الانتخابي ولكن كانت الحجة التي اسقطت المشروع هو لغة التوافق لأنهم لو خرجوا فإن ما سيقال ليس خروج عدد من النواب، فهو أمر معتاد، ولكن سيقال خروج مكوّن أساسي وبالتالي عدم المضي بالمشروع، وقد يقال إن ذلك خارج اللغة القانونية المتعارفة، ولكن هذا هو قانون العملية السياسية التي التزم بها الجميع، ولذلك فإن مراهناتهم ستكون باتجاه الكتلة التي ستكون اجماع المكونات بها، بحيث إن رفض بعض أعضاء البرلمان لمطلب ما أو موافقتهم عليه لا يؤثر على روح التوافق لديهم، ولكن حذارهم من خروج مكوّن كامل عند ذلك سينتهي هذا المطلب ولا ريب، ولذلك فإن نقضهم لهذا المبدأ أو استهانتهم به سيؤدي بهم إلى واحدة من 3 خيارات كلها مرة:

فلو قدّرنا ان قانوناً ما فرضته الأغلبية البرلمانية وهو يقف ضدهم ـ وهذا ممكن من الناحية الواقعية ـ عند ذلك يتمكنون من ايقافه بالتوافق، ولكن من دونه فهم إما سيرفضونه ويتمردون على الحكومة وهو أمر لا يريدونه، وإما أن يقبلوه ويرضخوا وهو أمر لا يريدونه، وإما أن يعلنوا انفصالهم وهو الآخر لا يريدونه بحقيقة الحال لا بلغة التطرف والتهديد، ولهذا تضمنت ورقتهم شرطاً أساسياً على من يتحالفون معه، وهو إن خروجهم من الحكومة يعني نهاية عمل الحكومة.

ويبدو لي وفق هذه المعطيات إن كفّتهم ستكون أقرب إلى العراقية منها إلى دولة القانون، وإلى المجلس الأعلى منها إلى حزب الدعوة، فالمجلس يحتفظ بعلاقات طيبة مع العراقية، وحزب الدعوة لا يفعل، والمجلس يحتفظ بعلاقات تاريخية عريقة مع الأكراد وحزب الدعوة لا يفعل، والمجلس يؤمن بروح التوافق وحزب الدعوة كان دؤوباً في رفضه، والدليل هو أنه كان من جملة تجمع 22 تموز، هذا بالرغم من إن المالكي اعطاهم تعهداً بورقتهم لولا أن هذا التعهد جوبه بمواقف الدكتور حسين الشهرستاني من داخل دولة القانون الرافضة للورقة في بعض جوانبها.

ج: دولة القانون: وهي تتمتع بجملة من مواقع القوة، فالدولة بيدها، وهي بعددها الكبير ثقل كبير في البرلمان لا يمكن الاستهانة به، ولكنها تختلف في ثوابتها الأساسية، والوقت ليس في صالحها أبدا ويهدد ما تم اعتباره ثابتا اساسيا، ومن جملة ثوابتها احتفاظها بمنصب رئيس الوزراء لشخص واحد، وهذا ما جعل مناورتها تتحدد سلفا وتتحجم مقدما، إذ لولا هذا الثابت لكانت مشكلة الحكومة قد انحلت منذ زمن بعيد، فالمطالب لدى جميع الرافضين هو شخص المالكي وليس القائمة، ولكن هذا الثابت بالرغم كونه أحد نقاط تماسك الكتلة، إلا إنه في نفس الوقت أحد معالم ضعفها بغير ما ذكرناه، فالكثير من جوانب الكتلة بدأت تتململ وترفض هذا الاصرار وبدأت اتصالاتها مع الآخرين لتأمين مواقعهم المستقبلية وما عاد خفياً إن محادثات تجري على أكثر من صعيد من مجاميعها العديدة مع أطراف أخرى، ولئن تردد هؤلاء حال انحياز التيار الصدري من الائتلاف الوطني باتجاه دولة القانون، إلا إن تحفظ المجلس الأعلى على المالكي أعاد كرتهم من جديد ولكن بصورة أقوى خصوصاً مع عدم فلاح كل الضغوط التي سلطت على المجلس من ثنيه عن قراره هذا، وقد جاء الموقف الذي اتخذه حزب الدعوة في شقيه من مرشح مجموعة الشهرستاني لمحافظة الكوت واقدامهم على عزله مؤشراً مهماً لجميع من يراقب حركة حزب الدعوة وتعهداته، بأن حليمة لا يمكن أن تترك عادتها القديمة، ولقد كنت قد قلت بان عامل الوقت ليس في صالحها، وكلامي دقيق، فالمالكي وعد خلال فترة عشرة أيام سينتهي من تشكيل الحكومة، ولا زال عداد الأيام العشرة لم يعمل بعد!! وبصراحة لم يكن موفقاً حينما قال لاجتماع العشائر إنه سيعلن تشكيل الحكومة خلال اسبوع، فلقد أراد أن يهرع إليه المستعجلون من المترددين، ولكنه لم يجد أحداً، وظل يعوّل على إن الناس تنسى مثل هذه التصريحات، وإن كنت أظن إن هذه التصريحات تزيد من أزمة الثقة به لدى الآخرين.

وقد كان الموقف الأمريكي ضاغطاً بقوة لصالح المالكي طوال 5 أشهر الماضية، ولكن دخول إيران على نفس الخط جعل اللاعب الأمريكي يتوارى لأنه يجد في الجهد الإيراني تحقيقاً للمصالح الأمريكية، ولا شك إن الإيرانيين أذكى من أن يخدعوا بهذه الخدعة الأمريكية، غير إنهم يرغبون بالمالكي لأنه سياسة الأمر الواقع، وباعتقادهم إنهم قد يفوّتون الفرصة على الأمريكيين بتحويل المالكي لصفهم، خصوصاً بعد التعهدات الكبيرة التي أعطاها المالكي للأمريكيين.وتبقى نقطة الضعف الأساسية بأن خيار دولة القانون لا يجد فرصة للإنطلاق بفرسها، ولذلك ظل جوها متلبداً ومترددا، وما تصريحات أعضاء حزب الدعوة ككمال الساعدي والمالكي والعلاق والحلي الطاردة للآخرين إلا علامات كبيرة في مسيرة التعثر هذه، وأعتقد إن زيارة المالكي الأخيرة لسوريا والتي كان ينتظر أن تحقق ضغطا على العراقية قد فشلت والدليل أن أي بيان رسمي معتاد لم يخرج عن اجتماع المالكي مع الأسد مما يعطي دليلا محتملا بأن الزيارة لم تكلل بالنجاح.

د: التيار الصدري: من الواضح إن التيار الصدري هذه المرة أوعى سياسيا منه في المرات السابقة، وقد برهنت الهيئة السياسية له على إنها تتمتع بحكمة كبيرة، ولا اعتقد ان بإمكانهم نسيان ما تسبب لهم به المالكي وحزبه، ولكنهم يسعون باتجاه تحقيق مطالب عاجلة لهم يستردون به ما أخذ منهم من قبل، وحتى في تأييدهم للمالكي الأخير يبدو لي إنهم وراء تعزيز ثمنهم التفاوضي أكثر من قناعتهم به، وبالرغم من إن قرارهم هذا أفقدهم بعضاً من المصداقية التي يحتاجونها، ولكني لا اعتقد أنهم سيسيرون بعيداً عن المجلس الأعلى، وكلما ازداد اصرار المجلس الأعلى على موقفه كل ما زاد الصدريون من ترددهم، وهذا الأمر بيّن وواضح من خلال تصريحاتهم.

هـ: تيار شهيد المحراب: لعلي دون مبالغة إن قلت بأن تيار شهيد المحراب أثبت أنه أكثر الجهات واقعية في إدراك المسارات البعيدة، وبالرغم من أزمته المتمثلة بأرقامه المتدنية برلمانيا والتي تعزى لعدم الدقة في التزام مرشحيه بطبيعة اللعبة الانتخابية والتي يعزى لها غياب عددهم الموقع إذ إن أصواتهم زادت لى الصدريين بأكثر من مئة ألف صوت، ولكن الصدريون بسبب صرامتهم في شان عدد المرشحين جعلت غالبيتهم يفوز بالمقعد البرلماني من خلال أصوات المجلس الأعلى، أقول بالرغم من هذه الأزمة إلا إن من الواضح إنه كان ذكياً جداً في إبراز عزوفه عن المنصب في قبال اقباله على البرنامج، فقد بلغ عزوفه إلى الدرجة التي جعلت مسؤوليه يصرحون إنهم لن يشاركوا بالحكومة المقبلة إن لم يضمنوا قوتها ونجاحها، ومنشأ هذه القوة أنه جعلهم في معزل عن ضغوط المنصب، مما جعل مناورتهم واسعة جدا، وعزوفهم عن المنصب هنا ليس لأغراض المزايدة الانتخابية، فالانتخابات انتهت، ولكن هذا الكلام في داخل صراع الكتل على المناصب وفي خضمه، ففيما قوّض تهالك البعض على المنصب من مساحة مناورته، تمكن المجلس من أن يتملص من التضييق في المناورة من خلال اعتماد مبدأ العزوف عن المنصب إلا بشرط البرنامج، وهذا ما مكنه من أن يلتزم بحديثه الانتخابي مع جمهوره، إذ إن كلامه اليوم هو نفس كلامه بالأمس لم يتغير، وهذه المناورة جعلته في منأى عن أن يكون محاوراً منصفاً للجميع ومع الجميع، ولذلك ما كان يعاب عليه بالأمس عاد اليوم أحد الغنائم التي لو حظي بعضهم بها لتغنى بها، فهو منذ البداية أصر على أن لا يتخلى عن أي فريق سياسي مهما بلغ به الوضع من الموقف منه، ففي شدة أزمته مع المالكي لم ينقطع عن التواصل، وهكذا الحال مع بقية الطراف، ولقد كان حزب الدعوة يعيب على المجلس كثرة علاقاته مع الأكراد، فتبين بعد ذلك إن العلاقة مع الأكراد لها نمطها الاستراتيجي والتكتيكي، وما كان يمكن أن يخرب في التكتيك، لم يسمح المجلس لنفسه، ولا لغيره بمقدار تأثيره ونفوذه أن يفرط بالاستراتيجي، وهكذا الأمر مع العراقية، فهو يختلف معها ويقول إني اختلف ولكن نقاط الاشتراك كثيرة، ولذلك كان يركز على هذا النقاط، وبالرغم من إن بعض جهاتهها استهدفت طوال فترة كبيرة المجلس دون غيره، ولكنها أحست بعد حين إن المجلس وإن كان ضارياً في قناعاته، ولكنه صادق حينما يقول ويفي بما يعد، ولا يتنصل عن تعهداته، وهو أمر سمعناه مراراً وتكراراً في أحاديث الكثير ممن كانت له خصومة ظاهرة مع تيار شهيد المحراب، وهذا ما جعل رصيده السياسي أضعاف ما لديه من المقاعد البرلمانية، إذ الجميع يعرف حقائق اللعبة الانتخابية، ويعرف أحجام القوى الحقيقية بعيداً عن صخب التهويل الاعلامي وصيحات المزايدات الانتخابية والتي يتغلب فيها عادة من يمتلك المال والسلطة، ولو قدر للمجلس الأعلى أن يبقى على التاماته هذه فإنه لا شك ولا ريب سيحظى باحترام متزايد جدا لدى الناس، الذين بدأوا يرون فيه الوجه الشفاف والواضح الذي لم يقال لهم بعد حملة الأكاذيب والتشويه التي انتهجها الخط الأمريكي في الساحة السياسية، فضلاً عن خصومه التقليديين.

بعد هذه الجولة السريعة والمرتجلة انا أعتقد أن لا فرصة للمالكي ولا لدولة القانون في العودة مرة أخرى لرئاسة الوزراء حتى بعد انحياز التيار الصدري وهو الانحياز الذي اتفق مع آخرين بأنه لن يكون مفتوحاً بل لا بد أن يجد التيار الصدري نفسه أمام باب مغلق ليعود إلى الائتلاف الوطني من جديد، خصوصاً وأن السيد المالكي من النوع الذي يعين خصومه عليه بانفعالاته وقرارته المرتجلة، كما وإني اعتقد إن الأزمة الحكومية تسير باتجاه الحل وليس التعقيد، وأن تغييرا جذريا في طبيعة التحالفات سيطيح بكل العراقيل التي لا تزال توضع في عجلات العملية السياسية.

ولي عودة أخرى والحمد لله على كل حال.

محسن علي الجابريالنجف الأشرف ـ ثلمة العمارة

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
ابو علي
2010-10-17
اهلا وسهلا بالاستاذ محسن والله واشتقنا لكتاباتك وارائك السديده فالساحه محتاجه لقلمكم اكثر من السابق فتوكل على الله فانها خدمه تقدمها لاخوانك العراقيين فتحيه لك ياخي والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ابو حسنين النجفي
2010-10-16
ان هذه الاجنده التي فرضت على الشعب العراقي منذ عام 2004 الى هذه اللحظة هي اجنده فارغة المنال واكرر هي مفروضه على الشعب العراقي والشعب حاليا لا يملك اي خيار الا بالصدح عاليا امام انظارالعالم اعلاميا لرفضهم ومن خلال الانتخابات القادمه او من خلال مجلس البرلمان فيتشريعاته الجديده لكبح جماح هؤلاء المستنفعين على دماء وقوت هذا الشعب المسكين الذي لا حول ولا قوة له الا بالله العلي العظيم؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ابو عبدالله الفلوجي
2010-10-13
الاخ الجابري المحترم مهما تغيرت الوجوه التي لااظن انها ستتغير لكني اؤؤكد انه ستبقى كما يقول المثل العراقي نفس الطاسه ونفس الحمام
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك